الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 10:53 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : العرب من أحلام الوحدة إلى هواجس تقسيم الدول

الأموال

أحسب أن قراءة المشهد السياسى والإنسانى العربي.. القومى والقطرى منذ قرابة عقدين على امتداد الخريطة العربية.. تستدعى بالضرورة التذكير بل الترحم على زمن كانت فيه أحلام الوحدة تراوّد وجدان الشعوب المتطلعة إلى تحقيقها فى انتظار أن تنال كل الأقطار استقلالها والذى كان وشيكًا، خاصة أن بدأت بوادر الوحدة المرتقبة عبر أول تجربة وحدوية كاملة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٨ تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة حيث توارى اسما الدولتين لإعلاء فكرة الوحدة.

ورغم فشل تلك التجربة الوحدوية الأولى بعد ثلاث سنوات ونصف السنة وعلى النحو الذى بدا انتكاسة صادمة لفكرة الوحدة الشاملة المأمولة منذ تلك التجربة الوليدة، بل لعلها كانت استشرافًا مبكرًا.. تأكد بمرور العقود والسنين بفشل العرب فى التوحد ولأسباب متعددة.. أولها وأهمها غيبة الإرادة السياسية للحكومات بفعل التباين والاختلاف والخلاف السياسى والأيديولوجى للحكومات والأنظمة.

لكن رغم ذلك ظلت فكرة وأحلام الوحدة حاضرة في الوجدان القومى العربى خاصة لدى الشعوب.. مرورًا بتجارب وحدوية مبتسرة وشكلية، منها بين مصر وسوريا والعراق، ومنها تجربة دول ميثاق طرابلس فى أوائل السبعينيات والتي ضمت مصر وليبيا وسوريا والسودان والتى تقلصت تحت اسم اتحاد الجمهوريات العربية بين ثلاث دول بخروج السودان من التجربة، والتي اتخذت من قصر فندق هليوبوليس بضاحية مصر الجديدة مقرًا لها عُرف بمقر الاتحادية والذى اتخذه الرئيس مبارك بعد ذلك مقرًا لرئاسة الجمهورية وظل هذا المقر حتى الآن يٌعرف باسم ´الاتحادية».

< < <

وفى منحى آخر لفكرة الوحدة.. جاءت تجارب التجمعات الإقليمية وأولها مجلس تعاون دول الخليج العربية والذى يضم السعودية والكويت وسلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين وهى التجربة التى لا تزال قائمة حتى الآن بفعل الجوار الجغرافي والتماثل الثقافى والقبلى والاقتصادى والمالى أيضًا.

التجربة الأخرى كانت الاتحاد المغاربى الذى ضَمَّ دول المغرب العربى وهي التجربة التى لم تلق نجاح دول الخليج، إذ سرعان ما دبَّ الخلاف بين المغرب والجزائر بسبب دعم الأخيرة لاستقلال جمهورية الصحراء الغربية والتى يعتبرها المغرب ضمن أراضيه.

حتى تجربة ما عُرف بـ"الاتحاد العربى" والتى تورطت فيها مصر في عقد التسعينيات مجاملة لصدام حسين وضمت مصر والعراق والأردن واليمن.. فقد كان مصيرها الفشل منذ لحظة قيامها، إذ لم تكن قائمة على أساس جغرافي أو إقليمى مع تباين كبير بين توجهات وسياسات أنظمته الحاكمة.

< < <

لذا فإنه باستثناء تجربة مجلس تعاون دول الخليج العربية، فقد فشلت كل التجارب الوحدوية.. الإقليمية وغير الإقليمية بفعل غياب المقومات والأسباب بل والأهداف الحقيقية التى توفّر لها النجاح والاستمرار بحكم أنها كانت مظهرية وشكلية وبعضها لم يقم لتحقيق وحدة، ولكن لأسباب سياسية ولتحالفات وقتية.. تجربة الاتحاد العربي مع العراق وصدام حسين.. نموذجًا.

الأهم هو أن كل تلك التجارب الفاشلة افتقدت بناء منظومة مؤسسة متكاملة لها هياكلها وبنيتها التحتية القوية التى تقوم عليها الوحدة خاصة مع التباين والاختلاف السياسى بين الحكومات التي اكتفت فقط بإقامة الوحدة بقرار فوقى بمعزل عن مؤسسات وشعوب أقطارها.

< <<

وقد كان العنصر الغائب في هذه التجارب الوحدوية وهو الأساس الاقتصادى السبب الأول فى الفشل باعتبار أنه هو الذى يضخ عوامل نجاح الوحدة في شرايين التجربة، حتى أن جامعة الدول العربية التى كان فى مقدمة أهدافها تحقيق الوحدة العربية وحيث كان اسمها المقترح عند تأسيسها هو ´الاتحاد العربىª.. لم تنجح فى تحقيق هذه الوحدة من خلال تحقيق أحد أهم مقوماتها وهى الوحدة الاقتصادية رغم التوقيع على اتفاقية الوحدة الاقتصادية فى منتصف الستينيات والتى كانت تستهدف إقامة السوق العربية المشتركة والتى لاتزال حبرًا على ورق حتى الآن، وحيث كانت ولاتزال المقارنة قاسية بين التجربة الأوروبية التى بدأت بالسوق الأوروبية المشتركة وانتهت إلى الاتحاد الأوروبى.

<< <

ومع تراجع بل موت ´شعاراتª القومية العربية بعد أن ظلت مجرد شعارات، فقد تبدّدت أحلام الوحدة العربية الشاملة بمرور السنين والعقود حتى فى أى مظهر من مظاهرها، وتحولت إلى هواجس التمزق والتشرذم القومى والتقسيم والتفتيت القطرى وحسبما نشهد فى السنوات الأخيرة عبر الاحتراب الأهلى والصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية داخل القُطر الواحد، وحيث باتت الدولة الوطنية مهددة بالسقوط الكامل أو بالتقسيم إلى دويلات فى أحسن الأحوال.

< < <

تلك الهواجس التى تخيّم بقوة على أربع دول عربية، حيث تُعد سوريا نموذجًا صارخًا وأكثر خطرًا، وبعدها العراق ثم اليمن الذى يواجه أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.. أعادت هذا البلد إلى الوراء مائة سنة على الأقل، وفى مشهد مؤسف آخر يواجه لبنان خطرا حقيقيا وسط أزمة سياسية بالغة التعقيد بفعل فساد النظام السياسى الطائفى المذهبى تنذر بسقوط الدولة.

حتى ليبيا التى طالت وتعقدت أزمتها السياسية وانقسمت بالفعل بين حكومة فى الشرق وأخرى في الغرب وصارت مسرحًا ومرتعا لميليشيات أجنبية ومرتزقة وتنظيمات إرهابية، فإن بوادر الاستقرار بعد التسوية السلمية التي جرت مؤخرا بانتخاب مجلس أعلى للدولة وحكومة وحدة وطنية.. نالت ثقة البرلمان الذى انعقد للمرة الأولى منذ سنوات سوف تظل على المحك حتى يتأكد نجاحها فى إجراء الانتخابات المقرر إجراؤها في أواخر ديسمبر من العام الجارى.

المؤسف حقا هو أن تلك الدول التى تواجه خطر السقوط والتقسيم والتمزق والتفتت بفعل الحروب والصراعات الأهلية.. الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية.. باتت سيادتها مرتهنة لقوى إقليمية ودولية، مع ملاحظة أن إيران وحدها حاضرة بقوة فى عواصم أربع دول عربية.

< <<

إن قراءة ما يجرى في تلك الأقطار تؤكد بجلاء عجز وفشل النظام العربى بعد أن جرى تدويل وتداول القضايا العربية والقومية والقطرية بمعزل عن هذا النظام الذى بات عاجزًا عن التصدى لمخاطر وهواجس تقسيم وتفتيت دول عربية..

وللحديث

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE