الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 06:12 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : مارس.. شهر الاحتفال بالمرأة والأم والربيع والشهيد والسلام

الأموال

المصادفات وحدها هى التى جعلت شهر مارس مجمعًا للأعياد والاحتفالات والمناسبات والاجتماعية والوطنية، ففيه تجتمع سبعة احتفالات موزعة على أيامه، حتى صار شهرًا متميزًا وله خصوصية لدى المصريين أو أحسبه كذلك.
< < <
ففي هذا الشهر تحتفل مصر بيوم المرأة العالمى ثم بيوم المرأة المصرية ثم بيوم الشهيد ثم بعيد الأم وبدء الربيع وعلى الصعيد الوطنى يأتى الاحتفال بعيد تحرير طابا ثم بمعاهدة السلام.
فمثلما احتفلت مصر مع العالم يوم الاثنين الماضى (٨ مارس) بيوم المرأة العالمى فإنها على موعد يوم الثلاثاء (بعد غد) بيوم المرأة المصرية تخليدا لذكرى خروج المرأة المصرية يوم (١٦ مارس ١٩١٩) فى ثورة الشعب للمطالبة بالاستقلال، ولذا فإن هذا اليوم من كل عام يظل احتفالا مصريا وطنيا خاصا له خصوصيته ودلالته.. اعترافا بدور المصرية ليس في حياة أسرتها ولكن أيضا اعترافا بدورها الوطنى المبكّر والذى دشنته منذ أكثر من مائة عام ولايزال هذا الدور وهذا الاعتراف مستمرين عبر كل المراحل السياسية والوطنية فى التاريخ الحديث وحتى الآن.
< < <
وبين الاحتفالية بالمرأة يأتى الاحتفال يوم ٩ مارس من كل عام بيوم الشهيد تخليدًا لذكرى استشهاد الجنرال الذهبى.. الفريق عبدالمنعم رياض وهو بين جنوده فى الصفوف الأولى على جبهة القتال أثناء حرب الاستنزاف التى كانت تمهيدًا عمليا وحقيقيا لنصر السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.
ومنذ عام ١٩٦٩ صار يوم (٩ مارس) احتفالا بكل الشهداء من أبطال الجيش المصرى.. خير أجناد الأرض وتخليدًا لتضحياتهم بالأرواح والدماء فى كل الحروب التى خاضتها مصر دفاعًا عن استقلالها وأرضها وحدودها وأمنها القومى وأمن الأمة العربية.
> > >
أما عيد الأم الذى يحتفل فيه المصريون بالأم فإنه عيد مصرى ذو مذاق مصرى خالص وخاص باعتباره اليوم الذى توافق فيه المصريون علي أن يكون عيدًا خاصًا للاعتراف بفضل الأم التى أجمعت كل الأديان السماوية والحضارات الإنسانية على حبها واحترامها.. تقديرًا مستحقًا لعطائها الذى لا ينفد لأبنائها وأسرتها.
ولعل دواعى الإنصاف والاعتراف بالفضل لأصحابه تقتضى التذكير والإشارة إلى صاحبى فكرة الاحتفال بعيد الأم وهى الكاتبان الصحفيان الراحلان وشيخا الصحافة المصرية.. علي ومصطفي أمين اللذين اقترحا تخصيص هذا اليوم ليكون عيدًا للأم فى مصر.
وفي نفس الوقت فإنى أجدنى أتحفظ قليلا علي التقليد المعمول به منذ سنوات لتكريم بعض الأمهات بوصفهن أمهات مثاليات، وإذا كان هذا التقليد له وجاهته باعتباره تكريمًا لبعض الأمهات وكفاحهن الصعب وفي ظروف خاصة واستثنائية، لكن يبقي أن كل أم هى أم مثالية في نظر أبنائها ومن ثم فإن كل الأمهات مثاليات دون انتقاء أو تمييز فيه بعض التعسف وبعض العسف ضد كل الأمهات، ويبقي أيضًا أن تخصيص يوم واحد فى السنة للاحتفال بالأم لا يعنى أن يقتصر تقدير الأم وبرها على يوم واحد فقط، ولكن يبقي هذا اليوم رمزا وعيدا خاصا بالأم المصرية.
<<<
ولعلها من المصادفات أيضًا وربما كان الأمر مقصودًا من صاحبى فكرة عيد الأم أن يتزامن موعد العيد مع بدء فصل الربيع الذى تنضج فيه الثمار والمزروعات في الحقول وتتفتح فيه الزهور.. إعلانا من الطبيعة بقدوم الخير وهو أمر له دلالته التى يعرفها المصريون بوجه خاص.
هذا التزامن بين عيد الأم وبدء فصل الربيع له دلالته باعتباره اقترانًا بين عطاء الطبيعة وعطاء الأم التى تمثل الربيع لأسرتها ولأبنائها، وهو العطاء الذى لا يقتصر فقط على الربيع ذلك الفصل من فصول السنة ولكنه الربيع الدائم والحاضر طوال فصول وأيام السنة وطوال العمر.
< < <
وعلى الصعيد الوطنى يجمع مارس بين مناسبتين مهمتين لا تغفل مصر عن الاحتفال بهما ويتعين ألا تغفل الأجيال الحالية واللاحقة.. الأولى فى يوم ١٩ مارس احتفالا بذكرى تحرير طابا عام ١٩٨٩، وهو اليوم الذى صدر فيه قرار التحكيم الدولى بأحقية مصر فى طابا ضمن الحدود المصرية، والتي رفضت إسرائيل الانسحاب منها مع انسحابها من كل سيناء فى ٢٥ أبريل ١٩٨١.
لقد كان يوم تحرير طابا يومًا وطنيًا مشهودًا فى التاريخ الحديث.. انتصرت فيه مصر في معركة دبلوماسية قانونية لا تقل ضراوتها عن ضراوة معركة تحرير سيناء فى حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
هذه المعركة الدبلوماسية القانونية خاضها وأدارها باقتدار رجال مصر من أساتذة وخبراء القانون الدولي مع فرسان الدبلوماسية المصرية العريقة من مختلف الاتجاهات السياسية.. لم تفرقهم الخلافات الحزبية الضيقة بل جمعتهم مصلحة الوطن العليا حيث تذوب تلك الاختلافات عندما يتعلق الأمر بالأرض والكرامة الوطنية وقد كان أكبر دليل على ذلك هو أن الدكتور وحيد رأفت القيادى في حزب الوفد المعارض كان رئيس فريق الدفاع عن طابا.. يدًا بيد مع الدكتور مفيد شهاب وغيره من خبراء وأساتذة القانون الدولي ورجال الدبلوماسية، فكانوا جميعًا وبحق فرسان معركة طابا القانونية.
< < <
وعن معركة تحرير طابا فإن ثمة معلومة غائبة تجدر الإشارة إليها وهى أن الخلاف بين مصر وإسرائيل لم يكن فقط بشأن طابا ولكنه كان حول ١٥ نقطة حدودية صغيرة ضمن الحدود المصرية الدولية كما أخبرنى بذلك وقتها السفير الشافعى عبدالحميد مساعد وزير الخارجية وأحد فريق الدبلوماسيين أمام التحكيم الدولى، ولكن مع الحكم بعودة طابا إلى السيادة المصرية عادت أيضًا تلك النقاط الصغيرة وفقًا للخرائط الدولية التي تؤكد وتثبت حق مصر فى تلك البقعة والتي حصلت عليها من الدكتور وحيد رأفت قبل صدور حكم المحكمة الدولية وانفردت بنشرها في ذلك الوقت فى مجلة «أكتوبر».
< < <
وفى هذا السياق أحسب أن من دواعى الإنصاف التاريخى والوطنى تقتضي التذكير بموقف الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى رفض بشدة التفريط أو التنازل عن شبر واحد من الأرض المصرية وأصر علي إدارة معركة طابا القانونية أمام المحكمة الدولية حتى انتهت لصالح مصر وعودة طابا إلى مصر ليكتمل تحرير آخر شبر من سيناء.
< < <
آخر المناسبات الوطنية فى هذا الشهر فهى مناسبة توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتى بمقتضاها انسحبت إسرائيل من كل سيناء بعد أن نجحت القوات المسلحة فى تحرير أجزاء مها بالحرب والسلاح فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، وأعادت لمصر وللعرب الكرامة والعزة المهدرة عام ١٩٦٧..
لقد كانت مفاوضات السلام لاستكمال تحرير سيناء معركة سياسية وطنية انتصرت فيها مصر بالسلام مثلما انتصرت بالحرب في أكتوبر، بداية من توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» فى سبتمبر ١٩٧٨ بعد مفاوضات شاقة جدًا قادها بصلابة وشجاعة وبكرامة المنتصر في الحرب الرئيس أنور السادات والتي اكتملت بتوقيع معاهدة السلام بعد أقل من عام.
<<<
ومن المثير أنه لايزال بين بعض المثقفين الوطنيين من يعترضون على معاهدة السلام، غير أنه ومع كل التقدير لتلك الاجتهادات الوطنية والقومية فقد أثبتت الأيام أن السادات كان صاحب رؤية مستقبلية وأنه نجح بالسلام مثلما نجح بالحرب في تحرير سيناء، ولعل قراءة ما جرى ويجرى على خريطة المنطقة حولنا تؤكد أن السادات كان على حق وأنه أعاد الأرض المحتلة وأنقذ مصر من الاستمرار في مسلسل الحروب التي خاضتها طوال عقود من الزمن.
< < <
إن مارس هو الشهر الوحيد في السنة الذى تجتمع فيه سبع احتفالات ومناسبات جعلت له خصوصية وتميزا حتى صار شهر الأعياد في مصر.
ولعلها من المصادفات الحميدة هذه السنة أن تأتى ذكري الإسراء والمعراج العطرة في هذا الشهر أيضا لتضيف احتفالا آخر بواحد من أهم وأزكى المناسبات الإسلامية لدى المسلمين في مصر والعالم.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE