الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 04:33 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : الغنوشى و«إخوانه» : نختطف تونس أو ندمرها .. ( 2/2 )

الأموال

السبب الحقيقى للصراع: الديمقراطية.. أم التبعية لتركيا و«التنظيم الدولى» ؟

تحدثنا فى مقالنا السابق (الأموال - 14 فبراير) عن الصراع السياسى والنزاع الدستورى المشتعلين فى تونس بين رئيس الوزراء هشام المشيشى- مدعوماً من جانب حركة «النهضة» الإخوانية بزعامة راشد الغنوشى، رئيس البرلمان- من جهة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة أخرى، والذى انعكس فى قضية التعديل الوزارى الواسع الذى قام به المشيشى- بتحريض من «النهضة»- دون تشاور من رئيس الجمهورية، وشمل تعيين أربعة وزراء متهمين بالفساد وتعارض المصالح، ورفض رئيس الجمهورية دعوة الوزراء الأربعة لأداء اليمين الدستورية، الأمر الذى يعنى تعطيل تعيينهم.. وذكرنا أن هذا الصراع يجىء فى سياق سعى حركة «النهضة» لفرض إرادتها على الحياة السياسية والسيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما يسميه «الإخوان» بـ«التمكين»، الذى يواجه بمعارضة قوية من الرئيس التونسى وعديد من القوى السياسية.

الغنوشى اتخذ خطوة زادت الموقف اشتعالاً بدعوته أنصار «النهضة» للتظاهر ضد رئيس الدولة بدعوى الدفاع عن الديمقراطية، على اعتبار أن التحالف البرلمانى الذى يتزعمه «الإخوان» قد منح الثقة للوزراء الجدد.. متجاهلاً حقيقة أن الوزراء الجدد الأربعة الذين يرفض قيس سعيد دعوتهم لأداء القسم تحول حولهم شبهات الفساد، وفى ظل الأجواء شديدة التوتر التى تسود البلاد فإن الدعوة إلى التظاهر كان يمكن أن تتحول إلى صدامات واسعة بين أنصار الغنوشى لم تلق الاستجابة المأمولة بسبب تهافت موقفه الأخلاقى (الإصرار على توزير المتهمين بالفساد).

وإزاء هذا الفشل قام المشيشى بمبادرة جديدة تبدو محكوماً عليها بالفشل هى الأخرى، فقد قام بإقالة خمسة من الوزراء الـ(11) الجدد ولكن ليس بينهم (وزير الصحة الهادى خيرى) أكثر من يشار إليه باعتباره تحوم حوله شبهات الفساد، حسب تقارير منظمات المجتمع المدنى!.

(فرانس 24 - 15 فبراير 2021) ومن ناحية أخرى فإن من بين الخمسة المقالين (ثلاث وزيرات هن وزيرة الصناعة والطاقة، ووزيرة الفلاحة (الزراعة) والموارد المائية، ووزيرة أملاك الدولة).. فى تحد واضح لمطالبات الأحزاب المدنية (بتمكين المرأة).. أى أن محاولة (لى ذراع) الرئيس والأحزاب المدنية مستمرة - وهناك تلاعب واضح فى مسألة التعديل الوزراى.. وأسند المشيشى مهمات الوزراء الخمسة إلى وزراء آخرين، الأمر الذى يعنى عدم تفرغ الآخرين بصورة جدية لمهامهم الوزارية، خاصة أن الوزارات التى أقيل المسئولون عنها وزارات كبيرة ومهمة وخاصة الصناعة والزراعة والعدل.

والحقيقة أن هذه (المناورة) تبدو غير جدية إطلاقاً، وأقرب إلى نوع من العبث بمقدرات الدولة.. وبديهى أنها تترك الباب مفتوحاً لعدم استقرار الحكومة.. وبالتالى فإنها تقدم لرئيس الدولة مبرراً سياسياً ومنطقياً لموقفه - وتضع الغنوشى والمشيشى فى موقف سياسى وأدبى أضعف.

ومن ناحية أخرى فإن هذه (المناورات) من أهل فرض السيطرة على السلطة، دفعت عدداً من النواب (76 نائباً بين حزبى ومستقل) إلى تقديم طلب للبرلمان لمناقشة سحب الثقة من رئيسه (الغنوشى) للمرة الثانية خلال عدة أشهر..

وهكذا يزداد الموقف تعقيداً. ويصبح الشلل الحكومى ظاهرة طال بها الأمد، منذ أن تقدم المشيشى بتعديله المدعوم من «الإخوان» في 16 يناير الماضى، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة، فضلاً عن الأزمة الاجتماعية والصحية بسبب وباء كورونا.. وهو ما يشيع جواً عاماً من السخط والاحباط فى البلاد.

الدور التركى فى الخلافات التونسية !

للوهلة الأولى يبدو الأمر صراعاً على السلطة وفرض النفوذ بين رئاسة الجمهورية من ناحية والحكومة والبرلمان من ناحية أخرى.. ولكن النظرة الأعمق للموضوع توضح أن جذور الخلافات الأعمق بين مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية فى تونس ترجع إلى أمرين:

الأول: نظرية «التمكين» التى تتبناها حركة «النهضة» بشأن كل جماعات «الإخوان» في كل مكان، كما أوضحنا فى مقالنا السابق (الأموال - 14 فبراير).. وقد أوضحنا دورها في إشاعة عدم الاستقرار فى تونس، وفى قوام الحكومات التونسية المتعاقبة، ومحاولة فرض معارك سياسية وأيديولوجية ذات أهداف محددة طبقية وأنانية على المجتمع.

وقد أشار الرئىس التونسى قيس سعيد إلى هذه المعارك بقوله: «محاولة فرض الشعوذة على المجتمع التونسى منذ 2011».. ويجدد لافتاً للنظر بشدة أن يطلق قيس سعيد تسمية «الشعوذة» على أطروحات الإسلام السياسى التى تحاول «النهضة» فرضها على المجتمع التونسى، علماً بأنه هو نفسه ليس معادياً للتيار الإسلامى فكرياً، أو معادياً له، حيث يشار إليه باعتباره «سلفياً مستنيراً».. كما أنه أستاذ للقانون الدستورى.

الأمر الثانى: وهو الأكثر حساسية وإثارة للجدل يرجع إلى الدور التركى، وارتباط حركة «النهضة» بالتنظيم الدولى «للإخوان» الذى يدين بالولاء لأردوغان ولما يسمى بفكرة «الخلافة» وعلاقة ذلك كله بما يجرى فى ليبيا.. ومخاطر التوسع التركى فى الشمال الإفريقى.

فالمعروف أن حركة «النهضة» كانت دائماً من أقوى مؤيدى حكومة «الوفاق» فى ليبيا، الخاضعة لحركة «الإخوان المسلمين» وحزب «البناء والتنمية» المعبر عنها، والمستندة إلى الميليشيات الإخوانية المسلحة، وغيرها من الإرهابية، بما فيها «الجماعة الليبية المقاتلة» فرع «القاعدة» فى ليبيا، و«داعش» وغيرها.. كما تؤيد «النهضة» التدخل التركى فى ليبيا والاتفاقات غير الشرعية التى عقدتها حكومة السراج مع أردوغان، بشأن ترسيم الحدود البحرية، والتعاون العسكرى بين البلدين، كما أبدت «النهضة» طلباً تركيا بأن تكون تونس معبراً للقوات التركية إلى غرب ليبيا، تقدم به إردوغان أثناء زيارته لتونس الصيف الماضى.

كما قام الغنوشى بزيارة إلى تركيا، اجتمع خلالها بإردوغان، وأعلن تأييده للسياسة التركية، وتهنئته لأنقرة على ما حققته من سيطرة على طرابلس ومناطق الغرب الليبى، وهو ما يتناقض بوضوح مع وضعه كرئيس للبرلمان التونسى عليه أن يراعى مواقف جميع الأحزاب، ولا يعبر عن مواقف حزبه فقط، علماً بأن السياسة الخارجية هى من اختصاص رئيس الجمهورية وفقاً للدستور.

أما الرئيس قيس سعيد فهو يرفض التورط فى الصراع الدائر فى ليبيا.. كما رفض عبور القوات التركية من تونس إليها.. والحقيقة أن هذا المطلب بالذات ليست له أي ضرورة عسكرية. فمصراتة وطرابلس مفتوحتان على مصاريعهما أمام القوات التركية.. وبالتالى فإن المطلب التركى مقصود به توريط تونس سياسياً- وربما عسكرياً- فى الصراع الليبى، والإساءة إلى علاقاتها بأشقائها العرب.. فضلاً عن فتح الأبواب أمام إمكانية امتداد شرارات هذا الصراع إليها، ناهيك عن فتح الأبواب للنفوذ التركى المباشر فى البلاد.

وإذا كان هذا موقفاً تفرضه- بداهة- مقتضيات الاستقلال الوطنى للبلاد، فإن الوضع فى تونس سيجعله أكثر إلحاحاً.. ذلك أن المناطق الجبلية فى جنوب البلاد- المجاورة لليبيا- توجد بها عصابات إرهابية متطرفة تتسرب إلى المدن، ترتكب مختلف جرائمها فيها، ما يمثل تهديداً خطيراً لأمن البلاد. والتورط فى ليبيا يجعل هذا التهديد أكثر خطورة، علماً بأن أصابع الاتهام تشير إلى النهضة وارتباطها بهذه العصابات ودورها فى تسفير أعداد كبيرة من أعضائها إلى سورية للقتال فى صفوف الجماعات الإرهابية هناك. ومعروف أن التونسيين يمثلون أكبر مجموعة من الإرهابيين (العرب) فى سورية الموجودين الآن فى إدلب وغيرها من مناطق الشمال السورى.

وحينما جلب إردوغان نحو عشرين ألفاً من المرتزقة الإرهابيين (السوريين) إلى ليبيا، فقد كان بينهم أكثر من (2500) إرهابى تونسى.. ولنا أن نتخيل خطورة وجود مثل هذا العدد الكبير من الإرهابيين المتمرسين وإمكانية تسللهم إلى داخل البلاد ومناطق تركز الإرهابيين عبر الصحراء والمناطق الجبلية الوعرة.

وخلاصة القول إن العلاقة بما يحدث فى ليبيا، وبتركيا تتصل بواحدة من أخطر قضايا الأمن القومى التونسى.. وأن الغنوشى وجماعته يلعبون بالنار التى يمكن أن تحرق تونس بأسرها.. وهذه ليست لعبة سياسية، بل لعبة إرهابية.. والخلاف حول مثل هذه القضايا ليس خلافاً سياسياً عادياً.. وإنما خلاف حول صميم الأمن القومى للبلاد.

ديمقراطية الغنوشى !

والحقيقة أن كل ما ذكرناه يمثل سبباً أساسياً لتراجع شعبية الغنوشى و«النهضة»، بالرغم من أنها تظل أكبر الأحزاب وأكثرها تنظيماً حتى الآن، وقد تمكنت من الحصول على (52 مقعداً) من مقاعد البرلمان البالغ عددها (217 مقعداً).. وتشكيل تحالف أغلبية مع «تيار الكرامة» - (22 مقعداً) وهو من أحزاب الإسلام السياسى، وحزب «قلب تونس» - (38 مقعداً) بقيادة رجل الأعمال نبيل القردى.. والأخير لا ينتمى لتيار الإسلام السياسى (112 مقعداً.. والأغلبية تشكل 109 مقاعد).. وهو ما أتاح للغنوشى الفوز برئاسة البرلمان، فى خطورة مهمة للسيطرة على السلطة التشريعية.. وذلك بالرغم من تراجع شعبيته فى الشارع بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وقد أدى سوء إدارة الغنوشى للبرلمان والحزب إلى بروز خلافات متزايدة داخل «النهضة» وتفاقمت هذه الخلافات مع إعلان الغنوشى رغبته فى تجديد رئاسته للحركة لفترة ثالثة، بخلاف ما تقضى به لائحتها (فترتان كحد أقصى) - المادة 31) وتقدم كوادر بارزون باستقالاتهم احتجاجاً على رغبته فى الترشح خلافاً لأى مبدأ ديمقراطى.. الأمر الذى أضعف بشدة فرصته فى الترشح لرئاسة الجمهورية - كما كان يريد - فى الانتخابات الرئاسية القادمة (2022) كممثل «للنهضة».

وأصدر عدد من قيادات «النهضة» يطلقون على أنفسهم اسم «مجموعة المائة» وثيقة بعنون «مستقبل النهضة بين مخاطر التجديد وفرض التداول» أعربوا فيها عن عدم ثقتهم بالغنوشى، معلنين أنه «يسير بالحركة فى طريق الاستيلاء والديكتاتورية».. ومن بين هؤلاء أعضاء فى المكتب التنفيذى للحركة (المعادل لمكتب الإرشاد لدى «إخوان» مصر) ومجلس الشورى، والكتلة البرلمانية.. من بينهم عبدالحميد الجاصى - أحد أقدم قيادات النهضة- الذى اتهم الغنوشى وأنصاره بأنهم «تعاملوا مع الدولة بمنطق الغنيمة» ومن بينهم عبدالفتاح مورو مرشح الحركة لمنصب رئاسة الجمهورية - تقدم باستقالته من الحركة فعلاً - ونور الدين العسياوى، وعبداللطيف المكى.. وكلهم من قيادات النهضة البارزين، الذين طالبوا الغنوشى بإعلان عدم ترشحه لفترة رئاسة ثالثة فى مؤتمر الحركة القادم.

بينما اقترح أنصار الغنوشى (اختراع) منصب جديد ليشغله مدى الحياة باسم «الزعيم المؤسس» لتفادى مشكلة (المادة 31) من اللائحة.. وعملوا على تأجيل مؤتمر الحركة بذريعة تفشى كورونا، على أمل احتواء الخلافات، التى لا تفتأ تتفاقم.

(المرصد المصرى- التابع للمركز المصرى للدراسات الاستراتيجية - جوجل 29/10/2020) الباحث محمود بسيونى.

وتوضح هذه الخلافات المتفاقمة مدى تشبث الغنوشى بالسلطة، وبزيف حديثه عن الديمقراطية، وخاصة فى الأزمة الأخيرة، التى يبدو فيها بوضوح تهافت ولا أخلاقية موقف الغنوشى.. غير أن الأهم هو أن زعامة الغنوشى لحزبه نفسه تعرض لتحديات كبيرة.. وهو ما يساعد على إضعاف موقع «النهضة» فى الحياة السياسية التونسية عموماً.. ويحرج مناصريها فى تونس والخارج الذين يحاولون تقديمه كقيادة ديمقراطية مزعومة للثورة التونسية.. وتبقى المعركة مفتوحة بين الرئيس التونسى والأحزاب المدنية التونسية، وبين «النهضة» ومن ورائها تركيا والإرهاب..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE