الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 08:27 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : ضرورات الاقتصاد والأمن القومى.. تقتضى مراجعة هذا القانون

الأموال

تناولنا فى مقالنا السابق (الأموال 13/9/2020) بعض الملاحظات على القانون الخاص بتنظيم تراخيص المحال العامة والصناعية والتجارية وتحدثنا بصفة خاصة عن المادة الثالثة من القانون والتى تنص على جعل مواعيد العمل جزءاً لا يتجزأ من الترخيص، بحيث إن انتهاكها يمكن أن يؤدى إلى وقف أو سحب الترخيص.. وأوضحنا الآثار السلبية المترتبة على التوجه للتبكير بمواعيد إغلاق المحلات العامة والتجارية والصناعية، وخاصة فيما يتصل بتفاقم مشكلة البطالة، ووضع مزيد من العقبات أمام مهمة تنشيط الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة، وكذلك أمام ضرورة مواجهة حالة الركود، وغير ذلك من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى تسبب فيها - أو فاقمها - انتشار وباء كورونا.

وأشرنا إلى ضرورة مراعاة التشريع للظروف والضرورات الاقتصادية والاجتماعية، والتوازن بين مصالح مختلف الأطراف التى تتأثر بتطبيقه، سواء فى ذلك العاملين أو المستثمرين أو المستهلكين أو الجهات الحكومية.
ونود أن نلفت النظر هنا إلى أن القانون يتطلب توفيق أوضاع المحلات القائمة للحصول على تراخيص جديدة - على أساس القانون الجديد واشتراطاته - تقضى بفرض أعباء جديدة على المحلات فى صورة (رسم معاينة). فى حدود (ألف جنيه) فضلاً عن دفع رسوم (لمراكز التراخيص) فى حالة إجراء تغييرات فى المحلات، أو فى إدارتها، أو بينها.. إلخ. كما ينص على تجديد التراخيص كل عام برسوم لا تتجاوز قيمتها (مائة ألف جنيه).. وتكرر: سنوياً (المواد من 13 إلى 17).
ولنا وقفة هنا.. فالقانون يشمل جميع المحلات العامة والصناعية والتجارية بدءاً من محلات البقالة والخضراوات والمقاهى الصغيرة والورش الصغيرة بمختلف أنواعها، وصولاً إلى المراكز التجارية وغيرها من الأنشطة الكبيرة، وتحصيل رسم معاينة يصل إلى (ألف جنيه). أو رسوم على التغييرات.. إلخ.. يمكن ألا يمثل عبئاً على الأنشطة المتوسطة والكبيرة.. ولكن مثل هذه الرسوم تمثل بلاشك عبئاً على الأنشطة الصغيرة ومتناهية الصغر، سيدفع المستهلك ثمنه فى النهاية.
أهمية إنعاش الاستثمار
كما أن دفع رسوم سنوية لتجديد التراخيص (تحددها اللجنة العليا - مادة 17) يمثل عبئاً آخر على المنشآة ليس له مبرر مفهوم سوى الرغبة فى فرض جباية ومزيد من الرسوم بواسطة مراكز التراخيص (التابعة لوحدات الحكم المحلى) دون تقديم أي خدمة جديدة. وهو ما يثقل كاهل الأنشطة الصغيرة ومتناهية الصغر بالذات.. ويدفع المستهلك ثمنه فى النهاية.. علماً بأن هذه الأنشطة الصغيرة ومتناهية الصغر ستكون خاضعة لتحصيلات الضرائب والسجل التجارى والتأمينات الاجتماعية.. إلخ. بحكم القانون الجديد وغيره من القوانين السارية.
ونعتقد أن هذا النزوع المفرط لجباية الرسوم لا يصب فى صالح تشجيع الاستثمار- وخاصة الاستثمار الصغير والمتوسط- كما أنه سيدفع الكثيرين من أصحاب الأنشطة الصغيرة إلى محاولة التهرب من التراخيص، وما يتبعها من أعباء ومنثم إلى البقاء خارج دائرة الاقتصاد الرسمى.. بما يترتب على ذلك من خسائر للاقتصاد القومى.
والحقيقة أن النظرة الأوسع والأشمل لزيادة موارد الدولة يجب ألا ترتبط بالنزوع المفرط لجباية شتى أنواع الرسوم، وإنما بتشجيع الاستثمار بكل فئاته وأحجامه، بما يؤدى إليه من إنعاش للاقتصاد القومى، وخلق لفرص العمل، ورفع لمستوى الدخول، ومن ثم زيادة للقوة الشرائية، وتسريع للدورة الاقتصادية.. إلخ.
ضبط الأسواق.. مفهوم أوسع
ترافق مع إقرار قانون التراخيص الجديدة نبرة حماسية حول «ضبط الأسواق» و«إزالة العشوائية» و«إعادة الانضباط إلى السوق».. إلخ.. ونبادر إلى القول بأن تشديد الاشتراطات الفنية والمتصلة بالأمن الصناعى، وتركيب الكاميرات داخل وخارج المحلات، ووضع ضوابط صارمة لعمل المحال المقلقة للراحة.. كلها أمور إيجابية ومطلوبة بلا أدنى شك.
لكن «ضبط الأسواق» و«إعادة الانضباط» إليها.. إلخ هو مفهوم أوسع بكثير من الضبط الأمنى. فالرقابة على جودة المنتجات عموماً، والسلع الغذائية خصوصاً ومطابقتها للمواصفات القياسية، ومكافحة الغش التجارى وإغراق الأسواق باللحوم والأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية (ناهيك عن الأدوية والمستحضرات والمستلزمات الطبية).. ومحاربة الاحتكار والتلاعب المنفلت بأسعار السلع تحت دعاوى «حرية الاقتصاد» والتزام المحلات بإصدار الفواتير، وتفعيل الأجهزة الحكومية (والهيئات الشعبية) الخاصة بحماية المستهلك.. وغير ذلك كثير.. كلها أمور من صميم مفهوم «ضبط الأسواق».. وكلها أشياء نفتقدها بدرجة كبيرة فى أسواقنا.
ومفهوم طبعاً أن قانون المحلات العامة والصناعية والتجارية يس مطلوباً منه معالجة هذه الأمور.. لكن ما ذكرناه يعنى أن ضبط الأسواق وإزالة العشوائية منها.. إلخ، هي أمور أوسع بكثير، ولا يمكن اختزالها فى الموضوعات التي يعالجها ذلك القانون، مع الاعتراف الكامل بأهميتها.. فضبط الأسواق عملية اقتصادية وقانونية وصحية وإدارية (وأمنية بالطبع) واسعة للغاية.. ومطلوبة بإلحاح.. ولا يمكن اختزالها في الإجراءات الأمنية والإدارية التي يعالجها القانون المذكور ونكرر: برغم أهميتها.
ضرورة المراجعة
وقد استعرضنا في المقال السابق وفي مقالنا هذا بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة لقانون المحال العامة والصناعية والتجارية وبالأدق لبعض مواده والتي لا تنفي إيجابية المواد الأخرى.. ولا بد أن نلاحظ السرعة الشديدة التي تم بها إقرار القانون في مجلس النواب ضمن قوانين أخرى كثيرة كان مطلوباً من المجلس إقرارها.. وربما لم نأخذ حقها الكافي من المناقشة المجتمعية ومن المناقشة التفصيلية لموادها في اللجان الفرعية وفي الجلسة العامة للبرلمان.. ويدفعنا هذا كله إلى الدعوة لإعادة النظر في المواد ذات الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية على نحو ما أوضحنا تفصيلاً.
وليس هذا عيباً أو بدعة أو طعناً في كفاءة واضعي القانون أو مقترحيه.. بل إنها ممارسة ديمقراطية عادية تماماً تعرفها كل المجتمعات- والرجوع إلى الحق فضيلة- وقد رأينا مثلاً مراجعة تفاصيل هامة في تطبيق قانون مخالفات البناء (سواء فيما يتصل برسوم المخالفات أو مواعيد تقديم الأوراق) حينما اتضح أن هذا ضروري.
وبديهي أن مراجعة نصوص بعض المواد وخاصة المادة الثالثة (الخاصة بإدراج مواعيد الإغلاق ضمن الترخيص).. أو تلك المتصلة بالرسوم أو غيرها، يجب أن تنتظر انعقاد البرلمان القادم لكن اللجنة المسئولة عن وضع تفاصيل تنفيذ القانون (اللجنة العليا للمحال العامة والصناعية والتجارية) يمكن أن تعالج بعض سلبيات تلك المواد بإبداء أكبر قدر مكن من المرونة في تحديد مواعيد إغلاق المحال، وبخفض رسوم المعاينة والترخيص إلى أدنى حد ممكن وخاصة بالنسبة للمشروعات (المحال) الصغيرة ومتناهية الصغر.. وبإجراء أوسع نقاش مجتمعي ممكن حول القانون وبصورة أخص حول المواد المثيرة للجدل، قبل اتخاذ أب قرار، على أن تحال مواد هذا النقاش للبرلمان الجديد لأخذها بعين الاعتبار عند مراجعة تلك المواد.
ويجب أن يضع كل من له علاقة بهذا القانون في اعتباره بكل وضوح أن توفير كل مقتضيات انتعاش الاقتصاد وتجاوز الآثار القاسية لكارثة كورونا هي مسألة متصلة بصميم الأمن القومي.. كما أن تفادي أي احتقان اجتماعي هو من حسن السياسة وهو أيضاً أمر من صميم الأمن القومي في ظل الظوف الدولية والإقليمية بالغة التعقيد والحساسية التي تحيط بمصر وبالمنطقة، والتي يترصد أعداء كثيرون لاستغلالها من أجل التآمر على بلادنا العزيزة.
حفظ الله مصر من كل سوء.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE