الأموال
الخميس، 18 أبريل 2024 08:28 مـ
  • hdb
9 شوال 1445
18 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب :  الأسواق المصرية.. بين أهمية الضبط - وكورونا.. والضرورات الاقتصادية

الأموال

الإغلاق المبكر للمحلات العامة والتجارية - وتفاقم مشكلة البطالة - مطلوب حلول جريئة

القانون الخاص بتنظيم تراخيص وإدارة المحال العامة والصناعية والتجارية الذى أصدره مجلس النواب فى شهر أغسطس المنقضى، كان من الطبيعى أن يلقى اهتماماً واسعاً، لأنه يتناول تنظيم أنشطة قطاعات اقتصادية واسعة للغاية، بما يدخل فيها من منشآت ومحال إنتاجية وتجارية وخدمية، بدءاً من الترخيص ورسومه واشتراطاته، إلى مزاولة النشاط والضوابط اللازمة لاستمراره، والعلاقة بين هذه المنشآت والعديد من أجهزة الدولة والمرافق العامة، وصولاً إلى مواعيد عمل هذه المحال والمنشآت.
نظراً للتنوع الهائل لتلك الأنشطة والمحال، فقد كان منطقياً أن يقف القانون عند الضوابط والأحكام العامة، وأن يحيل تحديد الشروط التفصيلية لتطبيق مواد القانون إلى هيئة خاصة، هى “اللجنة العليا للمحال العامة والصناعية والتجارية” التى يرأسها وزير التنمية المحلية، وتضم ممثلين لجهات عديدة ذات اختصاص من بينها وزارة الداخلية، والاتحاد العام للغرف التجارية، وغيرهما من الجهات ذات الصلة، بحيث يصدر الضوابط التفصيلية التى تنتهى إليها اللجنة قرار من رئيس مجلس الوزراء، يكون بمثابة لائحة تنفيذية للقانون.
المادة الثالثة من القانون - والتى تقضى بأن يتضمن الترخيص بمزاولة النشاط تحديد مواعيد عمل المحل أو المنشأة - كانت محل أوسع اهتمام ومناقشة من جانب الرأى العام والمختصين على السواء ويبدو هذا طبيعياً تماماً، لأن الأمر يتعلق بمصالح أصحاب هذه المنشآت والمحلات والعاملين فيها من جهة، وبمصالح الجمهور الواسع من المتعاملين معها من جهة أخرى، بينما يختلف الأمر فيما يتصل بالاشتراطات الفنية للتراخيص لأنها أمور ذات طابع فنى متخصص.
تطور جديد
واللافت للنظر فيما يخص المادة الثالثة أن هذه هى المرة الأولى التى يتضمن القانون فيها ربطاً بين التراخيص ومواعيد العمل، بحيث إن انتهاك مواعيد العمل، يعتبر إخلالاً بشرط منح التراخيص ذاتها، بما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من عواقب يمكن أن تشمل سحب التراخيص.
ومعروف أن قضية تحديد حد أقصى لمواعيد عمل المحال العامة والصناعية والتجارية قد نوقشت مرتين من قبل. كانت أولاهما فى عهد مبارك، والثانية فى عهد مرسى.. لكن الحديث فى المرتين لم يكن يدور حول تحديد المواعيد بقوانين، بل بقرارات - والفارق كبير - كما أنه لم يصل إلى حد الربط بين المواعيد والتراخيص كما فعلت المادة الثالثة من القانون الجديد.
وفى المرتين السابقتين كانت الحجج تتطرق إلى الجوانب المتصلة بالأمن والانضباط فى الشارع المصرى.. لكن الحجة الرئيسية كانت تتصل بضرورة إغلاق المحلات مبكراً لتوفير الطاقة الكهربائية، حيث إن البلاد كانت تعانى من نقص شديد فى إنتاجها.. وانتهى النقاش فى المرتين إلى صرف النظر عن الموضوع لأن سلبياته كانت أكبر بكثير من مزاياه المحتملة.. والتى كانت محل جدال واسع.
كورونا.. وقانون المحال العامة
هذه المرة ليست لدينا مشكلة فى إنتاج الطاقة الكهربائية.. بل إن لدينا فائضاً كبيراً فى إنتاجها بفضل المحطات العملاقة التى تم إنشاؤها وبالتالى فإن عمل المحلات والأنشطة الاقتصادية حتى أوقات متأخرة يحقق مصلحة اقتصادية للدولة من زاوية تحقيق استفادة أكبر من إنتاج المحطات الجديدة.
لكن النبرة الأعلى فى مناقشة موضوع تنظيم عمل المحلات العامة والصناعية والتجارية هى النبرة الخاصة بضبط الأسواق، ووضع حد للفوضى والعشوائية.. أى الجانب المتصل بالانضباط والأمن، وهذا أمر يبدو مفهوماً تماماً ولا غبار عليه حينما يتصل بمنع مزاولة أى نشاط إنتاجى أو تجارى أو خدمى بدون ترخيص يحدد مواصفات واشتراطات عمله، بما يضمن حق المواطن (المستهلك) فى الحصول على السلع والخدمات بمواصفات جيدة أو ممتازة، وبأسعار معقولة بعيداً عن الاحتكار وبدون إضرار بصحته أو راحته (من جانب بعض الأنشطة المتعلقة للراحة أو الضارة بالصحة).. وبالطبع بما يضمن حق الدولة فى الضرائب والرسوم المعقولة مقابل الخدمات التى تقدمها لتسهيل هذا النشاط وغيره من الأنشطة الاقتصادية.. وبما يضمن حق المجتمع كله فى إنعاش وتطوير النشاط الاقتصادى، وخلق فرص العمل وتشجيع الاستثمار.
وباختصار.. فإن التشريع يجب أن يحقق التوازن بين مصالح جميع الأطراف، وأن يراعى ظروف المجتمع الاقتصادى والإنسانية (أو الاجتماعىة).. وضرورات ازدهار الاقتصاد.
وهنا لابد أن يلاحظ أن الاقتصاد المصرى يمر بظروف صعبة للغاية، ويعانى من الانكماش بسبب أوضاع الحظر والإغلاق التى رافقت ذروة تفشى وباء الكورونا، والتى أدت إلى خسائر ضخمة لقطاعات التجارة والخدمات والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وأدت إلى إغلاق العديد منها، وإلى زيادة نسبة البطالة، وخاصة بالنسبة للعمالة الموسمية وغير المنتظمة.
وحين نجد أن كثيراً من الآراء التى تتناول موضوع مواعيد العمل فى المحال العامة والصناعية والتجارية تذهب إلى الربط بين ضبط الأسواق وإعادة الانضباط إلى الشارع المصرى.. إلخ.. وبين ضرورة الإغلاق المبكر للمحلات العامة والتجارية.. وأنه لا يوجد شعب يسهر هكذا كما يسهر الشعب المصرى.. أو تصريحات لنواب فى البرلمان (منهم صاحب مشروع القانون) بأن تقصير يوم العمل لساعتين أو ثلاث لن يؤثر كثيراً على الأوضاع الاقتصادية وعلى السوق، فإن مثل هذه الأحاديث تحتاج إلى مناقشة، خاصة وأن «اللجنة العليا» بصدد تحديد ساعات عمل المحلات العامة والصناعية والتجارية.. وهى المواعيد التى سيجرى النص عليها فى تراخيص مزاولة نشاط تلك المحال.. ومن الواجب هنا الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أولاً : إن الأسواق بحاجة إلى التعافى من حالة الركود التى واجهتها خلال أشهر الحظر وتحديد أوقات النشاط خلال ذروة تفشى الوباء. وهذا يحتاج إلى تيسير عمل المحال العامة والصناعية والتجارية، وليس إلى وضع القيود عليها وتقليص ساعات عملها (فضلاً عن ربط المخالفة فى هذا المجال بإمكانية سحب التراخيص).. وربما كان الاستثناء الوحيد المقبول في هذا الصدد هو ما يتصل بالمحال المقلقة للراحة.
ثانياً: إن تقليص ساعات عمل المحلات العامة والصناعية والتجارية من شأنه أن يفاقم مشكلة البطالة بصورة كبيرة.. ولنا أن نتصور مثلاً حالة المحلات العامة أو التجارية أو الصناعية إذا تم تقليص وقت عملها لساعتين أو ثلاث.. فإن هذا سيعنى مباشرة الاستغناء عن نصف العاملين (الوردية الثانية).. وسيلجأ أصحاب هذه المحلات إلى البدء متأخراً مع إطالة وقت عمل الوردية الأولى لينتهى فى موعد الإغلاق (الوقت الذى يتردد ذكره غالباً هو العاشرة مساءً).. فأين سيذهب أولئك الذين سيفقدون أعمالهم؟؟ هذه مشكلة اقتصادية واجتماعية كبيرة جداً ستفاقم من مشكلة البطالة المتفاقمة أصلاً بسبب الآثار السلبية لكورونا.. والتى يصعب توقع نهاية قريبة لها.. علماً بأن تناقص ربحية المشروعات المذكورة يتسبب فى إبطاء حركة الاستثمار وخلق فرص العمل، وبالتالى فإن حل المشكلة يزداد صعوبة.
ثالثاً: تقليص ساعات عمل المحال العامة والصناعية والتجارية سيؤثر لا محالة على عمل- وبالمثال على ربحية- أعمال كثيرة في مجال الاقتصاد غير الرسمي المرتبط بالأنشطة التي تم تقليص أوقات عملها، والتي تمثل جزءاً مهماً للاقتصاد المصري، وتقدم فرصاً واسعة للعمل، وعلى سبيل المثال فقط فإن قطاع النقل سواء للركاب (ميكروباص/ تاكسي/ أوبر/ سيارات لنقل البضائع بمختلف أنواعها) ستقل أوقات عمله وسيتعرض للخسائر فينطبق هذا أيضاً على كثير من الحرفيين الصغار والباعة الجائلين وبمختلف أنواع فئات العمالة غير المنتظمة وسيكون لذلك كله أثره على دخول هؤلاء جميعاً ومن ثم على قدرتهم الشرائية المتردية أصلاً والأمر الذي سيعود لينعكس على مستوى الطلب في مجالات كثيرة وبالتالي يصبح عائقاً جديداً أمام انتعاش الاقتصاد.
رابعًا: وقد يرد البعض قائلين إن الناس سيتعودون على الإغلاق المبكر وعلى تلبية احتياجاتهم في توقيتات مضغوطة بل ويستشهد البعض بما حدث أثناء قيود انتشار كورونا، لكن هذه القيود لا يمكن القياس عليها لأنها كات مرتبطة بذروة تفشي الوباء كما أن آثارها الاقتصادية شديدة السلبية معروفة للجميع.
ومن ناحية أخرى فإن تقليص ساعات عمل المحلات سيترتب عليه تكدس بشري كبير في المواصلات والمحلات العامة والتجارية وهو أمر غير مرغوب فيه بصورة خاصة بصورة خاصة في ظل وجود فيروس كورونا الذي قد يستمر لأعوام.
رابعاً: بينما يتحدث المتحمسون للمادة الثالثة عن آثارها الإيجابية من الناحية الأمنية فإنهم لا يلاحظون الأثر الأمني الإيجابي لبقاء المحلات والشوارع مضاءة ليلاً، كما أنهم لا يلاحظون نقطة هامة هي العبء الأمني على رجال الشرطة في مراقبة التزام المحلات العامة والصناعية والتجارية في الأحياء الشعبية والشوارع الصغيرة والحواري بتطبيق القانون خاصة أن كثيراً منها يصعب أن تسير فيه سيارات الشرطة بيسر، وما يمكن أن ينشأ من احتكاكات وحتى بدون أي احتكاكات يظل العبء وجوداً وثقيلاً.
خامساً: من الضروري أن نضع في اعتبارا عادات المصريين في السهر والبقاء خارج المنازل لأوقات متأخرة نسبياً لأسباب اقتصادية ومناخية واجتماعية، خاصة في فصل الصيف الطويل والحار، كضيق الشقق والعجز عن امتلاك أجهزة تكييف أو أدوات الترفيه الحديثة الجذابة.. إلخ.
وهو أمر يصعب تغييره فجأة أو خلال وقت قصير، بمجرد صدور قرار أو حتى قانون ما لم تكن هناك ظروف أمنية أو صحية استثنائية، ويحتاج الناس إلى أوقات طويلة نسبياً لتغيير أنماط حياتهم وإجبارهم على البقاء في البيوت منذ وقت مبكر عما تعودوا عليه، يمكن أن يتسبب في حالة من التوتر والاحتقان النفسي والاجتماعي ينعكس سباً على العلاقات الأسرية وخاصة في ظل ما أشرنا إليه عن طبيعة المساكن وغياب أدوات الترفيه المناسبة.. أي أن الترابط الأسري ليس هو النتيجة الوحيدة والحتمية للبقاء في المنازل منذ وقت مبكر كما يتصور البعض, وهذا ما برهنت عليه خبرة كورونا في أغلب بلدان العالم.
وللحديث بقية

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE