الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 09:47 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : طرابلس تشتغل ضد السراج .. والغزو التركى .. ومرتزقة إردوغان

الأموال

الشعب الليبي يقول كلمة الفصل .. إرحل يا سراج!

البرلمان الشرعى والجيش الوطنى يرفضان نزع سلاح سرت

البترول أهم ورقة تفاوضية .. والتفريط فيها غير وارد

«الخط الأحمر» باق .. وضمانه للأمن القومى الليبى والمصرى

المظاهرات الشعبية الحاشدة المستمرة منذ عدة أيام ضد رئيس حكومة «الوفاق» الليبية خلطت الأوراق تماماً فى المشهد السياسى للغرب الليبى.. مظاهرات حاشدة فى العاصمة طرابلس من مدن المنطقة العربية الزاوية، صبرات، ترهونة، أو حتى مصراتة، المركز العتيد للميليشيات الإرهابية، مظاهرات طرابلس كانت الأكبر والأهم ـ وبالرغم من استخدام ميليشيات السراج للعنف المفرط وإطلاق الرصاص، تستمر المظاهرات منذ يوم الأحد الماضى ٢٣ / ٨ حتى كتابة هذه السطور ظهر الخميس ٢٧ أغسطس وامتدت مظاهرات طرابلس من ميدان الشهداء وسط العاصمة، إلى منزل السراج ـ وبلغ من شدتها أن حراس السراج الشخصيين اضطروا للهرب من الباب الخلفى للمنزل!! ونقله إلى قاعدة "معيتيقة" الجوية للإقامة فيها!! "الأهرام ٢٧ / ٨" .

ومعروف أن المظاهرات كانت قد بدأت احتجاجاً على تردى مستوى الخدمات الاجتماعية وانقطاع التيار الكهربائى بصورة مستمرة، ولفترات طويلة، ونقص المواد الغذائية، وشح السيولة في البنوك.. لكنها سرعات ما انتقلت إلى رفع الشعارات ضد فساد المسئولين وأجهزة الدولة، وبلطجة الميليشيات الإرهابية سواء «الإخوان» أو ميليشيات المرتزقة السوريين، الذين جلبهم إردوغان إلى ليبيا، وضد «بيع البلاد» للأجانب.. وواضح تماماً أن المقصود هو الغزو التركى لليبيا ـ حيث طالب المتظاهرون بطرد ميليشيات الإرهابيين المرتزقة وقوات الاحتلال، وصولاً إلى الهتاف بإسقاط السراج وحكومته «إرحل يا سراج».. و«الشعب يريد إسقاط النظام».. و«ياللعار .. السورى بيصرف بالدولار».. فى إشارة لما هو معروف من حصول أفراد الميليشيات المرتزقة الإرهابية التى جلبها إردوغان من سوريا على «٢٠٠٠ دولار / ألفى دولار» شهرياً للمقاتل الإرهابى العادى.. وما يتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف دولار للإرهابى الأعلى مرتبة، فضلاً عن مكافآت خاصة ضخمة لقيادات الإرهابيين.

وقد استمرت المظاهرات بالرغم من قرار حكومة «الوفاق» بحظر التجوال لمدة أربعة أيام والمقرر أن يحتشد المتظاهرون مساء اليوم الخميس ـ بعد تسليم المقال للنشر أمام مقر المصرف المركزى الليبى للاحتجاج على فساد إدارته وإهدارها للمال العام والمطالبة بعزل ومحاكمة محافظ البنك «المدعو الصديق الكبير» وهو أحد أقطاب جماعة «الإخوان» ويستمر فى منصبه بالرغم من مرور سنوات عديدة على انتهاء ولايته ـ ومعروف أنه يرتبط هو وجماعته بعلاقات وثيقة بالمسئولين الأتراك. وقد سافر "الصديق الكبير" فى أواخر شهر يونيو الماضى إلى تركيا، حيث اجتمع بأردوغان «!!« ومسئوليين ماليين أتراك وتلقى أوامر بإيداع "أربعة مليارات دولار» من احتياطيات المصرف فى البنك المركزى التركى بدون فوائده ولمدة أربعة أعوام ليبلغ مجموع الودائع الليبية فى المركزى التركى "٨ ثمانية مليارات دولار» بدون فوائد ولمدة أربعة أعوام.. كما يجرى محادثات مع الأتراك لدفع مطالبات وتعويضات لهم تجاه ليبيا، ودون رقابة من أي جهة أو صدقور قرارات تحكيم فعلية "بمبالغ تصل إلى ١٦ مليار دولار»!! وذلك بينما تتأخر مرتبات موظفى الدولة الليبية بالشهرين والثلاثة أشهر!! وفى المقابل يتقاضى المرتزقة الإرهابيون السوريون وغيرهم مرتباتهم بالدولار ويتمردون ويثيرون الشغب فى شوارع طرابلس وغيرها من مدن الغرب الليبى إذا تأخرت رواتبهم.

ولهذه الأسباب ولأسباب أخرى متصلة كلها بالفساد وإهدار أموال الشعب الليبى ونزج المليارات منها بلا حساب إلى خزائن تركيا، فإن عزل ومحاكمة محافظ البنك المركزى من أهم مطالب المحتجين.

انقسامات الحكومة .. وصراع الميليشيات

المظاهرات المشتعلة فى طرابلس وغيرها من مدن الغرب الليبى هى الأكبر والأوسع انتشاراً بكثير إذا ما قورنت بأشكال أخرى سبقتها خلال الشهور الماضية احتجاجاً على تأخر المرتبات أو فوضى الميليشيات المتصارعة فى شوارع العاصمة.. كما أنها الأكثر استمرارية وإصراراً .. والأهم هو أول مظاهرات تدفع هذا الطيف الواسع من الشعارات والمطالب، وصولاً إلى المطالبة بإسقاط السراج وحكومته وطرد المرتزقة الإرهابيين الأجانب، وخاصة «السوريين».. وقوات الاحتلال التركى، وحل الميليشيات الإرهابية، ونزع سلاحها وأخطرها ميليشيات «الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» فضلاً عن الميليشيات القبلية والجهوية "المناطقية".. التى أنهكت المواطنين المسالمين ببلطجتها وصراعاتها المسلحة وسط المناطق السكانية، واقتحامها لمحطات الوقود للاستيلاء على ما يلزمها فى أى وقت، دون مبالاة بطوابير الانتظار، بل ووصل الأمر إلى اقتحام محطات الكهربا، لقطع التيار عن مناطق بعينها، وتوصيل الأحمال إلى مناطق سيطرة الميليشيات المعنية!!

ومعروف أن حكومة السراج تعتمد منذ قيامها فى أكتوبر ٢٠١٥ على ميليشيات «الإخوان» القوية حسنة التنظيم والتسليح.. وبعض الميليشيات القبلية والمناطقية.. ثم انضمت إليها تدريجياً تنظيمات إرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» وأخيراً ميليشيات المرتزقة الإرهابية الذين جلبتهم تركيا من الشمال السورى، بعد هزيمتهم أمام الجيش السورى وحلفائه، وتجميعها فى إحلب وغيرها من المناطق الشمالية.

واللافت للنظر أن الحكومة قد فشلت طوال السنين الماضية فى دمج هذه الميليشيات فى إطار واحد منظم.. أو حتى فى إطار حكومى أساسى ـ ولذلك ظل التناحر قائماً فيما بينهما من أجل النفوذ والفوز بالمغانم وقد هدأت الصراعات بينهما نسبياً فى فترة حصار الجيش الوطنى الليبي لطرابلس «بدءاً من أبريل ٢٠١٥» إزاء الخطر الذى مثلته هذه القوات على حكومة السراج ـ إلا أن رفع الحصار عن طرابلس كان بمثابة رفع الغطاء عن رجل يغلي بالصراعات. فوجدنا ميليشيات مصراتة مثلاً التابعة لوزير الداخلية فتحى الباش أغا ويسيطر عليها «الإخوان» تسعى للتمدد فى العاصمة طرابلس على حساب ميليشيات «النواصى» التابعة للسراج ـ وبينما تسعى الأخيرة لعقد تحالفات مع ميليشيات أخرى فى المدن المختلفة أو فى أحياء طرابلس لمواجهة ميليشيات مصراتة ـ وهكذا.

تجفيف منابع التمويل .. أشعل الأزمة

وقد كان نجاح الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير حفتر، والقبائل الداعمة له فى السيطرة على منطقة «الهلال النفطى» وسط ليبيا بمثابة ضربة قاصمة لحكومة السراج وأمراء الحرب المتحالفين معها وفى إطارها.. إذ إن وقف صادرات البترول من مركزها الرئيسى "الهلال النفطى" أدى إلى حرمان حكومة السراج من عائدات تصدير حوالى مليون برميل يومياً.. فضلاً عن حصولها على احتياجاتها المباشرة من البترول والغاز.

وبمقتضى «اتفاق الصخيرات» فإن عائدات التصدير كانت تذهب إلى "المؤسسة الوطنية للنفط» الخاضعة لحكومة السراج، هئ والمصرف المركزى الليبى .. وكانت هذه العائدات تتراوح بين «٣٠ و ٤٠ مليار دولار» حسب الأسعار العالمية ـ كما كان لدي المصرف المركزى حوالى "٨٠ مليار دولار" من الاحتياطيات كان يتم إنفاقها أو بالأحرى إهدارها فى صفقات مشبوهة غير خاضعة للرقابة، بمعرفة "الحكومة المعترف بها دولياً» وعلى رأسها السراج وقد رأينا كيف أن جانباً معتبراً من هذه الاحتياطيات والعائدات ذهب إلى تركيا، ودفع رواتب المرتزقة، وصفقات السلاح ـ إلخ.

وقد جاءت سيطرة الجيش الوطنى على منطقة «الهلال النفطى» لتمثل تجفيفاً لمنابع تمويل الإرهاب وحكومة السراج الداعمة له .. وحرماناً من الإمدادات المباشرة السخية من البترول والغاز، الضروريين لعمل محطات الكهرباء، وللنقل، ولشتى مناحى الحياة.. وكذلك لصفقات استيراد كل ما يلزم من الشركاء الغربيين بعيداً عن أي شفافية أو رقابة.. وبالطبع لدفع أنصبة الشركات الغربية من أرباح الإنتاج والتصدير .. ولعل هذه الحقائق تكفى لتوضيح حرص جميع «الشركاء« الغربيين على استئناف تصدير البترول الليبى كمطلب أول ـ وعلى إنهاء سيطرة الجيش الوطنى وحكومة «الشرق/ بنى غازى» على منطقة "الهلال النفطى" .. والخط الدفاعى الغربى الضرورى للدفاع عنها "خط سرت بالجفرة" .. الأمر الذى يعنى أيضاً فتح الطريق أمام الميليشيات الإرهابية والقوات التركية ليس فقط لاستعادة السيطرة على مركز الثروة النفطية، بل وللهجوم على المنطقة الشرقية «إقليم بنى غازى» المجاورة مباشرة للحدود المصرية، الأمر الذى يمثل خطراً مباشراً فادحاً على الأمن القومى المصرى.

«الخط الأحمر» .. لماذا!

وقد رأينا الأضرار التى تسبب فيها لمصر وجود التنظيمات الإرهابية فى شرق ليبيا "بحذاء حدودنا الغربية» قبل ظهور واشتداد عدد الجيش الوطنى الليبى "بقيادة حفتر» وتطهيره للمنطقة الإرهابية.

غير أن الحظر بعد الغزو التركى لليبيا، ووجود قوات إردوغان على رأس الميليشيات الإرهابية، من شأنه أن يمثل خطراً أفدح بكثير مما كان يمثله "جيش درنة» وغيره من المنظمات الإرهابية فوجود الجيش التركى على حدودنا الغربية، بكل ما هو معروف من أطماع أنقرة التوسعية الاستعمارية، وعن احتضان إردوغان لإرهاب «داعش» و«القاعدة» ـ و«الإخوان» بالطبع .. والأكثر من ذلك أن يكون هذا الوجود الإرهابى ـ الاستعمارى متمتعاً بتحويل سخى بعشرات المليارات من الدولارات «من عائدات البترول الليبى» .. وهو بكل بساطة خطر من الفداحة بحيث لا يمكن لمصر أن تسمح به بأى حال من الأحوال.

ولهذا كان الإنذار المصرى بأن "خط سرت ـ الجفرة" هو خط أحمر للأمن القومى المصرى، لا يمكن السماح بانتهاكه بأى حال من الأحوال.. فالأمن القومى لكل من مصر وليبيا مترابط عضوياً بصورة يستحيل ضمهما.. ولهذا فإن مصر لا يمكن أن تأخذ على محمل الجد أى حديث عن "نزع سلاح" منطقة الهلال النفطى.. أو إتاحة الفرصة لتركيا وعملائها للسيطرة على المنطقة الوسطى من ليبيا ـ أى منطقة الهلال النفطى ـ لأن من يسيطر على هذه المنطقة اليوم أو لا ينبغى أن تنسى مواردها الهائلة" سيزحف غداً على المنطقة الشرقية ـ ويصبح على حدودنا.

علماً بأننا لا ينبغى أن ننسى أبداً أن أشقاءنا فى شرق ليبيا "البرلمان الوطنى الشرعى" قد وجهوا نداء للقوات المسلحة المصرية بالتدخل لحماية الأمن القومى الليبى، فى حالة انتهاك «خط سرت ـ الجفرة» وإننا أعلنا قبولنا وتلبيتنا لهذا الندا من جانب الأشقاء .. ومعروف للجميع أن الحشود المصرية على الحدود هى قوة الردع التى تمنع تركيا من انتهاك «الخط الأحمر».

استعباط السراج وإردوغان!!

ولهذه الأسباب كلها فقد كان المستشار عقيلة صالح، رئيس البرلمان الشرعى الليبى ـ وهو دائم التنسيق مع القيادة المصرية حريصاً على أن يكون بيانه بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار منفصلاً عن بيان السراج ـ وعلى أن يعلن أن البيان مرجعيته هى المبادرة المصرية فى ٦ يونيو "إعلان القاهرة" وأيضاً على تأكيد أن دعوته لإقامة سلطة وطنية حديثة مركزها فى سرت، لا تعنى إطلاقاً الانسحاب من خط سرت الجفرة .. بل تشكيل «قوة أمنية» فى سرت بمشاركة مختلفة أقاليم ليبيا .. وهذا أمر لا علاقة له إطلاقاً بالانحساب العسكرى وهو ما أكده بكل وضوح المشير حفتر قائد الجيش الوطنى.

أما السراج ـ المستند إلى تركيا، وإلى الدعم الأمريكى لفكرة نزع سلاح الهلال النفطى ـ فقد أطلق لخياله العنان فى الحديث عن نزع سلاح هذه المنطقة واستئناف ضخ النفط كخطوات أولى لجهود السلام!! وكأنه بهذا "الاستعباط" يريد أن يحقق مكسباً استراتيجياً دون أن يطلق رصاصة واحدة!! ودون حتى أى حديث عن انسحاب قوات الغزو التركى!! ثم بعد ذلك ندخل فى جدال طويل بلا نهاية حول تعريف من هو الإرهابي، وما هى الميليشيا (السراج وتركيا يعتبران الجيش الوطنى "ميليشيا حفتر")!! ومن هو المرتزق الأجنبى والمحلى؟ بعد أن اتفق مع وزيرى دفاع تركيا وقطر على منح الـ٢٠ ألف مرتزق سورى جوازات سفر ليبية ـ ليصبحوا مواطنين»!!

والمثير للسخرية أن الناطق باسم ميليشيات «الوفاق» ـ المدعو محمد قنونو ـ أعلن رفضه لبيان السراج!! معلناً "سنبسط سلطان الدولة على كامل التراب الليبى" "RT- 23/8".

فمع من فى طرابلس يمكن الحديث إذا كان المتحدث باسم ميليشيات «الوفاق» لا يوافق على بيان السراج؟!

ثم ما مقيمة جميع المتحدثين فى طرابلس إذا لم يوافق إردوغان على ما يقولونه؟!

الكلمة الفصل .. والورقة التفاوضية الأهم

ووسط هذا الجدل العقيم، ومحاولات «التذاكى» والأفضل أن نقول "الاستعباط" الأهم من أي كلمة أخرى "الشعب يريد إسقاط النظام" و«ارحل ياسراج» وليعلن رغبته الواضحة فى رحيل المرتزقة السوريين ـ الأتراك» ورحيل قوات الغزو التركى ومحاسبة الفاسدين، واسترداد الليبيين لوطنهم ومقدراته.

وبديهى أن البرلمان الشرعى والجيش الوطنى لم يكونا ليقبلا أبداً بالتفريط فى الورقة التفاوضية الأهم فى أيديهما، وهى «الهلال النفطى» .. ولم يكونا ليقبلا بإدارة أي مفاوضات للتسوية فى ظل استمرار الاحتلال التركى لعاصمة البلاد وأجزاء عزيزة من التراب الليبى ـ ولا فى ظل استمرار وجود المرتزقة الإرهابيين.

حكومة السراج تترنح ـ وقد تستمر لبعض الوقت وتسقط غداً أو بعد غد ـ لكن قواعد التفاوض ستظل ثابتة .. ولا يمكن التفريط فى الورقة التفاوضية الأهم و«الخط الأحمر» سيظل موجوداً حتى تحرير ليبيا من الاحتلال والإرهاب.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE