الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 06:16 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : فى الاحتفال بمرور ٤٥ سنة على تخرج الدفعة الأولى بكلية الإعلام

الأموال

فى مثل هذه الأيام منذ ٤٥ سنة شهدت جامعة القاهرة حدثا أكاديميا مهما فى تاريخ الدراسات الأكاديمية مع تخرج الدفعة الأولى فى أول كلية للإعلام بمصر والعالم العربى، حيث تدفقت دماء جديدة واعدة في شرايين الإعلام.. كان حضورها لافتا وطاغيا فى المشهد الصحفي والإعلامى المصرى.

ولا شك أن ذكرى ذلك الحدث تستدعى بالضرورة الكثير مما لا يحصى من أحداث وذكريات لاتزال حاضرة بقوة في أذهان ووجدان خريجى تلك الدفعة.

<‫< ‫<

وإذا كانت جائحة «كورونا» قد حالت بين خريجى الدفعة والالتقاء للاحتفال بهذه المناسبة مثلما حالت دون استمرار اللقاء الدورى في الأسبوع الأول من كل شهر والذى حرصوا على عقده بانتظام ودون توقف منذ خمس سنوات بعد احتفالهم بمرور ٤٠ سنة على التخرج في سابقة هى الأولى فى الجامعات المصرية تتميز وتنفرد بها هذه الدفعة.. فقد أردت بوصفى أحد خريجى الدفعة التى أعتز كل الاعتزاز بانتمائى إليها أن تكون هذه السطور احتفالا واجبا من جانبى ومشاركة شخصية لزملائى في هذه المناسبة.

< ‫< ‫<

بعد ٤٥ سنة وتخرج (٤٦) دفعة في كلية الإعلام وجدت بدواعى الأمانة المهنية والتاريخية وبدوافع توثيق بدايات الدراسة بالكلية ضرورة التذكير بتلك النقلة النوعية والرائدة فى الدراسات الإعلامية والصحفية الأكاديمية فى مصر والعالم العربى والتي أحسب أنها غائبة عن الدارسين الحاليين وخريجى الدفعات الحديثة بقدر ما غابت عن عشرات الدفعات التالية للدفعة الأولي باستثناء الدفعتين الثانية والثالثة اللتين تماستا مع الأولى وعايشتا بدايات تلك التجربة الرائدة والتي وقفت بكل أسف.

< ‫< ‫<

البداية كانت عام ١٩٧١ مع الإعلان عن فتح الدراسة بمعهد الإعلام لمرحلة البكالوريوس ـ بعد أن كان مخصصا فقط للدراسات العليا ـ وقبول الحاصلين على الثانوية العامة بعيدًا عن مكتب التنسيق بشرط اجتياز امتحانين.. تحريرى وشفوى (مقابلة شخصية) وبعد إعلان نتيجة القبول تم قبول ٢٥٠ طالبا من بين أكثر من ألف متقدم.

<‫< ‫<

كان لافتا أن أكثر من نصف المقبولين بالمعهد كانوا من المتفوقين والحاصلين على مجموع درجات في الثانوية العامة أهلتهم للقبول بكليات القمة.. الطب والهندسة والصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية، لكنهم فضلوا الالتحاق بـ«معهد الإعلام» والذى حدد مجموع ٦٥٪ كحد أدنى للالتحاق، وهو الأمر الذى عكس بقدر ما أكد أن لديهم رغبة حقيقية واستعدادا علميا وفكريا لدراسة الإعلام ومن ثم طموحًا واضحًا للعمل فى مهنة الإعلام بعد التخرج، وذلك ما أكد استحقاق هذه الدفعة الأولى التى افتتحت بشجاعة الدراسة بـ« معهد الإعلام» وصفها بالدفعة الذهبية.

ولأن المعهد استقبل في السنة التالية دفعة أخرى من الطلاب وبنفس شروط القبول وبعد اجتياز الامتحانين.. التحريرى والشفوى، ولأن الإقبال قد تزايد على الالتحاق به، فقد تقرر إدراجه ضمن مكتب التنسيق، وكان لافتا أنه صار من بين كليات القمة مع بداية السنة الثالثة، ولعل ذلك ما دفع جامعة القاهرة إلى تحويله إلى كلية بدلا من معهد، لكن تبقى شجاعة طلاب الدفعة الأولى الذين التحقوا بـ«المعهد» قبل أن يتحول إلي كلية.

<‫< ‫<

ولأن الدراسة التخصصية في الكلية بدأت فى السنة الثالثة فقد ظل بعض طلاب الدفعة حائرين فى اختيار التخصص طوال السنتين الأولى والثانية، حيث كانت الدراسة عامة، غير أن إقدام الأستاذ جلال الدين الحمامصى صاحب المقام الرفيع في الصحافة المصرية علي إصدار جريدة «صوت الجامعة» في السنة الدراسية الثانية لتكون تدريبًا صحفيًا عمليًا في سياق تدريسه للمادة التي أسماها «المعمل الصحفى» وهو اسم لا تخفى دلالته.. كان نقطة التحول الفارقة والبوصلة التي قادت الراغبين إلى اختيار قسم الصحافة فى السنة الثالثة، في نفس الوقت الذى حسم فيه بقية الطلاب الاختيار بين قسمى الإذاعة والتليفزيون والعلاقات العامة والإعلان.

< ‫< ‫<

ولقد كانت «صوت الجامعة» كآلية تدريب عملى غير مسبوقة سببًا في أن يكون طلاب قسم الصحافة «الخريجون فيما بعد» أوفر حظا دراسيا بفعل انخراطهم فى تلك التجربة العملية والأكاديمية، حيث حرص الأستاذ جلال الحمامصى علي أن تكون جريدة بالمعنى الحرفي للجريدة الأسبوعية.. شأنها شأن الصحف والمجلات الكبرى فى ذلك الوقت، إذ كانت توزع أسبوعيًا فى أكشاك الصحف وبنفس سعر الجرائد الكبرى، بل إنه استكمالا لتلك التجربة كان الطلاب يقومون ببيعها داخل كليات الجامعات، وهو الأمر الذى أعطى مزيدًا من الزخم والانتشار.

< ‫< ‫<

خلال ثلاث سنوات دراسية لم يتوقف صدور الجريدة حتى في العطلات الصيفية مارسَ طُلاب الدفعة الأولى كل الفنون الصحفية بداية من الحصول على الخبر وتحريره وإعداد التحقيقات الصحفية وإجراء الحوارات مع كبار الشخصيات السياسية والأدبية والجامعية إضافة إلي ممارسة الإخراج الصحفى ثم امتدت الممارسة إلى المشاركة فى طباعة الجريدة وقد كان هذا النهج يستهدف إلمام الطلاب بكل ما يتعلق بإصدار الجريدة من الألف إلى الياء.

< ‫< ‫<

كانت بداية الممارسة الصحفية تحت إشراف علمى من معيدى الكلية إلى جانب إشراف عملى من صحفيين محترفين، وفى مرحلة تالية منح الأستاذ جلال الحمامصى الفرصة كاملة لطُلاب الدفعة الأولى لإصدار الجريدة وكأنهم صحفيون محترفون حتى قبل الاحتراف الحقيقى ودون إشراف عملي أو علمى، بل إنه كان يقرأ الجريدة بعد طباعتها ثم يُدلى بملاحظاته على بعض الأخطاء المهنية والتى كان يتم تجنبها لاحقًا.

ثم إنه استكمالا لتلك النقلة وتأكيدًا لتلك المسئولية الكاملة للطلاب خصص مجلس تحرير أسبوعى يتولى الإشراف على إصدار الجريدة بالتناوب بين طلاب قسم الصحافة الذين لم يتجاوز عددهم خمسين طالبا، بينما أوكل إلى طلاب الدفعة الأولى الإشراف على تدريب الدفعتين الأولى والثانية.

< ‫< ‫<

لقد كانت تجربة صوت الجامعة فكرة عبقرية للأستاذ جلال الحمامصى.. أتاحت لطلاب الكلية ثم طلاب قسم الصحافة فرصة ذهبية للتدريب الصحفى الذى أهلهم ليكونوا صحفيين محترفين بعد التخرج وبشهادة قيادات مؤسسة أخبار اليوم وكبار الصحفيين فى مصر.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلي ملاحظة مهمة وهى أن «صوت الجامعة» كانت تُطبع في مؤسسة أخبار اليوم التي خصصت إحدى قاعاتها لتكون مقرًا للجريدة، وهو ما أتاح للطلاب فرصة معايشة العمل الصحفي في جريدة الأخبار والاقتراب من كبار الصحفيين والمحررين فى الجريدة، حيث كانت تلك المعايشة أول إطلالة لمن يتهيأون للعمل الصحفي الاحترافى داخل بلاط صاحبة الجلالة، وكان لذلك بالغ الأثر والتأثير على الطلاب امتد إلى ما بعد التخرج والاحتراف إذ لم يشعروا بالغربة بعد ذلك حين التحقوا بالعمل الصحفى خاصة فى «الأخبار» التي ارتبطوا بها نفسيا وعمليا ومهنيا طوال ثلاث سنوات.

< ‫< ‫<

المهم أيضًا فى تجربة «صوت الجامعة» أنها لم تكن تجربة صحفية رائدة فقط، بل كانت أيضًا تجربة ديمقراطية بالغة الثراء جرت وقائعها بين الأستاذ جلال الحمامصى والطلاب، وشهدت الكثير من الحوارات السياسية والكثير من الخلافات في الرأى سواء فى مدرجات الجامعة أو فى اللقاء الأسبوعى بل حتى على صفحات الجريدة ذاتها، وهو الأمر الذى كان محل ترحيب من الأستاذ بل سعادة غامرة باعتبارها تدريبًا على ممارسة حرية الرأى والتعبير والحق فى الاختلاف وهى الحرية التى ظل يدافع عنها طوال حياته.

<‫< ‫<

وإذ أرجو ألا أبدو منحازا إلى قسم الصحافة بالكلية على حساب قسمى «الإذاعة والتليفزيون» و«العلاقات العامة والإعلان»، فإن تجربة «صوت الجامعة» هى التى فرضت نفسها علي هذه السطور التوثيقية باعتبارها بفعل وبحكم الواقع وقتها كانت العنوان الرئيسى لكلية الإعلام، لكن تبقي حقيقة أن خريجى القسمين الآخرين لم يكونوا بعيدين عن «صوت الجامعة» خلال السنة الدراسية الثانية (العامة) حيث شاركوا بكامل طاقتهم ورغبتهم فى إصدارها.

ثم إنه من المؤكد أن «صوت الجامعة» قد أفادتهم كثيرًا في مسيرتهم العملية بعد التخرج سواء فى الإذاعة والتليفزيون أو فى مجال الإعلانات أو العلاقات العامة فى كبريات الهيئات والجهات رفيعة المستوى التى التحقوا بها أو في مجال السياحة والثقافة وفي المجال الدبلوماسي أيضًا، وحيث أثبتوا كفاءة واضحة على خلفية أنهم خريجو الدفعة الأولى.. الدفعة الذهبية ويفاخرون بأنهم الرواد والسباقون فى الدراسة والتخرج فى أول كلية إعلام بمصر والعالم العربى، ثم إنه كان لافتاً أن الكثيرين من خريجى قسمى «الإذاعة» و«العلاقات العامة» قد التحقوا بالعمل الصحفي وأجادوا مثلما اقتحم بعض خريجى الصحافة الإذاعة والتليفزيون، وهو ما يؤكد أن خريجى الدفعة الأولى مؤهلون بصرف النظر عن التخصص للعمل في سائر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.

< ‫< ‫<

إن تجربة الدفعة الأولى فى كلية الإعلام ومعها الدفعة الثانية والثالثة بعد ذلك.. تستحق التأمل والدراسة خاصة بعد أن زادت أعداد كليات الإعلام بالجامعات الحكومية والخاصة وباتت أكبر من احتياجات السوق الإعلامية وأقل كثيرًا من حيث المستوى الدراسى ومن ثم المستوى المهنى لأعداد الخريجين الهائلة، وهو الأمر الذى يتطلب إعادة النظر في هذه الأعداد وفى مقرراتها الدراسية والتى تقتصر غالبًا على الدراسات النظرية.

< ‫< ‫<

للحديث عن الدفعة الأولى بقية مؤجلة إلى العام القادم إن كان فى العمر بقية مع الاحتفال بمرور خمسين عاما على بدء الدراسة في أكتوبر من عام ١٩٧١، وهى مناسبة أحسب أنه يتعين على جامعة القاهرة وكلية الإعلام أن تحتفل بها مع خريجى الدفعة الأولى باعتبارها مناسبة تستحق الاحتفال من جانب الجامعة والكلية معًا.

< ‫< ‫<

وإلى الأسبوع القادم لمواصلة قراءة المشهد الأمريكى المشتعل.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE