الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 03:57 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب :  خط سرت ـ الجفرة الأحمر ـ وأولويات الأمن القومى المصرى

الأموال

إعلان الرئيس السيسى أن «خط سرت ـ الحفرة« هو «خط أحمر» للأمن القومى والليبى، وأن مصر ستتحرك عسكرياً فى مواجهة أى تحرك عسكرى لمحاولة انتهاك هذا الخط من جانب ميليشيات حكومة السراج والقوات التركية، الراعية لها مثّل تطوراً نوعياً للموقف المصرى فى مواجهة الغزو التركى لليبيا، ورسالة تحذير شديدة اللهجة لأردوغان بأن مغامراته الحربية الرعناء فى بلد «المختار» ستؤدى إلى صدام عسكرى مع مصر، إذا لم يصغ إلى صوت العقل.

الإنذار المصرى كان خطوة طيبة بعد رفض أنقرة وحكومة السراج «لإعلان القاهرة» الذى أطلقه الرئيس السيسى بحضور رئيس البرلمان الليبى المستشار عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطنى المشير حفتر.. وهو الإعلان الذى دعا إلى وقف إطلاق النار واستئناف جهود التسوية على أساس حل الميليشيات الإرهابية وتسليم أسلحتها إلى الجيش الوطنى الليبى، وخروج الميليشيات الإرهابية الأجنبية التى جلبتها تركيا من فلول المقاتلين الإرهابيين فى إدلب والشمال السورى. كما دعا «الإعلان» إلى تشكيل مؤسسات للسلطة بالتوافق بين ممثلى مختلف أقاليم البلاد، واقتسام ثروات ليبيا بصورة عادلة وشفافة بين جميع أقاليمها وأبناء شعبها.

وإزاء رفض تركيا وما يسمى «بحكومة الوفاق» للمبادرة المصرية ـ التى لقيت تأييداً عربياً ودولياً شبه إجماعى، باعتبارها منسجمة مع الإطار العام لمؤثرات مؤتمرت السلام المتتالية، فآخرها مؤتمر برلين ـ ومحاولات قوات «الوفاق» المدعومة تركيًّا، لم يكن هناك بديل من إطلاق الإنذار المصرى بخصوص «الخط الأحمر» الممتد من ميناء سرت على البحر المتوسط إلى قاعدة «الجفرة» الاستراتيجية الواقعة وسط البلاد.. علماً بأن قوات الجيش الوطنى توجد مواقعها الأمامية على مسافة «٩٠كم» إلى الغرب من سرت.. كما أعلن الجيش الوطنى إقامة منطقة حظر جوى بامتداد «٢٠٠كم» من المدينة.

خط أحمر ـ لماذا؟

>‫> وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذا «الخط الأحمر» فى أن مدينة سرت تمثل البوابة الغربية لمنطقة «الهلال النفطى» الذى تقع به أهم حقول البترول الليبية، التى يتراوح إنتاجها بين «٩٠٠ ألف ومليون برميل يومياً».. كما أن المدينة الاستراتيجية هى نقطة الالتقاء بين شرق وغرب وجنوب البلاد.

أما «الجفرة» فهى موقع استراتيجى وسط البلاد، ومن يسيطر على قاعدتها الجوية الضخمة يكون الطريق مفتوحاً أمامه للوصول إلى الحدود الجنوبية، والمنطقة الشرقية المجاورة مباشرة للحدود المصرية وضرب أهم مدن الشرق الليبى وفى مقدمتها بنى غازى، وباختصار فإن عبور قوات «الوفاق» والقوات التركية لهذا الخط الأحمر يعنى أن الطرق تصبح مفتوحة أمامها للسيطرة على المنطقة الشرقية، والاقتراب من الحدود الغربية لمصر.

وهو ما لا يمكن أن تسمح به القاهرة طبعاً، لأن معناه المباشر أن تكون الحدود المصرية معرضة للاختراق الإرهابى ـ ومعروف كيف عانت مصر من هذه الاختراقات فى الفترة التى كانت فيها مراكز للإرهابيين فى درنة وغيرها، سواء من العمليات الإرهابية كمدينتى الفرافرة الأولى والثانية ضد قوات حرس الحدود.. ومذبحة الواحات البحرية، أو من تسرب العناصر الإرهابية ومهربى السلع والمخدرات.. إلخ، وكلها عمليات تتم بالتنسيق مع جماعة «الإخوان» الإرهابية فى طرابلس وهى جزء من التنظيم الدولى للإخوان بقيادة إردوغان، والذى كان له الدور الأكبر فى استقدام جماعات «القاعدة» و«داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية إلى ليبيا، وتسهيل انتشارها وتسلحها، والانتشار منها إلى مختلف مناطق الصحراء الإفريقية الكبرى، وكان لقطر دورها المعروف فى هذه العملية.

وبديهى أنه لا يمكن إهدار الجهود الهائلة التى بذلها الجيش الوطنى الليبى وحلفاؤه من الدول العربية وفى مقدمتها مصر لتطهير المنطقة الشرقية فى ليبيا من تمركزات الإرهابيين، وتطهير كبرى مدن الشرق الليبى منهم وفى مقدمتها بنى غازى وطربق ودرنة.

والحقيقة أن سيطرة ميليشيات السراج الإرهابية المدعومة بالقوات التركية على منطقة «الهلال النفطى» لا تعنى وضع ثروات ضخمة فى يد الإرهاب وممولين فحسب ـ ومن ثم إتاحة إمكانيات هائلة لتوطنه وانتشاره فى المنطقة، وإنما تغنى أيضاً تغييراً ضخماً فى خرائط المنطقة، من خلال حصول تركيا على رأس جسر لها على الساحل الجنوبى للبحر المتوسط.. وهو تغيير استراتيجى لخرائط النفوذ فى البحر المتوسط والمنطقة بأسرها.. وتمهيداً لتغيرات أوسع وأكبر، ولغير صالح مصر إطلاقاً.

التصدى الحازم .. كان ضرورياً

لهذا فقد كان ضرورياً ـ بل حتمياً ـ أن يوجه الرئيس السيسى هذا الإنذار الحازم بشأن «خط سرت ـ الجفرة» وهو الإنذار الذى ارتبط طبعاً بحشود عسكرية مصرية على الحدود التركية.. ومهم جداً هنا أن نذكر أن هذا الإنذار قد لقى كل الترحيب ليس من جانب البرلمان والجيش الوطنى الليبيين فحسب، بل وأيضاً من جانب مشايخ القبائل فى المنطقة الشرقية والوسطى، وأغلب قبائل البلاد، مما يكسبه شرعية شعبية وسياسية ليبية أكبر، علاوة على شرعية حق الدفاع عن النفس، باعتبار أن الغزو التركى لليبيا يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى المرتبط عضوياً بالأمن القومى الليبى.

والحقيقة أن هذا الإنذار قد مثل بمجرد طرحه كابحاً قوياً أمام نزعات إردوغان المغامرة.

أولويات الأمن القومى المصرى

لا يخفى على أحد أن الغزو التركى لليبيا يجىء فى وقت تتعدد فيه التحديات للأمن القومى المصرى، بدءاً من الموقف الإثيوبى المتعنت والمراوغ فيما يتصل بملء بحيرة سد النهضة، إلى النشاط الإرهابى فى سيناء، فضلاً عن احتياج البلاد لمواجهة الآثار الاقتصادية لتفشى وباء كورونا.. وواضح أن هناك قوى دولية وإقليمية «فى مقدمتها تركيا وإسرائيل» تسعى لتفجير أكثر من قضية بالغة الأهمية متصلة بالأمن القومى المصرى فى وقت واحد فى محاولة لإرباك مصر وإنهاك قواها.. ومعروف مثلاً علاقات إسرائيل الوثيقة بالنظام الإثيوبى، لأطماعها التاريخية فى مياه النيل.. ومعروف كذلك دور تركيا فى تحريك الجماعات الإرهابية فى المنطقة وعلاقاتها الوثيقة معها، بالإضافة إلى دور قطر والتنظيم الدولى «للإخوان المسلمين».. وواضح أيضاً أن إردوغان اعتبر أن هذه الظروف مواتية له ليستطيع تحقيق أهدافه فى ليبيا، فى ظل انشغالات القاهرة الكبرى بقضايا أمنها القومى الأخرى، وخاصة قضية مياه النيل ذات الأهمية شديدة الخصوصية والحساسية، آملاً أن يتمكن فى ظل هذه الظروف من تحقيق اختراق فى ليبيا، وخلق أمر واقع يصعب زحزحته لاحقاً.. ويمثل تهديداً بالغ الخطورة على أمن مصر القومى.

لهذا كانت صدمة إردوغان وعملائه وأتباعه فى ليبيا أو فى مصر وبقية دول المنطقة ـ كبيرة حينما قررت القيادة المصرية إعطاء الأولوية للمواجهة على الجبهة الليبية وهكذا انطلقت أبواق المشروع العثمانى من «الجزيرة إلى قنوات «الإخوان» العميلة القابعة فى تركيا، أو الصحف والمواقع التابعة للتنظيم الدولى فى حملة سياسية وإعلامية شرسة ضد القيادة المصرية، تتهمها بالتفريط فى قضية مياه النيل، والانشغال بقضية أقل أهمية!! فضلاً عن «التدخل غير الشرعى» فى شئون حكومة الوفاق ـ المعترف بها دولياً.

وتسخر هذه الأبواق الرخيصة من الإنذار المصرى بخصوص «الخط الأحمر» من سرت إلى الجفرة «بطريقة سمجة وخبيثة» مدعية أن القيادة المصرية تخطئ فى تحديد «الخطوط الحمراء» للأمن القومى للبلاد فى تحديد «الخطوط الحمراء» للأمن القومى للبلاد وتتجه غرباً، بينما ينبغى أن تتجه جنوباً نحو إثيوبيا والنيل.

والحقيقة أن هذه الأبواق تحاول أن تقيم تعارضاً مصطنعاً بين أولويات الأمن القومى المصرى.. بينما تدرك القيادة المصرية، كما يدرك كل إنسان عاقل أن هذه القضايا هى كلها «خطوط حمراء» لا يمكن أن يحل أحدها محل الآخر.

فمصر لا يمكن أن تتخلى عن النيل - شريان الحياة لشعبها - لتتفرغ لمواجهة خطر الإرهاب التركى القادم من الغرب.. وهو أيضاً خطر وجودى.

والمسألة هنا ليست فروق أهمية.. لكنها فروق توقيت وأساليب فى المواجهة.

فبالنسبة لسد النهضة من الواضح أن هناك مشكلات فنية جدية تعوق إمكانية البدء فى ملئه فوراً.. وهناك حاجة لمعالجة هذه العيوب تتحدث عنها الصحافة العالمية، كما أن هناك ضغوطاً دبلوماسية على مستويات عديدة، ومع دول عديدة تقوم بدورها فى إعاقة التمويل الضرورى للانتهاء العاجل من السد.. كما أن خيار التدخل العسكرى بالنسبة لمصر ليس الخيار الوحيد الحتمى.. ومعروف أنه تعترضه عقبات لا يستهان بها، تجعل اللجوء إليه مطروحاً عنه استنفاد الوسائل الأخرى، وليس قبل ذلك.

أما بالنسبة للقضية الليبية فإن عنصر الوقت شديد الإلحاح.. وربما يمثل أسبوع أو أسبوعان فارقاً زمنياً يمكن خلاله تحقيق اختراق (تركى - وفاقى) يتم التشبث به، وتصعب معالجته فيما بعد، وخاصة فى منطقة الهلال النفطى (وواضح أن الأمر ليس كذلك فيما يتصل بالنيل)، فالفيضان لم يبدأ أصلاً، وعملية ملء السد تتعثر بوضوح.

ومن ناحية أخرى فإن الخيار العسكرى على الجبهة الليبية واضح تماماً ضرورة اللجوء إليه قبل أن تنشأ أوضاع يصعب علاجها، ويتم فرض الأمر الواقع بالقوة، وتموت عملية التسوية تحت جنازير الدبابات التركية والإرهابية لنجد أنفسنا أمام كيان إرهابى وتوسعى على امتداد حدودنا الغربية البالغ طولها (1200 كم)، ولديه طابور خامس لا يستهان به من العملاء فى الداخل.

ومن ناحية ثالثة فإن مصر إذا استنفدت جميع الوسائل الدبلوماسية، وحشد الضغوط الدولية على إثيوبيا، ووجدت نفسها بصورة لا مفر منها أمام الخيار العسكرى - فرضاً - فإنها ستكون قد كسبت الوقت فى فضح النظام الإثيوبى وتعنته وانتهاكه للاتفاقيات الدولية، بما يجعلنا نكسب تعاطفاً إقريقياً ودولياً أكبر مما نملكه الآن.. وبالتالى فإننا لا نبدو فى «صورة المعتدى» إذا اضطررنا لتوجيه ضربة عسكرية للسد.. ولابد من الاعتراف بأننا محتاجون لاستثمار الوقت فى تحقيق هذا الهدف قبل أن نجد أنفسنا مضطرين لاستخدام القوة.. ونكرر أن هذا خيار غير حتمى ونعيد إلى الأذهان أن المعالجة الفنية لمسألة احتمال استخدام القوة أيام مرسى فى (مؤتمر جنرالات المصاطب والمقاهى) فى سنة حكم الإخوان الكئيبة قد سببت لنا خسائر كبيرة على المستوى الإفريقى بالذات، مما يفرض علينا التعامل مع هذه القضية بأعلى قدر من الدبلوماسية والانضباط.. وبديهى أن هذا لا يصادر على حقنا فى الدفاع عن مصالحنا بالقوة إذا ما اقتضت الضرورة الحتمية ذلك.

غير أننا - من ناحية رابعة - إذا اضطررنا للجوء للقوة - فرضاً - فلسنا بحاجة إلى حشد الجيوش والمشاة والدبابات (فالمسألة بيننا وبين إثيوبيا لا تسمح بذلك - والمنطقى أننا سنلجأ لوسائل أخرى ليس كاتب هذه السطور جنرالاً ليمكنه التحدث عنها.. لكن المؤكد أنها لا تتعارض إطلاقاً مع طبيعة الحشد على الجبهة الليبية.

وخلاصة القول إن الخطين الأحمرين لأمننا القومى (مياه النيل، وحماية جبهتنا الغربية) لا يتصادمان، ولا يتناقضان، كما يدعى أبواق إردوغان فى الجزيرة وقنوات «الإخوان» العميلة.. وهم آخر من يهمه حماية أمننا القومى بالتأكيد.

حفظ الله مصر من كل سوء.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE