الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 08:19 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مصر.. الهدف الحقيقى للعدوان التركى على ليبيا (2/2)

الأموال

تعرضت القضية الليبية لخلط شديد للوقائع وتعتيم على الوقائع و(اختطاف للمفاهيم) فى إطار حرب إعلامية غربية وتركية شرسة، ترافقت مع المعارك السياسية والعسكرية.. وتم فى هذا الإطار اختطاف مفهوم الشرعية ذاته فحينما يسمع المرء أو يقرأ تعبير (حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.. برئاسة فايز السراج) يكون أول ما يتبادر إلى الذهن أن هذه الحكومة قد تولت السلطة بشكل شرعى.. مع أن الواقع هو عكس ذلك تماماً!!

وقد أوضحنا فى الجزء الأول من هذا المقال (الأموال 14 يونيو 2020) كيف أن جماعة «الإخوان المسلمين» الموالية لتركيا قد تعرضت لهزيمة ساحقة فى الانتخابات النيابية (يونيو 2011) وحصلت على (23 مقعداً فقط من أصل 200 مقعد برلمانى).. وكيف تحالفت هذه الجماعة - الموالية لتركيا- وميليشياتها المسلحة مع المنظمات الإرهابية الأخرى «كالقاعدة» و«داعش» والمنظمات القبلية المسلحة. لتجبر ممثلى الأغلبية البرلمانية على مغادرة طرابلس والمناطق الغربية من البلاد باستخدام وسائل العنف والإرهاب والاغتيالات السياسية.. واضطرت العناصر السياسية والمدنية (الممثلة للأغلبية) للجوء إلى المناطق الشرقية من البلاد فى إقليم برقة (بنى غازى وطبرق وغيرها) حيث كانت الأوضاع الأمنية أفضل نسبياً.. وحيث تجمعت الأغلبية البرلمانية فيما عرف «ببرلمان طبرق».. وهى المدينة التى اتخذها البرلمان مقراً له قبل أن ينتقل إلى بنى غازى.

وبتعبير آخر فإن الشرعية البرلمانية المتشكلة عبر انتخابات نزيهة، وتحت إشراف دولى تم الانقلاب عليها عسكرياً، وطردها بعيداً عن العاصمة.. وحدث هذا بقيادة جماعة «الإخوان» وبمشاركة فصائل إرهابية أخرى، وتحت إشراف تركى مباشر.. ومع تغاضى الدول الغربية الكبرى، التى كانت قد قامت بغزو البلاد عام 2011 فى إطار حلف «الناتو».

ثم قامت الأقلية البرلمانية المشكلة من الإخوان وحلفائهم.. والمستندة إلى الميليشيات المسلحة بتنصيب ما يعرف «بحكومة الوفاق الوطنى» برئاسة فايز السراج الذى ينتمى إلى أسرة ذات أصول تركية أكتوبر 2015

اتفاق الصخيرات.. و«شرعية» التآمر..

وخلال شهرين تم ترتيب مؤتمر شارك فيه ممثلو الدول الغربية التى قامت بغزو ليبيا عام 2011 وتحت إشراف المبعوث الدولى (مارتن كوبلر) حيث تم التوافق على تنصيب فايز السراج رئيساً لما عرف بالمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق فى إطار ما عرف بـ«اتفاق الصخيرات» الذى أصبح يمثل أساساً «لشرعية دولية» مشبوهة فرضها الغزاة، متجاهلين نتائج الانتخابات البرلمانية التى سبق إجراؤها قبل عام ونصف تحت إشراف دولى!!

وجدير بالذكر أن (مارتن كوبلر) هذا معروف بأنه أسوأ مبعوث دولى مر بليبيا.. وكان لديه (مشروع) لتقسيم ليبيا، وتشكيل جيوش مستقلة فى أقاليمها الثلاثة (برقة، وطرابلس، وفزان) - غير أنه تم رفضة من جانب الأمم المتحدة.

وبعض «اتفاق الصخيرات» - (المغرب) لحكومة «الوفاق» غير المنتخبة سلطة تمثل ليبيا دولياً والتصرف فى احتياطاتها المالية الضخمة الباقية منذ عهد القذافى «حوالى ٨٠ مليار دولار» .. والإشراف على البنك المركزى الليبى والمؤسسة الوطنية للنفظ «ومقرهما فى طرابلس».. أى حق التصرف فى ثروات البلاد واحتياطياتها.. على أن تكون صلاحيته لمدة عام ونصف «حتى يونيو ٢٠١٧» ويقوم خلال هذه الفترة بتشكيل جيش وقوات أمن بإدماج الميليشيات القائمة، ونزع سلاحها خارج التشكيلات النظامية، وإجراء انتخابات.

وبديهى أن شيئاً من ذلك كله لم يحدث سوى وضع يد حكومة «الوفاق» على ثروات البلاد واستيراد احتياجاتها من شركات دول الغزو الأطلسى وتركيا.. وإيداع عدة مليارات من الدولارات فى البنوك التركية، لمواجهة آثار العقوبات الأمريكية ضد إردوغان .

وبينما استمر فشل حكومة السراج فى تحقيق الحد الأدنى من الانتشار فى طرابس وما حولها، أو التقدم نحو تشكيل قوات نظامية على أساس غير ميليشياوى، فإن الباب انفتح واسعاً أمام تدفق الأسلحة من تركيا على الميليشيات المتعددة.. وأمام عناصر «القاعدة» و«داعش» من الخارج، وتجنيد المرتزقة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، الذين كانوا يتدفقون على ليبيا من البلدان المجاورة، فى طريقهم إلى أوروبا.. وبينهم العديد من عناصر المنظمات الإرهابية المنتشرة فى البلدان المجاورة لليبيا مثل تشاد والنيجر ومالى، وصولاً إلى نيجيريا عبر الصحراء الكبرى.

كما انفتح الباب واسعاً أمام وصول عناصر المخابرات التركية للتغلغل وسط هذه الميليشيات وتدريبها.. إلخ.

تطورات إيجابية فى الشرق

وبينما كان الحال هكذا فى طرابس والمناطق الغربية والجنوبية من البلاد، كانت المناطق الشرقية قد بدأت تعرف طريقها إلى تحقيق قدر كبير من جمع شتات جنود وضباط الجيش الليبى السابق والميليشيات القبلية، وإدماجها فيما صار يعرف باسم «الجيش الوطنى الليبى» بقيادة اللواء «وقتها» خليفة حفتر.. وفى توجيه ضربات قوية إلى نقاط تمركز الإرهابيين، وخاصة فى مدينة "برقة" القريبة من الحدود الغربية للصحراء التى كانت قد تحولت إلى مراكز لشن العمليات الإرهابية ضد مصر، وتهريب الإرهابيين والأسلحة إلى داخل حدودها، فضلاً من التهرب غير المشروع لمختلف السلع، الأمر الذى أصبح يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومى المصرى، لا يمكن السكوت عليه، ولذلك كان طبيعياً أن ترحب مصر بجهد البرلمان الليبى والجيش التابع له فى تطهير منطقة الحدود المشتركة بين البلدين من الوجود الإرهابى.

ومن ناحية أخرى فإن تحركات «الجيش الوطنى» باتجاه الجنوب الليبى وإغلاق الحدود الجنوبية للبلاد أمام التدفق الواسع للهجرة غير الشرعية والإرهابيين، كانت كلها تمثل خطوات إيجابية لتقليص المخاطر الأمنية ليس بالنسبة للحدود المصرية وحدها.. وأيضاً بالنسبة لأوروبا، التى عانت طويلاً من الفوضى الضاربة فى ليبيا ـ وهذه الحقيقة بالذات هى التى جعلت حفتر يصبح أكثر فأكثر وجهاً مقبولاً على المستوى الأوروبى والدولى وأصبحت عواصم الدول الكبرى مستعدة لاستقباله، ودعوته لحضور المؤتمرات الدولية الهادفة لتحقيق التسوية فى ليبيا، وبغض النظر عن احتجاجات تركيا و«الحكومة المعترف بها دولياً».. والتى أخذت مصداقيتها تتآكل، ومع استمرار استنادها إلى الميليشيات المتناحرة وعجزها عن بسط الأمن فى مناطقها.. ثم مع احتلال قوات الجيش الوطنى لمنطقة «الهلال النفطى» وتقدمها على أكثر من محور لمحاصرة طرابلس فى أوائل إبريل ٢٠١٩.

العدوان على الشرعية

ولسنا بصدد إعادة سرد تطورات الأحداث لكننا أردنا أن نخلص إلى أن استشعار أنقرة للخطر على أتباعها فى طرابلس دفعها أن تطلب من حكومة السراج عقد اتفاقيتين معها (نوفمبر ٢٠١٩) حول ترسيم الحدود البحرية «بين بلدين ليست بينهما حدود مشتركة فى الحقيقة» والتعاون الأمنى.. وهما اتفاقيتان ليس من حق حكومته عقدهما أصلاً بمقتضى «اتفاق الصخيرات».. ثم إن زمن ولاية هذه الحكومة قد انقضى بحلول ٢٠١٧ «عام ونصف من بدء تنفيذ الصخيرات».. وترافق مع ذلك الدفع بأعداد كبيرة من «الخبراء» الأتراك، ومن الإرهابيين- المرتزقة السوريين إلى طرابلس وغرب ليبيا وإقامة جسرين جوى وبحرى لنقل السلاح «وصل عدد الإرهابيين المرتزقة إلى ١١ ألفاً، وعدد الجنود والضباط الأتراك إلى ١٥٠٠».. وأعداد هائلة من الطائرات المسيرة.. وهو ما ترتب عليه التطورات العسكرية المعروفة فى غرب ليبيا، وأدى إلى بروز تهديد حقيقى بنشوب صدام مسلح على الأراضى الليبية خصوصاً مع تصريحات إردوغان بأن الميليشيات الإرهابية فى طرابلس يجب أن تتقدم للاستيلاء على كل مساحة البلاد!! أى أن تصل إلى الحدود المصرية!! وهو تهديد للأمن القومى المصرى لا يمكن أن تسكت عليه القاهرة بالطبع.. كما قامت القوات الجوية والبحرية التركية بمناورة مشتركة فى البحر المتوسط وهو استفزاز لا يخيف أحداً بالتأكيد..

ورفض الرئيس التركي "إعلان القاهرة" الذي طرحه الرئيس السيسي بحضور المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي والمشير حفتر قائد الجيش الوطني- وبالتوافق معهما- معلناً أن حفتر لا يمكن التفاوض معه ولابد من عزله!! وهذا تدخل سافر في تحديد المتفاوضين باسم شرق ليبيا لا يملك حتى السراج أن يطلبه، كما أن من الوقاحة أن يعلن إردوغان رفضه للمبادرة المصرية- الليبية (إعلان القاهرة) حتى قبل أن يرفضها السراج!! وكذلك رفض إردوغان وقف إطلاق النار الذي دعا إليه "إعلان القاهرة" بدءاً من 8 يونيو الجاري وتواصل قواته محاولاتها للهجوم على مدينة سرت الاستراتيجية، نقطة الاتصال بين شرق ليبيا وغربها وجنوبها، والبوابة الغربية "للهلال النفطي" التي يحلم بأن تتيح له السيطرة على مركز الإنتاج الرئيسي للبترول الليبي لكن الجيش الوطني أجبر القوات المهاجمة على الابتعاد لمسافة (95 كم) عن المدينة باتجاه الغرب..

شرعية "برائحة البترول"

غير أن كل شعارات إردوغان الحماسية حول "الشرعية" و"الحكومة المعترف بها دولياً" لم تنجح في إخفاء أطماعه في ثروة ليبيا طويلاً فقد أعلنت صحيفة "ين شفن" التركية وثيقة الصلة بالحكومة والحزب الحاكم عن اتفاق إردوغان والسراج في اجتماعهما مؤخراً في أنقرة على إقامة قاعدتين دائمتين على الأراضي الليبية إحداهما جوية في قاعدة "الوطية" جنوب غربي طرابلس، والثانية بحرية في ميناء مصراتة، كما اتفقا على أن يكون لتركيا النصيب الأكبر من استخراج النفط في ليبيا"، وأكدت "ين شفن" أن وجود السفن الحربية التركية ضروري للحفاظ على سلامة أنشطة التنقيب من أي تهديدات محتملة" (RT نقلاً عن ين شفن" ووكالات الأنباء – 12 يونيو 2020).

وإذن فالمسألة مسألة قواعد على الساحل الجنوبي للمتوسط، وبترول وغاز، ولا علاقة لها بالشرعية ولا "بالمبادئ".

غير أن ليبيا ليست نهاية أحلام إردوغان الإمبراطورية!! بل رأس جسر تتمدد عبره "دولة الخلافة" إلى المشرق العربي والشمال الإفريقي بأسرهما.. وفي القلب منهما مصر!!، حلقة الوصل بينهما، و"درة التاج" في الإمبراطورية العثمانية البائدة التي يحلم إردوغان ببعثها ونفض غبار القرون عنها!! وكمعروف أن ضياع الحلم بالسيطرة على مصر بعد الإطاحة بحكم "الإخوان"- قد أفقد إردوغان صوابه، فاندفع في شن الحملات السياسية والإعلامية ضد أرض الكنانة وتدبير المؤامرات الإرهابية من خلال فلول "الجماعة" إلى تحتضنها تركيا وبلا طائل طبعاً- وكما كانت مصر هي الصخرة التي تحطمت عليها أحلام إردوغان عام 2015، فإنها ستكون الصخرة التي تتحطم عليها أحلامه في ليبيا هذا العام وفي الأعوام القادمة.

حفظ الله مصر من كل سوء.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE