الأموال
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 09:55 صـ
  • hdb
14 شوال 1445
23 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : تحقيق«الأمن الغذائى» ممكن.. بشروط

الأموال

أثار مقالنا المنشور في العدد السابق من «الأموال ـ ٣١ مايو ٢٠٢٠» تحت عنوان «عبور الفجوة الغذائية.. ضرورة قصوى للأمن القومى» عددًا من الملاحظات من جانب بعض القراء المحترمين، الأمر الذى يجعلنا نشعر بالحاجة إلى توضيح بعض جوانب الموضوع.
وأول ما نود التأكيد عليه هو أن قضية تحقيق الأمن الغذائى لمصر، هى قضية ذات أهمية استراتيجية، وهدف دائم للدولة، ولأية دولة.. وتكتسب هذه القضية إلحاحًا خاصًا في ظل تفشى وباء كورونا، وما نتج عنه من آثار سلبية واسعة على الاقتصاد العالمى، بما فيه الإنتاج الزراعى والغذائى، ومن ارتباك فى حركة التجارة الدولية، والنقل البحرى فى ظل القيود على الملاحة البحرية من ناحية، ولجوء بعض الدول إلى فرض قيود على صادراتها من الحبوب والسلع الغذائية لضمان توفير احتياجات شعوبها أولاً فى هذه الظروف الاستثنائية.
وقد أدى ذلك إلى بروز مخاوف واسعة لدى الخبراء سواء من نقص المعروض في الأسواق الدولية، أو من ارتفاع الأسعار، وهى مخاوف يزيد منها تصاعد التوتر فى العلاقات الاقتصادية الدولية إلى درجة «الحروب التجارية» وخاصة بين أمريكا والصين، وارتفاع حدة المواجهات السياسية، بما ينطوى على خطر نشوب مواجهات عسكرية خاصة بين واشنطن وبكين.
وبالنسبة لمصر فمن المعروف أنها من الدول التي تعانى من وجود فجوة غذائية، أى وجود فارق كبير بين إنتاجها واستهلاكها من المواد الغذائية، وقد أشرنا إلى نقص «الاكتفاء الذاتى» لمصر فى عدد من المحاصيل والسلع الغذائية الرئيسية كـ«القمح والذرة والفول والعدس، واللحوم الحمراء» فى مقالنا السابق الإشارة إليه بدرجة كافية من التفصيل «الأموال ـ ٣١ مايو ٢٠٢٠».
ويقدر الخبير البارز فى الاقتصاد الزراعى، وأستاذ الاقتصاد الزراعى المعروف ونائب وزير الزراعة السابق الدكتور محسن البطران، درجة «الاكتفاء الذاتى» الغذائى لمصر بنحو «ستين فى المائة»، وهو ما ذكره فى حديث شامل لوضع إنتاج المحاصيل الزراعية فى (برنامج «لقمة عيش» مع الإعلامى ماجد على على قناة «الحدث اليوم» الثلاثاء ٢ يونيو ٢٠٢٠).. أى أن الفجوة الغذائية لبلادنا تبلغ ٤٠٪ يجب تغطيتها بقدر المستطاع من زيادة الإنتاج المحلى ثم الاستيراد.
وهنا تجب الإشارة إلى أنه كان من أهم النتائج السلبية لتفشي كورونا، ذلك النقص الفادح الذى أصاب مواردنا من السياحة (١٣ ملياراً عام ٢٠١٩) بسبب الدمار الذي حل بصناعة السياحة والسفر في العالم بأسره، والمتوقع أن تستمر آثاره بدرجة كبيرة لبقية العام الجارى، وربما للعام القادم أيضا (٢٠٢١).. كما أن مواردنا من تحويلات العاملين بالخارج ستتأثر بدرجة كبيرة، فضلا عن احتمالات الخسائر من عائدات قناة السويس بسبب ارتباك حركة التجارة العالمية.
وفى ظل ظروف كهذه فإن الاستمرار فى استيراد المحاصيل والسلع الغذائية بنفس المعدلات الحالية يمثل ضغطا غير مقبول علي مواردنا من العملات الصعبة، وعلى احتياطيات الدولة.
وبالتالى فإن استمرار قدرة الدولة علي تحقيق «الأمن الغذائى» للشعب يرتبط ارتباطًا عضويًا بضرورة رفع مستوى الاكتفاء الذاتى إلى أقصى حد ممكن، فى ظل الإمكانات القائمة والمتاحة بالطبع، ويرى الخبير البارز فى الاقتصاد الزراعى الدكتور محسن البطران أن رفع مستوى الاكتفاء الذاتى إلى ما يتراوح بين ٧٠٪ و٧٥٪ من الاستهلاك يمكن أن يمثل درجة مقبولة من تحقيق «الأمن الغذائى» للبلاد (برنامج «لقمة عيش» ـ ٢ يونيو ٢٠٢٠).
الاكتفاء الذاتى.. والأمن الغذائى
وهنا يجب أن نتوقف قليلا أمام العلاقة بين هذين المفهومين، لنوضح أن تحقيق «الاكتفاء الذاتى» من المحاصيل والسلع الزراعية أمر بالغ الصعوبة بالنسبة لجميع الدول مهما بلغت إمكاناتها، نظراً لارتباطه بظروف عديدة مثل (مساحة الأرض الزراعية، نوعية التربة والظروف المناخية، ووفرة المياه.. إلخ إلخ).. مما ينتج عنه وجود اكتفاء ذاتى أو فائض فى بعض المحاصيل والسلع، ونقص نسبى أو كبير في إنتاج محاصيل وسلع أخرى يتم سده من خلال التجارة الدولية، ومن ناحية أخرى فإن تحقيق «الأمن الغذائى» يمكن أن يتحقق للدولة من خلال استيراد ما يلزم لشعبها من محاصيل أو سلع غذائية مقابل تصدير سلع أخرى (ضرورية) للسوق العالمية سواء كانت سلعا زراعية أو صناعية أو مواد للطاقة كـ«البترول والغاز» الخ، مما يضمن لها الحصول فى المقابل علي السلع الضرورية لها، وعدم تعرض إمداداتها من هذه السلع للانقطاع، أو وجود بدائل متاحة لتعويض أى نقص، وخاصة فى السلع ذات الأهمية الأساسية، وبتعبير آخر فإن التركيز على الإنتاج الزراعى والصناعى يمثل ضمانة لتحقيق «الأمن الغذائى» الذى يعتبر بدوره أحد المكونات بالغة الأهمية لتحقيق الأمن القومى.
لهذا رأينا الرئيس السيسى يشدد فى اجتماعه مع المسئولين عن الإنتاج الزراعى والحيوانى على أهمية السعى نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية والسلع الغذائية «باعتباره هدفًا استراتيجيًا للدولة» ـ (الأهرام ـ ١٣ مايو ٢٠٢٠)، وبديهى أن السعى نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى أو تحقيق أكبر درجة ممكنة منه، لا يمكن أن يؤتى ثماره بين عشية وضحاها.. لكن المهم أن يكون هذا السعى جاداً ومكثفاً ومخططاً له بصورة سليمة، ومع مراعاة أهمية عنصر الوقت في ظل التحديات التى يواجهها الأمن القومى المصرى من أكثر من جهة.
شروط النجاح
وإذا كان توسيع الرقعة الزراعية مثلا يواجه صعوبات نقص المياه، فإن ترشيد استهلاك المياه واستخدام أساليب الرى الحديثة (من رش وتنقيط وغيرها) يمكن أن يتيح إمكانيات أفضل لتوسيع الرقعة الزراعية.. غير أن الأمر الأهم هو استخدام العلم والبحث العلمى لتحقيق التوسع الرأسى بزيادة الإنتاجية بتطوير سلالات المحاصيل الموجودة واستنباط سلالات جديدة ذات إنتاجية أعلى، واستخدام مخصصات ذات فاعلية أكبر.. إلخ، (وقد ضرب د. محسن البطران مثالاً بنجاح الدكتور عبدالسلام جمعة ـ المعروف بأبى القمح ـ هو وفريقه فى تطوير متوسط إنتاجية فدان القمح بنسبة ٥٠٪).
ويقتضى هذا توجيه استثمارات أكبر بصورة جوهرية إلى مجال الإنتاج الزراعى والحيوانى، وإلي البحث العلمى فى هذا المجال والتوسع فى إقراض المزارعين وتحسين أوضاعهم وتشجيعهم على التوجه لإنتاج المحاصيل الضرورية لتحقيق خطة الدولة.. وكذلك توسع الدولة فى بناء الصوب الزراعية الأكثر اقتصادًا فى استخدام المياه والأعلى إنتاجية.. وغير ذلك من التوجهات التى يمكن أن تؤدى إلى تطور كبير فى تحقيق «الاكتفاء الذاتى» بدرجة مقبولة خلال سنوات قليلة، بما يتيح لنا تحقيق الحد الأدنى من «الأمن الغذائى» اعتمادًا على إنتاجنا وقدراتنا الخاصة.. فهل نفعل؟

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE