الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 01:44 صـ
  • hdb
14 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : في ذكرى غزوة بدر

الأموال

لاتزال نفحات أيام وليالي الشهر الفضيل تستدعى خواطر رمضانية وتستحضر ذكرى الأحداث الفارقة والانتصارات الكبرى في التاريخ الإسلامي والتي كان أولها ومن أعظمها غزوة بدر الكبرى التي وقعت فى مثل هذا اليوم.. السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة منذ نحو أربعة عشر قرنًا من الزمان.

‫< ‫< ‫<

لقد كان انتصار المسلمين الأوائل.. المهاجرين والأنصار تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم وبقيادته في غزوة بدر فتحًا مبكرًا ومهمًا.. سبق الفتح الأكبر.. فتح مكة بستة أعوام والذى تحقق أيضًا في شهر رمضان، ومن ثم فقد كان نصر بدر استشرافًا لذلك الفتح العظيم وبشارة بزوال الشرك وتمكين الإسلام والتوحيد وعلو راياته في جزيرة العرب كلها، بعد أن تحطمت الأصنام وتطهّر البيت الحرام من رجسها وصار مثابة أو بالأحرى عاد إلى سيرته الأولى منذ أن رفع نبيا الله إبراهيم وإسماعيل قواعده.. مثابة وأمنًا للقائمين والعاكفين والركع السجود وحتى الآن وإلى أن تقوم الساعة.

‫< ‫< ‫<

ثم إن انتصار بدر كانت له دلالاته غير الخافية وهو الانتصار الذى أحرزه ثلاثمائة مقاتل هم كل المسلمين الذين خرجوا للجهاد ضد ألف من فرسان قريش بجيادهم وعتادهم في معركة غير متكافئة بأى مقياس من المقاييس الحربية فى ذلك الزمن، غير أن تلك المقاييس تعطلت وتحطم تفوق المشركين.. عدداً وعدة أمام قوة وصدق إيمان هؤلاء النفر من المسلمين الأوائل بأن الله معهم ينصر رسوله وينصرهم في أول مواجهة حقيقية بين التوحيد والشرك والإيمان والكُفر.. بين من الله مولاهم وبين من لا مولي لهم سوى الأصنام وكبيرهم «هُبل» المصنوع من الحجر.

‫< ‫< ‫<

فى تلك المواجهة وحيث التقى الجمعان.. جمع المشركين وجمع المسلمين المؤمنين تحت راية الرسول والذين وعدهم الله بأن إحدي الحُسنيين تكون لهم.. إما النصر وإعلاء راية الإسلام وإما الشهادة فى سبيل الله، حيث آمنوا وصدقوا قوله تعالى: «ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون»، فكان هذا الإيمان الصادق بأن الله سينصر رسوله وينصرهم هو السلاح الأقوي من أسلحة كفار قريش فانهزموا ورجعوا متراجعين مخذولين فارين.. بينما فرح المسلمون بنصر الله.

‫< ‫< ‫<

وإذا كان المعنى الإيمانى العظيم الذى تبدى وتجلي في بدر هو أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» حسيما بشر الله رسوله والمسلمين، فإن الدرس المستفاد هو ضرورة الأخذ بأسباب النصر وأهمية التخطيط الجيد واستخدام «التكتيكات» الحربية مع الإيمان بعد ذلك بنصر الله لعباده المؤمنين، وهو ما حدث في اختيار مكان المواجهة عند بئر بدر حسبما أخذ الرسول بمشورة أصحابه حتى يستحوذوا على الماء ويحرموا المشركين منه.

‫< ‫< ‫<

هذا الانتصار العسكرى في بدر الذى ساقه الله إلى الرسول والمسلمين لم يكن مخططًا له، بل إن المعركة ذاتها لم تكن في الحسبان، ولكن الذى حدث أن المسلمين خاصة المهاجرين أرادوا الاستيلاء على القافلة التجارية التي يقودها أبو سفيان بن حرب والعائدة بتجارة وأموال قريش من الشام إلى مكة مرورًا بالقرب من المدينة.. وذلك لاسترداد أموالهم وتعويضاً عن ديارهم التى استولت عليها قريش بعد اضطرار مسلمي مكة إلى تركها فرارًا بدينهم، مهاجرين إلى الرسول في المدينة.

ورغم أن الداهية أبا سفيان سلك طريق الساحل بعيدًا عن الطريق القريب من المدينة ونجا بالقافلة عائدًا إلى مكة، إلا أن قريشًا التي بلغها نبأ خروج الرسول والمسلمين للاستيلاء على القافلة كانت قد قررت الخروج لمحاربة الرسول حفاظًا على هيبتها حسبما قال كبراؤها بين العرب وحتى لا تطمع إحدى القبائل العربية في مهاجمة قوافلها أو حتى لا يكرر المسلمون محاولتهم مرة أخرى، ولذا فقد وقعت المواجهة أو الغزوة في بدر.

‫< ‫< ‫<

ثم إن غزوة بدر كانت لها نتائج أخرى بالغة الأهمية، إذ لم يكن النصر نصراً عسكرياً فحسب عزّز ثقة المسلمين في أنفسهم كمجاهدين في سبيل الله دفاعًا عن التوحيد والإسلام، بقدر ما كان نصرًا اقتصاديًا كبيرًا بما غنمه المسلمون من كفار قريش في هذه المواجهة.

وفي نفس الوقت أضاف نصر بدر للمسلمين في المدينة مكانة فيما حولها وحولهم من القبائل العربية التي تسامعت بأنباء هذا النصر وعلي النحو الذى جعلها تولي وجوهها نحو المدينة والرسول وهذا الدين المؤيد من السماء وهو ما يمكن وصفه بالمكسب السياسى للإسلام الذي كان من نتائج نصر بدر.

‫< ‫< ‫<

وعلي الجانب الآخر في صفوف المشركين المنهزمين، فقد كان مقتل العديد من كبراء وصناديد كفار قريش الذين كانوا يمارسون أشد ألوان التعذيب للمسلمين الضعفاء في بطحاء مكة قبل الهجرة بقدر عداوتهم وبغضهم وإساءتهم للرسول الكريم.. كان إذلالا مهيناً لرءوس الكفر والشرك وكسرًا لكبريائهم وتحطيمًا لهيبتهم، بقدر ما كان قصاصاً عادلاً وشفاءً لصدور المؤمنين المسلمين.

< ‫<<

لكل ذلك تبقى الأهمية الكبرى للانتصار في بدر باعتبارها كانت أول اختبار لصدق إيمان المسلمين الأوائل.. المهاجرين والأنصار للدفاع عن الدين وعن الرسول.. مجاهدين في سبيل الله لإعلاء راية التوحيد.. مقبلين غير مدبرين.. طلبًا للنصر أو الشهادة.

ولذا فقد كان جزاؤهم ما جاء فى الحديث الشريف من أن الله اطلع علي أهل بدر فغفر لهم جميعًا، ولأن أهل بدر كانوا ثلاثمائة مسلم فقد اصطُلح علي أن هذا العدد هو ما ينطبق عليه وصف الجماعة حسبما أجمع الأئمة والعلماء وفقًا لما جاء في كُتب السيرة النبوية.

‫< ‫< ‫<

وبمناسبة الحديث عن ذكرى غزوة بدر، فإن ثمة ملاحظة أو بالأحري معلومة مهمة تجدر الإشارة إليها تتعلق بمصطلح الغزوة في أدبيات السيرة النبوية، إذ إن وصف «غزوة» لا يُطلق إلا على ما حضرها وقادها الرسول بنفسه، أما ما عداها من معارك ومواجهات فيطلق عليها وصف «السرية»، باستثناء مواجهة واحدة وهي غزوة تبوك باعتبار أنه صلي الله عليه وسلم خطط لها ولأحداثها قبل خروج المسلمين ولدرجة أنه حدد من يتولي قيادتها على التوالى بعد استشهاد كل منهم، وهو ما حدث بالفعل وفقًا للترتيب الذى حدده، فكانت الغزوة كأن الرسول قد حضرها وقادها بالفعل.

< ‫<<

سوف يظل انتصار غزوة بدر ذكرى عزيزة غالية علي كل المسلمين في بقاع الأرض، مثلما يبقي الاعتزاز والفخر بانتصار العاشر من رمضان في الحرب التى استشرف المصريون فيها النصر بإطلاق اسم بدر على العمليات العسكرية التى انطلقت في ذلك اليوم، فكانت كلمة «بدر» بشارة نصر مجيد مؤيدًا من السماء مثلما حدث في غزوة بد.

< ‫< ‫<

> تلك كانت خواطر رمضانية أخرى في هذه الذكرى العطرة.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE