الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 06:30 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب .. دروس كورونا

الأموال


بينما لايزال العالم يصارع فيروس كورونا الذى ضرب الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها فى وقت واحد وعلى نحو غير مسبوق فى تاريخ البشرية حسبما ذكرت سلفًا، وبينما لايزال الوباء يواصل تفشيه وانتشاره السريع ويُداهم مئات الآلاف من المصابين.. مخلفا عشرات الآلاف من حالات الوفاة، وبينما لايزال التوصل إلى دواء للعلاج أو لقاح للوقاية رهنًا بتجارب بحثية قد تستغرق شهورا طويلة.
.. وإلى أن ينحسر الوباء الذى هدّد البشرية كلها ويزول خطره المأساوى.. عاجلا أو آجلا، وبعد الرسائل شديدة اللهجة التي بعث بها كورونا إلى سكان الأرض وهى رسائل لا تخفى دلالاتها حسبما جاء فى المقال السابق، فقد بقيت الدروس المستفادة التى يتعين على العالم كله.. شعوبًا وحكومات استيعابها جيدًا حتى يمكن التصدى لأى وباء مفاجئ أو خطر مماثل في المستقبل.
< < <
الدرس الأول هو أن العالم بات تجمعاً بشرياً واحدًا لا تفصله حدود جغرافية ولا بحار ولا محيطات بفعل حركة وسهولة التنقل بين قاراته ودوله بالطائرات التى تنقل البشر والمرض معًا، فإذا عطست الصين فى أقصى الشرق أصاب الرذاذ الكرة الأرضية.. غربا وشمالا وجنوبا، وهو ما يعنى أن شعوب الأرض تواجه مجتمعة أى وباء يضرب أى مكان فى المعمورة، وهو الأمر الذى يتطلب إحداث تغيير جوهرى فى العلاقات الدولية ويفرض حتمية تكاتف وتعاون وتضافر كل حكومات العالم، إذ لم يعد أى شعب في أى دولة بمنأى عن أى وباء أو خطر يهاجم دولة أخرى على خريطة الكرة الأرضية.
< < <
أما الدول الكبرى والمتقدمة علميًا واقتصاديا وتكنولوجيًا والتى وقفت منظوماتها الصحية والطبية والعلمية عاجزة تماما عن مواجهة الفيروس القاتل وإيقاف انتشاره السريع، فمن المؤكد أنها استوعبت الدرس جيدًا وعلى النحو الذى اضطرها إلى حشد طاقاتها لمواجهة الفيروس خاصة في أوروبا وأمريكا، ثم إنها من المؤكد سوف تعيد النظر بدرجة كبيرة فى منظوماتها الصحية فى المستقبل.
وفى نفس السياق فقد أسفرت الاستهانة بخطر الفيروس القاتل.. شعبيا وحكوميًا فى تلك الدول الكبرى والتى لم تستفد من التجربة الصينية عن عواقب وخيمة متمثلة فى آلاف المصابين والموتى، وذلك درس آخر من دروس كورونا.. استوعبته أوروبا وأمريكا جيدًا وسيظل ماثلا أمامها فى المستقبل أيضا.
< < <
ولعل تلك الكارثة الإنسانية المأساوية التى تعيشها أمريكا ودول أوروبا الكبرى تكون مدعاة لأن تعيد مراجعة إنفاقها الباهظ على التسلح وإنتاج السلاح المتقدم والمعدات والآليات الحربية، بحيث تقلل ميزانيات التسليح الخرافية وتوجهها إلى رفع كفاءة منظوماتها الصحية والأبحاث العلمية الطبية، بعد أن حطم الوباء غرورها العلمى وذلك درس آخر من دروس كورونا.
< < <
وفي منطقتنا العربية.. كشف الوباء عن غيبة مؤسفة للبحث العلمى خاصة فى مجال الصحة رغم ثراء بعض دولها النفطية، حيث لم يشهد أى مركز أبحاث عربي أى تجارب أو محاولة تجريب إنتاج علاج أو لقاح لذلك الفيروس المستجد أو غيره من الفيروسات الأخرى.. مقارنة بالأبحاث الجارية حالياً في أوروبا وأمريكا واليابان والصين.
هذه الغيبة العربية درس بالغ الأهمية يستوجب حتمية تضافر المال العربى النفطى الوفير مع العلماء والباحثين خاصة فى مصر وغيرها ممن يتوافر لديها علماء وباحثون لإقامة مركز أبحاث عربى على أعلى مستوى ووفقًا لأعلى المعايير الدولية، حتى لا يظل العرب في انتظار الدواء واللقاحات من الدول الكبرى لهذا الفيروس وغيره من الفيروسات والأمراض.
< < <
وفي مصر.. ورغم قلة الإصابات والوفيات مقارنة بدول العالم، إلا أن الوباء كشف عن ضعف المنظومة الصحية فى مواجهة وباء مفاجئ لم تكن مصر مثلها مثل كل الدول مستعدة لمواجهته، ومع ذلك ولأن رب ضارة نافعة، فقد بات ضروريا إعادة النظر فى الإنفاق على الصحة وبما ينعكس علي زيادة مخصصاتها فى الموازنة العامة للدولة وبما يسمح برفع كفاءة المستشفيات وتوفير الأجهزة والمعدات الطبية بكميات كافية ولو على حساب أى إنفاق آخر، حتى تكون مصر مستعدة أكثر لمواجهة أى وباء داهم والارتقاء بالقطاع الصحى فى المستقبل.
< < <
ثم رب ضارة نافعة أيضاً إذ كان لجوء بعض المؤسسات والهيئات إلى تخفيض أعداد العاملين وممارسة البعض لأعمالهم (أون لاين) من المنازل.. فإن تجربة جديدة ناجحة فى مصر من الممكن التوسع فيها فى المستقبل.. توفيرا للطاقة واستهلاك الكهرباء والوقود وتقليلا للكثافة المرورية.
وبالمثل فإنه يمكن أيضا التوسع مستقبلا في تجربة الدراسة وأداء الامتحانات فى المدارس والجامعات «أون لاين»، غير أن هذا التوسع يستلزم بالضرورة تجهيزا وتدريبا للطلاب والمعلمين وذلك درس آخر من دروس كورونا فى مصر.
< < <
وبالنظر إلى مشكلة العمالة غير المنتظمة من غير المسجلين فى قوائم وزارة القوى العاملة والتى تفجرت في سياق تداعيات كورونا والإجراءات الاحترازية التى قررتها الحكومة والتى تضرر منها ملايين العمال غير المسجلين وغير المنظمين، ورغم جهود منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الخيرية وكثير من الأفراد لمواجهة المشكلة وتقديم الدعم لهذه الفئات، إلا أن الدرس المهم فى هذا السياق يقتضى ضرورة وجود قاعدة بيانات كاملة تتضمن كل هؤلاء العمال بحيث يمكن تقديم الدعم الحكومى اللازم فى مثل تلك الظروف مستقبلا.
< < <
لقد كشفت ممارسات وسلوكيات فئات كثيرة من المصريين فى الاستهانة بالفيروس والاستهانة بالإجراءات الوقائية لتجنب تفشى الفيروس عن غيبة الثقافة الصحية لدى تلك الفئات التى لم تفلح فى التخلص من العادات الاجتماعية التى كان يتعين التخلى عنها فى مواجهة كورونا، وذلك درس آخر يتطلب جهودا مستقبلية إعلامية وثقافية لزيادة الوعى الصحى لدى المصريين عموما.
< < <
ويبقي الدرس المهم والذى استدعته رسائل كورونا وهو ضرورة إعادة ترتيب فئات المجتمع المصرى بحيث يعود الاعتبار إلي العلماء والباحثين والأطباء والمفكرين والمثقفين ليستردوا مكانهم المستحق ومكانتهم الحقيقية في أعلي السلم الاجتماعى بعد التراجع الظالم لتلك النخب لصالح نماذج مشوهة وشائهة من المهرجين ونجوم الفن الهابط الذى أشاعوا البلطجة والانحطاط الأخلاقى والسلوكى وصاروا نجومًا وقدوة سيئة للشباب.
< < <
هذه المراجعة الاجتماعية باتت ضرورية خاصة بعد أن أثبتت فئة الأطباء ومعاونيهم من كوادر التمريض والذين يصارعون الفيروس ويضحون بحياتهم.. أنهم في أعلى السلم الاجتماعى باعتبارهم الجيش الأبيض في الحرب ضد الوباء ومعهم جيش مصر وشرطتها فى حراسة الأمن والسلم ومراقبة تنفيذ الإجراءات الاحترازية.
ويمكن أن يكون للحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE