الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 01:07 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : الإنشاد الدينى.. الفرعونى والقبطى والإسلامى (3)

الأموال

الإنشاد الإسلامى.. البداية في العصر النبوى

تاريخيًا.. يمكن القول بأن عصر النبوة كان بداية نشأة الإنشاد الدينى الإسلامى من خلال قصائد المديح النبوى التي كانت أهم وسيلة إعلام لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عن الإسلام والحرب ضد المشركين، ومن ثم فقد كان شِعر المديح ومازال هو العمود الفقرى للإنشاد بحسب وصف الكاتبة الصحفية مروة البشير مؤلفة الكتاب.

< < <

فى استعراضها للتطور التاريخى للإنشاد الدينى الإسلامى.. حرصت المؤلفة في بداية حديثها عن الإنشاد والمديح في العصر النبوى على تصحيح خطأ تاريخى يتعلق بأنشودة اطلع البدر عليناب التى تواتر وعلى غير الحقيقة أن أهل المدينة استقبلوا بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند قدومه إليهم مهاجرًا من مكة، والتي جرى اعتبارها أول إنشاد إسلامى.

وقد استندت المؤلفة إلى أمهات المراجع وكتب السيرة المعتبرة والتى لم يرد فيها أى ذِكر لهذه الأنشودة في استقبال الرسول بالمدينة، بل لقد أجمع كُتّاب السيرة على ضعف رواية اطلع البدر عليناب ولعدة أسباب: أولها ضعف السند الوحيد لها وهو عبدالله بن محمد بن عائشة المتوفي سنة 222هـ وبالتالى لم يكن من الصحابة أو التابعين.

< < <

ليس ضعف السند فقط، ولكنّ ثمة أسباباً أخرى منطقية للخطأ التاريخى فى الرواية.. أوردتها المؤلفة من كُتب السيرة.. أولها: أن اثنيات الوداعب ليست في المدينة ولكنها في بلاد الشام، وثانيًا: اجئت شرفت المدينةب بينما كان اسمها ايثربب، وقد سُميت المدينة بعد إقامة الرسول بها، ثالثاً: إن شِعر هذ الأنشودة به رقّة وليونة لا تُناسب ذلك الزمن المنسوب إليه، والأرجح أنه من أشعار القرن الثالث الهجرى.

والصحيح في استقبال الرسول الذى أجمعت عليه كُتب السيرة هو ما جاء في صحيحى البخارى ومسلم عن الصديق أبى بكر رضى الله عنه هو: بعد نزول الرسول عند أخواله (أخوال جده عبدالمطلب) بنى النجار.. صعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان فى طرقات المدينة ينادون: يا محمد يا رسول الله.

< < <

وبعد هذا التصحيح المهم والجديد لدى عموم المسلمين لما استقر في الأذهان والروايات غير الموثقة لرواية اطلع البدر عليناب.. تنتقل المؤلفة إلى استعراض شِعر المديح النبوى والذى كان فارسه الشاعر حسان بن ثابت الصحابى الأنصارى من قبيلة االخزرجب والذى كان الرسول يدعو له االلهم أيده بروح القدسب.

وتشير الكاتبة الصحفية مروة البشير إلى أن كثيراً من أشعار وقصائد حسان بن ثابت مجموعة في ديوان يتضمن قصائد عديدة في مدح الرسول في حياته وفى رثائه بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم.. واصفة شِعره بأنه كان تسجيلاً لحياة النبى وغزواته، ولذا فقد أجمع الصحابة علي أن شِعره يمتاز بالصدق والإخلاص، وهو ما يتضح من إجابة السيدة عائشة عندما سُئلت عن وصف الرسول حيث قالت: كان والله كما قال فيه شاعره حسان بن ثابت:

متى يبد في الداجى البهيم جبينه

يلح مثل مصباح الدجى المتوقد

فمن كان أو من قد يكون كأحمد

نظام لحق أو نكال لملحد

ومن أشهر قصائد مديح حسان بن ثابت أوردت المؤلفة مطلعها الذى يقول:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بينوا سُنة للناس تُتبّع

يرضى بها كل من كانت سريرته

تقوى الإله وبالأمر الذى شرعوا

< < <

إلى جانب حسان كان هناك شاعران آخران.. هما الصحابيان عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك، وعن شِعر ابن رواحة أوردت المؤلفة بعض أبيات من قصائد منها تلك الأبيات التى ارتجلها في حضرة الرسول والتى يقول مطلعها:

يا هاشم الخير إن الله فضلكم

على البرية فضلا ما له غير

إنى تفرّست فيك الخير أعرفه

فراسة خالفتهم في الذى نظروا

فثبت الله ما أتاك من حُسن

تثبيت موسى ونصرًا كالذى نصروا

وبعد إلقائه لهذه الأبيات المرتجلة دعا له الرسول اوإياك فثبت اللهب.

ومن أشعاره أيضًا فى عُمرة القضاء، وبينما كان الرسول يطوف بالكعبة أنشد يقول:

يارب لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

< < <

وعن كعب بن مالك ثالث الثلاثة فقد أوردت المؤلفة بعض أشعاره.. منها ما أنشده في غزوة االطائفب بعد النصر في غزوة احنينب.. حيث قال:

قضينا من تهامة كل ريب

وخيبر ثم أجمعنا السيوفا

وإنا قد أتيناهم بزحف

يحيط بسور حصنهم صفوفا

رئيسهم النبى وكان صلبا

نقى القلب مصطبرًا عزوفا

رشيد الأمر ذو حكم وعلم

وحلم لم يكن نزقًا خفيفا

نطيع نبينا ونطيع ربا

هو الرحمن كان بنا رءوفا

< < <

المثير أنه رغم عشرات وربما مئات أشعار وقصائد المديح التى أنشدها شُعراء الرسول الثلاثة إلا أن أشهرها على الإطلاق ـ فى تقديرى الشخصى ـ قصيدة ابانت سعادب المعروفة باسم االبُردةب وتلك هى المفارقة.

المفارقة هى أنها من شِعر كعب بن زهير وهو أحد السبعة الذين أهدر الرسول دماءهم بعد فتح مكة بعد أن قتلوا مسلمين عُزلاً، وقد أنشدها بين يدى الرسول فى المسجد ويقول في مطلعها:

بانت سعاد فقلبى اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

ورغم أن القصيدة في مدح الرسول ورجاء كعب بن زهير في عفو الرسول عنه، إلا أنه بدأها بأبيات فى الغزل العفيف (النسيب) كعادة الشعراء العرب في استهلال قصائدهم مهما تعدّدت أغراضه من مدح وهجاء وفخر وغير ذلك، وهو ما لم تشر إليه المؤلفة.

القصيدة طويلة وقد أوردتها المؤلفة كاملا، وقد اخترت منها:

نبئت أن رسول الله أوعدنى

والعفو عند رسول الله مأمول

إن الرسول لنور يُستضاء به

مهند من سيوف الله مسلول

< < <

ومن المعلوم أن كعب لم يقل امن سيوف اللهب ولكنه قال عند إلقائه القصيدة أمام الرسول امن سيوف الهندب كعادة العرب في وصف السيوف القوية، ولكن الرسول غيّر الوصف وقال لكعب بل قل: مهند من سيوف الله مسلول، وهو ما لم تشر إليه المؤلفة أيضًا عند إشارتها إلى هذه القصيدة.

وبعد إلقاء كعب لهذه القصيدة التي سَرَ بها الرسول عفا عنه وألبسه بردته (العباءة) وكان ذلك السبب فى تسميتها بـاالبُردةب.

< < <

ورغم الشهرة التي تحظى بها قصيدة االبُردةب من بين أشعار المديح فى العصر النبوى، لكي يبقي أن بيتين اثنين وردتا في إحدى قصائد الشاعر حسان بن ثابت هما الأكثر تواترًا وتداولا حتى الآن، بل إنهما وكما تقول مؤلفة الكتاب صارا مصدر إلهام وإيحاء لشعراء المديح عبر القرون، وهما:

وأحسن منك لم تر قط عينى

وأجمل منك لم تلد النساء

خُلقت مبرأً من كل عيب

كأنك قد خلقت كما تشاء

< <<

ومن بعد النبوة.. شهد المديح النبوي والإنشاد الدينى الإسلامى تطورًا كبيرًا، حيث ظل شِعر المديح ولايزال ــ كما أسلفت المؤلفة ــ هو العمود الفقرى لفن الإنشاد.

وللحديث بقية..

مصر للطيران
مصر وكوديفوار
بنك الاسكان
NBE