الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 10:55 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : الفضيحة ”الإفريقية”.. والإصلاح الجذرى المطلوب لمنظومة كرة القدم

الأموال

الخروج المهين لمنتخبنا القومى من دور الـ16 لكأس الأمم الافريقية، على أرضنا ووسط جمهورنا، يستحق وقفة حاسمة، ليس مع اتحاد كرة القدم وحده، ولكن مع جميع المسئولين عن منظومة الكرة بجميع مستوياتهم بما في ذلك المسئولون في الأندية وفى وزارة الشباب والرياضة، وفي قطاع الإعلام الرياضى.. فالفساد ينخر كل هذه المنظومة من أعلاها إلى أسفلها.. وواضح تمامًا أنها تحتاج إلى تطهير جذرى شامل «ينسف» كل ركائز الفساد ويطيح بكل رموزه، بعد إخضاعهم لمحاسبة قانونية عسيرة تتوافر عناصرها ومقوماتها.
والحقيقة أن الخروج المهين لمنتخبنا لم يفاجئ أحدًا، فبالرغم من الافتتاح المبهر والمشرف للبطولة، كان أغلب المراقبين ـ بل والجمهورـ يضعون أيديهم على قلوبهم فيما يتصل بأداء المنتخب، ولم يكن هذا بلا أساس فمنذ العام الماضى كان الأداء الفاضح لمنتخبنا في كأس العالم، وهزيمته في المباريات الثلاث التي خاضها، بما فى ذلك هزيمته «الغريبة» من فريق شقيق يتخلف بوضوح عن منتخبنا في الترتيب العالمي.. كان ذلك كله محبطًا ومخيبًا للآمال إلى أبعد حد.. بعد أن عانينا الأمرين حتى تمكنّا من الوصول إلى التصفيات في روسيا.
غير أن أكثر ما كان يثير الغضب حقًا، ويبعث على التشاؤم بشأن المستقبل، كان الأداء الفاشل والفاسد لإدارة اتحاد الكرة.. فقد تناثرت الشائعات على أوسع نطاق حول شبهات أحاطت بالتعاقد مع مدرب مشبوه فى «بيع المباريات» فى الدورى الإسبانى، وحول اختلاس كميات من ملابس اللاعبين والتذاكر المخصصة للمنتخب وبيعها لحساب بعض قياداته.. وصحيح أنه لا يمكن إدانة الناس لمجرد شائعات، إلا أن اتساع نطاق هذه الشائعات كان يوجب التحقيق فيها لإبراء الذمة أو الإدانة.. غير أن أحدًا لم يهتم.
والأمر الذى لا يقل سوءا هو اصطحاب فتاتين وأقارب وأناس لا علاقة لهم بالمنتخب، كانوا يسهرون مع اللاعبين، ويحرمونهم من الراحة الضرورية، وهذه جريمة لا تغتفر ولا يبررها شىء.
أما الأسوأ فهو اختيار مدينة للإقامة تبعد عن أماكن إجراء المباريات بنحو 1500 كم!! فى مدينة «جروزنى» عاصمة الشيشان، وفي فندق أشارت الشائعات إلي أن مالكه مستثمر عربى، وأنه جامل منتخبنا ماليًا في نفقات الإقامة، أو استضافه مجانًا.. وهذا أمر مريب، ولم يكن ينبغى السماح به إطلاقًا.. ولم يكن ينبغى السماح بإقامة اللاعبين على هذه المسافة الهائلة من أماكن المباراة، ولا سهرهم مع «المشجعين».. فضلا عن الشبهات المحيطة باختيار الفندق.
كل هذه الفوضى الإدارية والشبهات المالية الصارخة مرت دون أى حساب أو تحقيق من أى نوع!! بل وصل الأمر إلى حد عدم وضوح مصير المبلغ الذى دفعه الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» بصورة كافية، مما كان بدوره مثارًا لشائعات وأقاويل.. ومع ذلك لم يهتم أحد بالتحقيق فى شيء من ذلك.. وحتى الأداء الفاضح للفريق لم يكن موضوعًا لأى تحقيق، ولا لانعكاس كل هذه الفوضى والشبهات الخطيرة عليه!! وليس لذلك كله من تفسير إلا الإهمال الفادح من جانب الجهات المعنية بالأمر (وفى مقدمتها وزارة الشباب والرياضة).. أو أن إدارة اتحاد الكرة تحولت إلى مركز قوة يستعصى على المحاسبة بالرغم من فساده الواضح، وفشله الذريع فنيًا وإداريًا، أو الأمرين معًا وهو الأرجح وهذه كارثة حقيقية.
وهكذا استمر مجلس إدارة الاتحاد الفاشل فنيًا وإداريًا، والمشتبه بشدة في ذمته المالية، على رأس منتخبنا، هو وجهازه الفنى الفاشل أيضًا ومدربه العاجز فنيًا والمشبوه أخلاقيًا (ببيع المباريات)، استمر هؤلاء علي رأس منتخبنا في كأس الأمم الإفريقية، فكان من الطبيعى أن نجنى هذه الثمرة المرة.
وقد تطوّع بعض الفلاسفة بالقول إن عزل قيادة اتحاد الكرة «المنتخبة» غير ممكن حسب قوانين «الفيفا».. لكن الرد على هؤلاء شديد البساطة.. لو أن أحدًا اهتم بمراجعة حسابات اتحاد الكرة، ووضع كل واحد من هؤلاء الفاشلين أمام مسئولياته القانونية، لكانوا كلهم في السجون منذ وقت طويل، بتهمة إهدار المال العام على أقل تقدير، ولكانت الجمعية العمومية لاتحاد الكرة قد انتخبت مجلس إدارة آخر من المحترفين الجادين.. فمصر لن تعدم الرجال فى أى مجال.. ولكان مبدأ الحساب والرقابة قد أجبر الآخرين على التصرف بصورة مختلفة.
والحقيقة أن أحد أهم أسباب فساد منظومة كرة القدم في بلادنا هو أنها أخذت حجمًا أكبر من حجمها الطبيعى في حياة المجتمع لأسباب يطول شرحها.. ومعروف أن كرة القدم هى أكثر الألعاب شعبية فى العالم كله.. ومصر فى هذا المجال ليست بدعة. لكن بعض القائمين على شئون الكرة ونجومها السابقين في مصر، أتقنوا لعبة التمسح بالسياسة، والالتصاق بها، وخاصة منذ عهد مبارك، ودخوله هو وولديه في لعبة "الرعاية اللصيقة" للمنتخب القومى لتحقيق شعبية من خلال انتصارات المنتخب "وقتها".. ورأينا علاء يدخل في اشتباكات لفظية حادة مع الجزائر بسبب مباراة، وجمال يسافر مع المشجعين إلى الخرطوم، وغير ذلك من التصرفات المفتقدة تماماً للكياسة السياسية، والتي عادت علينا بالضرر.. كما رأينا اللاعبين السابقين يشقون طريقهم إلى شاشات التليفزيون ـ بعلم أو بدون علم ـ فى مجال التعليق الرياضى.. ثم ينتقل بعضهم منه إلى مجال التعليق السياسى، بدون أى علم طبعًا.. ورأينا بعضهم يترشح للانتخابات البرلمانية أو غيرها، مستندين إلي شعبية أنديتهم من ناحية، وإلى نفوذهم الإعلامى (الطارئ) من ناحية أخرى!!
ثم رأينا توجهًا عامًا من جانب هؤلاء لابتذال معنى الوطنية واختزالها في فوز المنتخب فى أى مباراة مهما تكن قليلة الأهمية، أو حتى في مباريات الأندية فى البطولات القارية أو الدولية.. ووصل الابتذال إلي حد حشر اسم مصر الغالى والأغانى الوطنية «مثل يا حبيبتى يا مصر» بمناسبة وبدون مناسبة في المباريات.. والواقع أن هذا كله لا يعبّر عن الوطنية، وإنما عن الرغبة فى التجارة باسم «مصر» لرفع مكانتهم هم.. ولجنى مزيد من الأموال والمكاسب، حتى أصبح المساس بهم بالغ الصعوبة.. وحتى وقعت الفضيحة الأخيرة المدوية في كأس الأمم الإفريقية.. فكان لابد من وقفة حاسمة.
وحتى تكون الوقفة حاسمة حقًا.. فلابد قبل كل شىء من إحالة مجلس إدارة اتحاد كرة القدم بأكمله للنائب العام للتحقيق في الشبهات والفضائح التى زكمت رائحتها الأنوف.
أما علي المستوى الإعلامى فقد آن الأوان لكى تتدخل الدولة لوقف هذا التهريج الرخيص الذى يمارسه بعض الإعلاميين الرياضيين ـ وغير الرياضيين ــ باسم مصر الغالية، والمزاوجة (أو المماهاة) المثيرة للغثيان بين اسم مصر الرفيع و(انتصارات) كرة القدم مهما تكن محدودة الأهمية.. فماذا ستفعلون يا سادة لو كسبنا كأس العالم مثلا؟ وصحيح أن كرة القدم هى الرياضة الأكثر شعبية في العالم.. ولكن لدينا رياضات كالاسكواش نحصل فيها علي بطولة العالم، أو كالهوكى نحصل فيها على بطولة إفريقيا فلا تهتمون بذلك عشر معشار اهتمامكم بكرة القدم.. فهل هذا من العقل أو المنطق؟!!
والأهم من كل هذا ـ هل تبنى الأمم مجدها بانتصارات كرة القدم.. أم بالتقدم في العلم والبحث العلمى والصناعة والزراعة والتكنولوجيا الرفيعة؟ وهل نباهى الأمم بفوزنا على بوروندى أو أوغندا أم بعلمائنا أو بإطلاق صاروخ أو قمر صناعى.. أو حتى صناعة سيارة محلية؟
مطلوب تطهير كل منظومة كرة القدم جذريًا، وإعادتها إلى حجمها الطبيعى في المجتمع (وحجمنا في مجال الكرة فى العالم).. ومطلوب أن يمتد هذا التطهير إلى الأندية، التي يتغلغل فيها الفساد هى الأخرى، وينعكس على مستوى الرياضات المختلفة فيها.. ويجب أن يكون معلومًا أن الدولة تدعم الأندية العامة (كالأهلى والزمالك والترسانة والاتحاد...إلخ) من الميزانية العامة، ويكفي أن مساحاتها الشاسعة كلها مؤجرة بمبالغ رمزية للغاية منذ عشرات السنين.. كما أن نوادى الهيئات والشركات كلها ينفق عليها من المال العام، وبالتالى يجب مراقبتها بدقة، وعدم ترك الحبل على الغارب للقائمين عليها للإنفاق كما يحلو لهم.. بما في ذلك شراء لاعبين لا يساوون قلامة ظفر بملايين الجنيهات، وإعطاؤهم مرتبات خيالية من أموال الشعب والدولة (فالاشتراكات وتبرعات الأعضاء لا تمثل الأساس فى دخل الأندية العامة).
وبديهى أنه لابد من انتخاب اتحاد جديد علي أساس الكفاءة والاحتراف، وليس على أساس النفوذ والفساد والإفساد (وعلاقات الظل والكواليس)، ولابد من ممارسة رقابة مالية وإدارية حازمة على الاتحاد الجديد.. ومنع جلب المدربين الأجانب، والحكام من الخارج باعتبارها من أهم مظاهر إهدار المال العام.. وكذلك وضع سقوف صارمة لتسعيرة شراء المحترفين المحليين والأجانب.. وفرض رقابة صارمة على سلوكهم وأنماط حياتهم، التي كثيرًا ما تكون فاسدة ومفسدة.
كفوا عن التدليل الزائد لكرة القدم.. إذا كنتم تريدون كرة قدم مصرية ناجحة.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE