الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 12:48 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (8)

الأموال



وسط تناقضات خطاب المجلس العسكرى الانتقالي في السودان والتضارب في المواقف والتصريحات المعلنة ما بين رئيسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول حميدتى (قائد قوات الدعم السريع والرجل الأقوى في المجلس).. الذى يتسم خطابه مؤخرًا بالعدائية والاستعلاء على تحالف قوى الحرية والتغيير الممثل الشرعى للثورة، بينما يبدو خطاب البرهان أقل حدة وأكثر ميلا للتوافق ولو ظاهريا بإعلانه عن الاستعداد للعودة إلي التفاوض مع قوى الثورة دون إقصاء لبقية الأحزاب ودون شروط مسبقة.. تتمسك بها قوى الحرية والتغيير..
وسط تلك التناقضات والتضارب في خطاب المجلس العسكرى، ومع عودة التظاهرات الليلية في شوارع الخرطوم ومدن وولايات السودان ضد المجلس للمطالبة بتسليم السلطة.. تلبية لدعوة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، فإن المشهد السياسى السودانى يزداد تعقيدًا ويتجه إلي مزيد من التصعيد وسط حالة من الانسداد السياسى التى يبدو أنه لا مخرج منها.. توافقيًا أو سلميًا في وقت قريب.
< < <
واقع الأمر.. لقد بدا واضحًا أن عودة الثقة المفقودة من جانب قوى الثورة والشارع السودانى في المجلس العسكري باتت مستحيلة حتى الآن وذلك على خلفية مجزرة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم في آخر أيام شهر رمضان وما جرى خلالها من قتل أكثر من مائة من شباب المعتصمين السلميين وإصابة مئات آخرين وحيث بلغت المجزرة ذروة الإجرام باغتصاب نحو سبعين من المعتصمات حسبما تؤكد قوى الحرية والتغيير.
< < <
وفي نفس الوقت فقد بات واضحًا ومؤكدًا أن المجلس العسكرى الانتقالي غير جاد بل غير راغب في تسليم السلطة السيادية إلي سلطة مدنية وأنه في سياق هذا التوجه ماض قدمًا في المماطلة والمماحكة السياسية بدعوى ضرورة إشراك كل القوى والأحزاب السياسية الأخرى من خارج قوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة ومفاوضات ترتيبات المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذى يكشف عن نية المجلس في التراجع والانقلاب علي ما تم الاتفاق عليه في جولات المفاوضات مع قوى الثورة بشأن تشكيل الحكومة المدنية الانتقالية والمجلس التشريعى بأغلبية 67٪ لقوى الحرية والتغيير، ومن ثم بدء المفاوضات مرة أخرى من نقطة الصفر وبمشاركة كل الأحزاب السودانية التي لم تشارك فى الثورة والتي كانت مؤتلفة وموالية لنظام البشير حتى اللحظة الأخيرة لإسقاطه!
< < <
المفارقة في تناقضات المجلس العسكرى هي أنه بينما يتهم الفريق البرهان قوي الحرية والتغيير بالمسئولية عن الفوضي التى يحذر منها بسبب ما وصفه بتعطيل المفاوضات، فإن نائبه الفريق حميدتى والذى بدا واضحًا أنه من يدير الأمور كلها في المجلس وفي السودان هو الذى يؤسس في حقيقة الأمر للفوضى بإحداث انقسام شعبي بين قوي الثورة والشارع السودانى من جهة وقطاعات أخرى من الشعب السودانى من جهة أخرى، وهو الانقسام الذى لو تحقق فإن من شأنه ليس إشعال الفوضى فقط بل إنه قد يشعل احترابًا أهليًا.. يبدو أن حميدتى يسعى إليه ليتخذه مبررًا لتشديد قبضته علي السلطة وتصفية الثورة تحت مزاعم الحفاظ علي الأمن والاستقرار!
< < <
ولعل دواعى الإنصاف والموضوعية تقتضي الإشارة إلي أن قوى الحرية والتغيير.. سعيًا من جانبها للحفاظ علي الثورة حتي تتحقق مطالبها، فإنها تنحو للتهدئة والقبول بالعودة إلي المفاوضات شريطة ألا تكون مباشرة ولكن من خلال الوساطة الإفريقية - الأثيوبية بعد افتقادها للثقة في المجلس سواء علي خلفية مجزرة فض الاعتصام أو بسبب تراجع المجلس عما تم الاتفاق عليه.. عقابًا لقوى الثورة علي إعلان الإضراب والعصيان المدنى الشامل.. ردًا على المجزرة.
واللافت أن إبداء قوى الحرية والتغيير للنيات الحسنة والإعلان عن أنها لا تمانع فى استئناف المفاوضات مع المجلس العسكرى.. دفع بعض الشباب إلي اتهامها ببيع القضية والتفريط في الثورة، وهو ما ينفي عنها سعيها لإشاعة الفوضي والتصعيد وتعطيل الحل السياسى حسبما يدعى المجلس.
< < <
ثم إنه بسبب مماطلة المجلس العسكري في تسليم السلطة السيادية للمدنيين، فإنه بات يواجه انتقادات حادة.. دولية وأفريقية باعتبار أن استمراره في السلطة يعنى أنه سلطة انقلاب عسكرى، وهو الأمر الذى يجعله مهددًا بعقوبات دولية متعددة.. أولها من جانب الاتحاد الإفريقى الذى طبق بالفعل عقوبة تجميد عضويته في الاتحاد.
وفي نفس الوقت فقد انضمت أطراف دولية إلى قوى الحرية والتغيير في المطالبة بضرورة إجراء تحقيق دولى مستقل وشفاف في مجزرة فض الاعتصام وهو ما رفضه المجلس العسكرى، ولاشك أن هذا الرفض مع بقائه في السلطة من شأنه التأثير سلبًا علي علاقات السودان الخارجية والدولية لحين تسليم السلطة لسلطة مدنية.
< < <
أمام هذا المأزق الذى يواجهه المجلس العسكرى.. داخليًا وخارجيًا، فإنه بدأ في اللجوء إلي تكتيك سياسى جديد للخروج من المأزق ينتهجه حاليًا الفريق حميدتى بالسعي إلي تأسيس حاضنة شعبية جديدة بعيدًا عن قوى الثورة يستمد منها التأييد الذى يواجه به قوي الحرية والتغيير الممثل الشرعي والوحيد للثورة السودانية والتي قادت ومازالت تقود الحراك الشعبى الذى أسقط البشير.
هذه الحاضنة الشعبية التي يصطنعها حميدتى تتمثل في قيادات الإدارات المحلية في الولايات السودانية والتي تدين بالولاء للنظام السابق وتقف بالضرورة ضد الثورة التي تسلبها المغانم والرشاوى السياسية التي كانت تحصل عليها.
< < <
استجابة هذه الحاضنة الشعبية المصطنعة والتي لا تعبر بأى حال عن جموع الشعب السودانى وقوي الثورة لتأييد المجلس العسكرى وحميدتى وحسبما اتضح من هتافاتها له خلال اجتماعاته بها مؤخرًا.. اعتبرها حميدتى تفويضًا شعبيًا أو هكذا يدعىّ ويروّج.. من شأنه أن يمنحه الحق في تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات تدين له بالولاء.. لن يجدها بالتأكيد إلا في فلول النظام السابق.. متجاوزًا بذلك اتفاقاته السابقة التي انتهت إليها مفاوضاته مع قوي الحرية والتغيير وبما يعد نكوصًا عن كل ما تم الاتفاق عليه باستثناء الخلاف علي تشكيل المجلس السيادى والذى اصطدم برغبة المجلس العسكرى في الاستحواذ عليه ورئاسته وتهميش المدنيين فيه.
ولاشك أن إقدام المجلس العسكرى علي تشكيل حكومة انتقالية من جانب واحد.. مستبعدًا قوى الحرية والتغيير التي تفاوض معها منذ اليوم الأول لإسقاط نظام البشير باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للثورة.. سوف يكون خطوة منفردة بالغة الخطورة، لأنها تعنى بالضرورة أنه باق في السلطة السيادية بموافقة الحكومة الموالية له بعد تشكيلها، وسوف تُشعل المشهد السودانى، بقدر ما تعنى أن المجلس يخطط لإجراء الانتخابات للوصول إلى رئاسة السودان.. وهكذا تكون الثورة قد تمت تصفيتها لصالح حكم استبدادى جديد بعد البشير.
قراءة المشهد السياسي السوداني الراهن فى ضوء الخطاب السياسى للفريق حميدتى وفي ضوء تكتيك اصطناع حاضنة شعبية مؤيدة له وللمجلس للادعاء بحصوله علي تفويض من الشعب السودانى.. قراءة المشهد تشير إلى أن حميدتى يتصرف وكأنه رئيس السودان الحالي والقادم.. وذلك هو مكمن الخطر الذى يهدّد السودان وثورته واستقراره.
يبقي أنه مع استمرار حالة التصعيد والصراع بين المجلس العسكرى وقوى الثورة والتي أسفرت عن الانسداد السياسى الراهن في المشهد، فإن السودان لايزال فوق بركان.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE