الأموال
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 09:15 مـ
  • hdb
14 شوال 1445
23 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (7)

الأموال

وسط حالة الترقب المشوب بالحذر في المشهد السودانى لما سوف تسفر عنه جهود الوساطة الإفريقية الممثلة في رئيس وزراء إثيوبيا والأمريكية الممثلة في مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية لنزع فتيل الأزمة المحتدمة بين قوى الحرية والتغيير.. الممثل الشرعى للثورة من جهة والمجلس العسكرى الانتقالى من جهة أخرى وتسريع ترتيبات نقل السلطة إلي سلطة مدنية.. فإن الأمر المؤكد أن أجواء الاحتقان والتصعيد وعلي نحو خطير والتى تُخيّم علي المشهد في الخرطوم منذ مجزرة فض الاعتصام فجر يوم (29 رمضان).. تجعل من غير الممكن التنبؤ بتطورات الأوضاع في قادم الأيام.
الأمر المؤكد أيضًا أن إقدام المجلس العسكرى الانتقالي على ارتكاب مجزرة فض الاعتصام التي قامت بها قوات الدعم السريع (الاسم الحركى لما تُعرف بميليشيات الجنجويد) بقيادة الفريق أول حميدتى نائب رئيس المجلس.. الأمر المؤكد أنه كان نقطة تحوّل فارقة بين الشعب السودانى بأسره والمجلس وعلي النحو الذى أفقده شرعيته كشريك في الثورة بحسب ادعائه بعد إسقاط نظام المشير.
ولعله لا توصيف حقيقيًا غير متجاوز لتلك المجزرة الوحشية سوى أنها جريمة حرب ضد الإنسانية بحسب القانون الدولي.. ارتكبها المجلس العسكري ضد المعتصمين السلميين، وذلك بالنظر إلي أعداد الضحايا الذين بلغوا أكثر من مائة قتيل ومئات الجرحى والمصابين.. راحوا ضحية غدر غير متوقع ممن تعهدوا بحمايتهم وحماية سلميتهم.
< < <
المثير للاستياء والاشمئزاز حقًا في تلك المجزرة أن عدوان قوات الدعم السريع بلغ مبلغًا يتنافي مع النخوة والكرامة التي يتسم بها السودانيون ضمن موروثات القيم والأخلاق لديهم، وعلى النحو الذي تبدىّ في اغتصاب سبعين من النساء السودانيات المعتصمات وإلقاء جثث القتلي في نهر النيل وهم مقيدو الأيدي والأرجل وفقا لما أكدته قوي الحرية والتغيير.
المفارقة في تلك الجرائم غير الأخلاقية وتلك المجزرة الوحشية هي أن المجلس العسكرى عندما قال إنه انحاز للثورة وأسقط رأس النظام، ادعى أنه رفض تنفيذ أوامر البشير بقتل المتظاهرين حتى لا تكون مجزرة!، ثم ها هو يقتل في يوم واحد أضعاف ما قتلهم البشير طوال شهور الثورة منذ اندلاعها في 19 ديسمبر الماضى!
< < <
لذا فإن إقدام المجلس العسكرى علي ارتكاب تلك المجزرة الوحشية بحق السودانيين السلميين إنما يؤكد بوضوح ولا يمكنه أن ينفى.. أنه امتداد لنظام البشير، ومن ثم فقد بات عدوًا للثورة السودانية حسبما استقر فى وجدان السودانيين، وحسبما يتأكد من عرقلته لنقل السلطة إلي سلطة مدنية.. في نكوص واضح عن تعهداته الأولى وذلك بعد أن صار بفعل مرور الوقت سلطة الأمر الواقع.. محتميًا بالدبابة، وبعد أن أضاع وقتًا طويلاً في مفاوضات عبثية مع قوى الحرية والتغيير، ثم انقلب علي ما تم التوصل إليه من اتفاقيات ترتيبات نقل السلطة عندما اصطدمت المفاوضات بانكشاف نيته الحقيقية في استبعاد المدنيين عن المجلس السيادى والاستحواذ عليه منفردًا.
< < <
وفي هذا السياق يمكن تفسير إقدام المجلس العسكرى على ارتكاب المجزرة والتي بدا واضحًا أنها استهدفت في الأساس إرهاب المعتصمين وقمع السودانيين ومن ثم إجهاض الثورة وإفشالها، وحيث تتحول عن مسارها ومطالبها لبدء مفاوضات جديدة وفقًا لأجندة جديدة يفرضها المجلس تحت سلطة الأمر الواقع.. أى من واقع قوة المجلس وضعف ووهن قوى الثورة وفقا لتصوراته.
< < <
غير أن الرياح في المشهد الثورى السودانى أتت بما لا يشتهى المجلس ويخطط، إذ إن مجزرة فض الاعتصام التى أشعلت غضب الشعب السودانى وغالبية القوى السياسية من خارج قوي الحرية والتغيير.. أتاحت لقوي الثورة المبرر القوي لأن تفرض هي أجندتها الجديدة لمسار الثورة لإسقاط المجلس العسكرى ذاته والذى تصفه بالمجلس الانقلابى، فكان العصيان المدني الشامل الذي استمر وبنجاح كبير ثلاثة أيام.. خطوة ثورية تصعيدية جديدة ومتقدمة وصادمة في نفس الوقت للمجلس الذى فشل في إفشالها أو التقليل من نجاحها بإجراءات قمعية في الشارع وباعتقال بعض السياسيين في مقدمتهم ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الذى تم نفيه إلى دولة جنوب السودان لاحقا، بل كان من بين المعتقلين أحد قيادات الحريةوالتغيير والذى تم اعتقاله بعد خروجه من لقاء رئيس الوزراء الاثيوبى أبى أحمد الذى جاء للخرطوم كوسيط افريقى.
< < <
في سياق الأجندة الجديدة لمسار الثورة.. جاء إعلان قوى الحرية والتغيير عن اشتراطات لا تراجع عنها لتؤكد صمود الثورة السودانية في مواجهة ممارسات المجلس العسكرى، ومن المؤكد أن أهمها أنه لا تفاوض مباشر معه باعتبار أن يده ملطخة بدماء السودانيين وأن عليه الاعتراف بارتكابه مجزرة فض الاعتصام ومعاقبة من ارتكبها (المجلس هو من ارتكبها!)، وفي نفس الوقت فإن قوى الحرية والتغيير مصممة علي تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في هذه المجزرة، ثم ضرورة سحب الميليشيات والقوات العسكرية من شوارع الخرطوم باعتبار أنها تمثل إرهابًا وقمعًا للمواطنين.
< < <
واللافت أن قرار قوى الحرية والتغيير بإنهاء العصيان المدنى بنهاية يوم الأربعاء الماضى ولحين إشعار آخر جاء بمثابة خطوة تنطوى علي حِكمة ثورية ونضج سياسى.. تأخذ في الاعتبار مصالح المواطنين الاقتصادية وهو الأمر الذى يقتضى التوقف لحين ما وصفته بترتيب الأوضاع.
< < <
ولأن قرار إنهاء العصيان المدني جاء ـ عن غير قصد ـ متزامنًا مع وصول مساعد وزير الخارجية الأمريكية إلى الخرطوم كوسيط أمريكى، فإن تأكيد قوي الحرية والتغيير علي عدم الربط بين جهود الوساطة سواء الإفريقية أو الأمريكية.. جاء بمثابة رسالة لا تخفى دلالتها تعكس عدم التعويل على أى وساطات خارجية وأن الشعب السودانى ماض قدمًا في ثورته لفرض الحل وتحقيق مطلب الثورة لنقل السلطة إلي سلطة مدنية، وهو المعنى الذي أكدته تصريحات بعض قيادات قوي الحرية والتغيير بأنها لا تتوقع نتائج إيجابية لتلك الوساطات خاصة الأمريكية التي ينظر إليها السودانيون بعين الريبة!
< < <
أما فيما يتعلق بالوساطة التي بدأها رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد الأسبوع الماضي والتي هي في حقيقتها وساطة افريقية من جانب منظمة (إيجاد) والتي تصادف أن اثيوبيا هى رئيس الدورة الحالية، فمن الواضح أن ما تسرب عن اقتراح أبي أحمد حول تشكيل المجلس السيادى من (15) عضوًا.. منهم (8) مدنيين، (7) من المجلس العسكرى وبرئاسة دورية.. من الواضح أنه لم يلق قبولا من المجلس حتى الآن.
< < <
واقع الأمر أن المجلس العسكرى يواجه غضبًا دوليًا وإفريقيًا وتنديدًا بالمجزرة التي ارتكبها ضد المعتصمين السلميين، خاصة أن مجلس السلم والأمن بالاتحاد الافريقي قرر قبل أيام تطبيق عقوبة تعليق عضوية السودان بالاتحاد لحين نقل السلطة إلي سلطة مدنية باعتبار أنه سلطة انقلاب عسكرى، وهى العقوبة التي تم تطبيقها فعليًا بمنع السودان من المشاركة فى الاجتماع الدورى لوزراء الطاقة الأفارقة المنعقد في أديس أبابا يوم الأربعاء الماضى.
< < <
فقدان الثقة تمامًا في المجلس العسكرى من جانب الشعب السوداني.. الرفض القاطع من جانب قوي الحرية والتغيير للجلوس معه على طاولة مفاوضات.. المطالبة باعترافه بارتكاب مجزرة فض الاعتصام.. الغضب الجماعى العام بعد المجزرة الغادرة.. الحزن والإحساس بالمهانة والعدوان علي الكرامة بعد جلد المواطنين في الشوارع وإذلالهم.. مشهد أربعة جنود من الدعم السريع يجلدون مواطنا سودانيا كبير السن دون رحمة.. نموذجًا بشعًا.
في المقابل.. تعنت المجلس العسكرى.. غلظة حميدتى.. الميليشيات المسلحة التي تجوب الشوارع لقمع وإرهاب المواطنين. قتل وضرب المتظاهرين في دارفور.. إصرار المجلس العسكرى علي البقاء في السلطة السيادية وممارساته تجعله امتدادًا لنظام البشير الاستبدادى.
< < <
.. تلك هى ملامح الصورة الحالية للمشهد السودانى بالغ الاحتقان والخطورة.. المرشح لتصعيد أكثر خطورة.. قد يتحول إلى عنف وفوضى وربما حرب أهلية.
لذا وحتى كتابة هذه السطور صباح الخميس الماضى، فإن السودان لايزال فوق بركان.

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE