الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 04:02 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : علامات استفهام حول عروض بيع محطات كهرباء مصر

الأموال

هذا الخبر لم يصدقه كثيرون فى البداية ـ لغرابته البالغة ـ بالرغم من أن من نشره هى وكالة «بلومبرج» الأمريكية العالمية.. لكن تكرار نشره في المواقع والصحف المصرية وفى مقدمتها «المصرى اليوم ـ 28 مايو2019، صو«الأهرام، 29مايو 2019، صجعلنا نتأكد أن الخبر ـ بالغ الغرابة ــ هو خبر صحيح.

يقول الخبر إن وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر صرح فى حديث تليفونى لوكالة «بلومبرج» بأن مصر ـ يقصد وزارته.. وهى ليست مصر بالتأكيد ــ تدرس عرضين للاستحواذ على ثلاث محطات عملاقة للطاقة الكهربائية، تم بناؤها بمشاركة شركة سيمينز الألمانية.. هى محطات العاصمة الإدارية الجديدة وبني سويف والبرلس، بطاقة إنتاجية قدرها 14.4 ألف ميجاوات.. والعرضان مقدمان من شركتى «زارو» التابعة لشركة «بلاكستون» الأمريكية العالمية، و«إدرا باور» الماليزية التى تمتلك 3 محطات صغيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية في مصر.

ومعروف أن المحطات الثلاث تديرها شركة سيمينز بالتعاون مع الحكومة المصرية «مالكة المحطات» ـ وفى حالة استحواذ «إدرا» أو «زارو» عليها فسيتم توقيع اتفاق تشترى بموجبه الدولة من الشركة المالكة الجديدة، التى ستتولى إدارة المحطات بالاشتراك مع «سيمينز».

وبعبارة أخرى فإننا نقترض المليارات بالعملة الصعبة (6.2 مليار يورو بالنسبة للمحطات الثلاث) لنحل مشكلة إنتاج الطاقة الكهربائية.. ثم نبيع المحطات المنتجة بالفعل لشركة أجنبية ـ لتعود فتشترى الطاقة الكهربائية من الشركة الأجنبية!! وتدفع ثمن التيار الكهربائى للشركة الأجنبية علي مدى عشرات السنين (وهو ما يبلغ عشرات المليارات من الدولارات، إن لم يكن مئات المليارات) بدلا من أن تحصل عليه الحكومة المصرية، فتسدد أقساط الدين لـ«سيمينز» ثم تحصل على أرباح التشغيل حلالا زلالا لعشرات السنين القادمة!

فهل سمعتم ـ يا حضرات القراء الكرام ـ عن مثل هذا التخبط طوال حياتكم؟!

أما تفسير هذا «التخبط الحكومى» في تصريحات وزير ومسئولى الكهرباء، فهو أن ثمن المحطات الثلاث سيخفف من ديون مصر «!!» وأنه سيمثل تدفقا للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد، ويعزز ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصرى «!!» ويقول مسئولو وزارة الكهرباء إن مثل هذه الصفقات معمول بها عالميا، ولا تؤثر على حقوق المستهلكين ومحدودى الدخل، حيث إن الحكومة تضمن الحفاظ على هذه الحقوق!! (الأهرام 25/5 ــ المصري اليوم 28/5).

وقبل أن ندخل في مناقشة العرضين اللذين تدرسهما الوزارة وتتحدث عنهما بتعاطف واضح جدا ــ يجب أن نشير إلي أن مسألة السماح بتداول ملكية محطات توليد الطاقة الكهربائية هى أحد شروط صندوق النقد الدولى لمنح قرضه الشهير لمصر، وهى الشروط التى غيّرت وجه الاقتصاد المصري فى كثير من جوانبه.. كما يجب أن نشير إلي أن الدولة خفضت الدعم بدرجة كبيرة عن أسعار استهلاك الكهرباء، ورفعت أسعارها بصورة ملحوظة في الإعلان الأخير الصادر عن الوزارة.. وتستعد لرفع ما تبقى من الدعم العام القادم.

أى أن الدولة ـ في حالة اتمام الصفقة المشار إليها ـ ستقدم المستهلكين المصريين (بيضة مقشرة) جاهزة للالتهام على موائد المشترين الأجانب للمحطات.. بما يحقق لهم من اللحظة الأولي تحقيق الأرباح الفاحشة علي حساب المستهلك.

فإذا جئنا إلى فكرة العرض الذى تقول وزارة الكهرباء إنها تدرسه شركة «زارو» أو «إدرا باور» وتتحدث عنه بكثير من التعاطف، فسنلاحظ الآتى:

أولا: إن قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية هو قطاع استراتيجى بالغ الأهمية للاقتصاد الوطنى، ولكل مجالات الحياة ـ بما لا يحتاج إلي شرح ـ ومن ثم فإنه موضوع يخص الأمن القومى للبلاد.. ومن ثم فلا ينبغى إطلاقا أن يكون للأجانب دور مؤثر فيه.. قد تقصر إمكاناتنا الاستثمارية فنسمح لمستثمر أجنبى ببناء محطة صغيرة هنا و هناك (كما هى الحال على شركة إدرا باور).. أو تحتاج إلى المساعدة الفنية لنشرك الخبرة الأجنبية في الإدارة (كما هى الحال مع شركة سيمينز في المحطات الثلاث).. حتي يستطيع خبراؤنا النهوض بالمهمة وحدهم فى أسرع وقت.

أما أن «تبيع» أكثر من ثلث طاقة الإنتاج الكهربائى في البلاد للأجانب تحت أى ذريعة كانت فهذا تهديد مباشر للأمن القومى.. بل إننا نذهب إلي القول بأن الدولة ينبغى أن تحتفظ بملكيتها وسيطرتها على مثل هذه المشروعات الإنتاجية الحساسة، وإذا كان هناك احتياج لمشاركة القطاع الخاص (المصرى) لدعم السيولة المالية أو لأى احتياج آخر، فإن هذا لا ينبغى أن يمس بالنصيب المسيطر لملكية الدولة والدور الحاسم لها في الإدارة، ونكرّر في هذه مسألة أمن قومى.

ثانيا: إن تطوير إنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد هو أحد أهم إنجازات الاقتصاد المصرى في السنوات الأخيرة إن لم يكن أهمها علي الإطلاق، وهو يفتح الباب واسعًا أمام إمكانيات التطور الصناعى والعمرانى والسياحى «ويجب أن نستفيد منه في إنهاض الصناعة المصرية المتعثرة منذ سنوات، قبل كل شىء».. وبالنسبة لمحطات سيمينز الثلاث فإنها قد دخلت حيز التشغيل منذ نحو عام «يوليو 2018».. وأقساط القرض الذى تم بناؤها بواسطته، يمكن سدادها من عائد إنتاجها فهي ليست منشأة عقارية أو جسرا أو طريقا.. بل إنها منشأة إنتاجية تدر عائدا.. وقد تم خفض الدعم عن الكهرباء ورفع أسعارها، بما يزيد من هذا العائد.. وبالتالي فإن بيع مثل هذه المنشآت الإنتاجية ـ فضلا عن أهميتها الاستراتيجية ـ هو ضرب من الجنون.. وهو قرار اقتصادى خاطئ بنسبة ألف في المائة.

ولا يهمنا في هذا المقام أن يقال إن هذه ممارسة شائعة في العالم.. أو أن هذا شرط من شروط صندوق النقد الدولى.. إلخ.. تبيع منشأة اقتصادية استراتيجية منتجة.. هو تخريب مباشر للاقتصاد القومى.. ولا يعنينا أن تكون دول أخرى تطبقه.. وبأى شروط.. فلكل دولة ظروفها وسياستها الاقتصادية، التى يدفع شعبها ثمنها في النهاية.

ثالثا: أما ما يقال عن تخفيف عبء الدين وتدفق الاستثمارات.. إلخ.. فهو هراء مطلق.. فشروط سداد قرض بناء المحطات موجودة بالفعل، وعائد الإنتاج إذا لم يكن يكفى لسداد الأقساط والفوائد.. فهو بالتأكيد يكفي لسداد جزء معتبر منها.. أما فى حالة بيع المحطات فإننا «نذبح الدجاجة التى تبيض ذهبا» أو على الأصح نسلمها للأجنبى.. ثم نعود لنشترى منه الطاقة الكهربائية بالعملة الصعبة «!!» وعلى مدي عشرات السنين!!

ثم بمفاهيم علم الاقتصاد.. أى استثمار هذا الذى نبيع بموجبه أصولا منتجة، ذات طابع استراتيجى؟!! وإذا كان بعض المسئولين نتيجة «لنقص علمهميرددون كلمات ووصايا صندوق النقد أو البنك الدولى.. فكيف يردد الصحفيون الاقتصاديون المتخصصون ـ ومن باب أولى الخبراء المفترضون ـ مثل هذا الهراء دون تمحيص؟!

رابعا: لكى يتضح بالأرقام هراء كل هذه الأفكار يجب حساب قيمة «14.4 ألف ميجاوات/ساعة» سنويا (الكيلووات ساعة = سنتا// واحسبها في العام - ثم اضرب في 14.4 ألف ميجاوات).. فستجد رقمًا هائلا يتجاوز قدرتى المتواضعة على الحساب، خاصة في ظل عدم وجود آلة حاسبة تحت يدى الآن.. نعم يا سادة.. مثل هذه الأمور يجب حسابها بالأرقام وبدقة.. وليس ترديد كلمات عامة من قبيل تخفيف عبء الديون.. وتدفق الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز ثقة المستثمرين.. الخ.

<< فما تراه هنا هو تسليم ثروات البلاد للمستثمرين الأجانب.. وتيسير نهبهم للشعب المصرى..

<< ومن حسن الحظ أن العرض لايزال في مرحلة الدراسة.. ولهذا فإننا ندعو أهل الاختصاص سواء في مجال الاقتصاد أو إنتاج الطاقة الكهربائية أو الإعلام، لأن يوضحوا للسيد وزير الكهرباء الخطورة البالغة للعرض المشبوه والخبيث الذى يقدمه شركتا «زارو» أو «إدرا باور».

خامسا: من المعروف أن مصر قد أصبح لديها فائض كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة للتوسع الكبير فى إنشاء محطات التوليد من جهة «ويلفت هذا نظرنا إلى أهمية التخطيط ودراسات الجدوى الاقتصادية.. لكنه ليس موضوعنا في هذا المقال».. ونتيجة لترشيد الاستهلاك في مجالات عديدة، أو اضطرار كثير من الأسر لتقليص استهلاكها مرغمة بسبب ارتفاع الأسعار..

وحسب أرقام متفاوتة فإن إنتاج الطاقة الكهربائية يدور حول (37 ألف ميجاوات) والاستهلاك يدور حول 24 ألف ميجاوات) ومعروف أن التيار الكهربائى لا يمكن تخزينه، وبالتالى فإن الدولة إما أن تضطر إلى تخفيض عمومى لبعض الطاقات الإنتاجية، أو تبحث عن طريقة لبيع التيار الكهربائى الزائد..

وكما أوضحنا بجلاء فإن بيع الأصول المنتجة لن يقدم أى حل فى هذا الصدد، بل هو تخريب مباشر للاقتصاد.

ويبقي أن التصرف في الفائض بالبيع من خلال مشروعات الربط الكهربائى مع الدول الأخرى هو السبيل الأمثل للتعامل مع فائض الإنتاج، وهو ما تسعى الدولة المصرية إليه في الوقت الحالى.. فلدينا بالفعل اتفاق للربط الكهربائى مع الأردن بقدرة 450 ميجاوات.. وتجرى دراسات ومحادثات لزيادة إلى 2 أو 3 ألاف ميجاوات.. وهناك مشروع للربط المشترك مع السعودية بنظام التيار المستمر (قدرة 3 آلاف ميجاوات) وقد تم بالفعل بناء خط للربط مع السودان، ويجرى الاستعداد لتشغيله التجريبى بقدرة (150 ميجاوات) يجرى التخطيط لزيادتها إلى 300 ميجاوات هذا العام، كما تم الأسبوع الماضى توقيع اتفاق إطارى للربط بين مصر وكل من قبرص واليونان (عبر كابل بحرى) بقدرة 2000 ميجاوات على الجهد العالى أى التيار المستمر (المصرى اليوم، 28 مايو/ الأهرام، 29 مايو ومواقع إلكترونية مختلفة).

<< وباختصار فإن هناك إمكانيات جيدة ومتنامية ـ ينبغى المثابرة علي تعظيمها ـ للتصرف في القدرات الفائضة من إنتاج الطاقة الكهربائية.. ويمكن وينبغى توجيه عائداتها هى وعائدات الاستهلاك المحلى لتسديد الديون التى تم اقتراضها لبناء محطات التوليد، وخطوط توزيع الطاقة، وغيرها من المنشآت المرتبطة بها.

< < وغنى عن البيان ـ وهذه نقطة في غاية الأهمية ـ أننا إذا كنا جادين فعلا فى التوجيه لإنهاض الصناعة فإن احتياجاتنا من الطاقة الكهربائية ستنمو بسرعة كبيرة، وسيتم استهلاك فائض الإنتاج خلال فترة قصيرة.

<< وبناء على كل ما ذكرناه فإننا نرجو من السيد وزير الكهرباء، باسم هذا الوطن ومستقبل أجياله، وأمنه القومى أن يلقى بالعرضين المقدمين من شركتى «زارو» الأمريكية و«إدرا باور» الماليزية، فى سلة المهملات أو فى وجوه أصحابها، هى وأى عروض مشابهة.

أما إذا كان البيع مفروضا علينا كشرط من شروط صندوق النقد الدولى فسيكون هذا برهانا جديدا على فساد العلاقة بالصندوق من جذورها.. وفي جميع الأحوال يتعين علي الوزير رفض العرضين، ويتعين على الحكومة إعلان رفضها لهما فورا وعلى الملأ.. ويتعين على مجلس النواب اتخاذ قرار أو سن قانون بمنع بيع الأصول المنتجة عموما والاستراتيجية منها خصوصا للأجانب تحت أى ذريعة.. ويتعين على الإعلام تنوير الرأى العام (والمسئولين) بالمخاطر الفادحة لمثل هذه العروض التي تحوم حولها علامات استفهام خطيرة.. وكفانا ما أصاب اقتصادنا وشعبنا من كوارث الخصخصة وبيع الأصول المنتجة.

وقي الله مصر من كل سوء..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE