الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 06:29 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (5)

الأموال

بتعليق المفاوضات لأجل غير مسمى بين المجلس العسكرى الانتقالى في السودان

وبين قوى الحرية والتغيير، فإن الأزمة تكون قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب

الخلاف ـ وهو خلاف جوهرى ـ حول مدنية المجلس ورئاسته، حيث يُصر المجلس

على الاستحواذ على أغلبية المجلس السيادى ورئاسته، وهو ما يصطدم بأهداف

ومطالب الثورة والحراك الشعبي بتسليم السلطة السيادية إلي سلطة مدنية

بتمثيل عسكرى محدود.

إصرار المجلس العسكرى علي موقفه وتمسكه باستمراره في السلطة السيادية

خلال الفترة الانتقالية.. إنما يعنى النكوص والتراجع عن إعلانه بعد إسقاط

البشير بالانحياز للثورة وتسليم السلطة إلى المدنيين، وهو التراجع الذى

بدا مؤكدًا بعد اللاءات الثلاث التى أعلنها بعد تعثر جولة المفاوضات

الأخيرة والتى كان من المقرر التوصل في نهايتها إلى اتفاق نهائى بشأن

تشكيل المجلس السيادى.. وهى: لا لأغلبية مدنية في المجلس ولا لرئاسة

مدنية، بل لا أيضاً للحل الوسط بدورية الرئاسة بين المدنيين والعسكريين.

لذا كان من الطبيعى أن يكون رد فعل قوى الحرية والتغيير هو الرفض

بالتوازى مع رفض وغضب الحراك الشعبى وحشود المعتصمين وعلى النحو الذى بدا

معه أن المشهد السودانى يتجه إلي تصعيد خطير.. كان متوقعًا ـ وحسبما توقع

كاتب هذه السطور ـ صباح الخميس الماضى مع إعلان قوى الحرية والتغيير

وتجمع المهنيين الدعوة إلي مليونية في الخرطوم تحت شعار «مليونية

المدنية» للاحتشاد الكبير في مقر الاعتصام لتصعيد مطلب الثورة بتسليم

السلطة إلى مجلس سيادى مدنى.

ثم إن الأخطر في التصعيد من جانب قوى الثورة هو الإعداد لعصيان مدنى

وإضراب شامل.. سوف يسفران عن توقف الحياة في السودان، وحيث يبدو اللجوء

إلى هذا الخيار هو ورقة الضغط الأخيرة علي المجلس العسكرى للانصياع إلى

مطلب تسليم السلطة.

< < <

ومما يزيد من مخاطر هذا التصعيد هو لجوء المجلس العسكرى في المقابل إلي

استخدام لغة التهديد والخطاب الخشن في مواجهة قوى الحرية والتغيير وحسبما

جاء على لسان الفريق أول حمدتى نائب رئيس المجلس الذى هدّد بفصل أى مهنى

أو موظف يشارك في العصيان المدنى والإضراب الشامل من وظيفته.. مؤكدًا أنه

لن يعود إلى عمله أبدًا وسيذهب إلى بيته!

لكن اللافت أن هذا التهديد لم يفت فى عضد قوى الثورة وقيادات تجمع

المهنيين الذين أبدوا استهانة بتهديدات حمدتى.. معلنين أنهم ماضون قدمًا

في تنفيذ العصيان والإضراب فى أى وقت.

< < <

ولذا فقد جاء قرار المجلس العسكرى بإلغاء قراره السابق عقب إسقاط نظام

البشير بتجميد النقابات والاتحادات المهنية بمثابة رسالة لتجمع المهنيين

الذى يضم النقابات الموازية المستقلة تعنى الاستعانة بالنقابات الملغاة

في مواجهة الإضراب والعصيان المدنى في محاولة لإحداث توازن وملء الفراغ،

وهو الأمر الذى تؤكد قوة الثورة وتجمع المهنيين فشله فى إفشال العصيان

والإضراب المزمعين.

لقد أثار قرار المجلس العسكرى بإحياء النقابات المجمدة المزيد من الريبة

والشكوك بل لعله أكدها في توجهاته الحقيقية بشأن انحيازه للثورة، باعتبار

أن تلك النقابات كانت جزءاً من النظام السابق وموالية له تماما وتأتمر

بأمره وضد مصالح أعضائها ومنتسبيها، وهو الأمر الذى يضع علامات استفهام

كبيرة حول الموقف الحقيقى للمجلس العسكرى سواء من الثورة أو من النظام

السابق.

< < <

فقدان الثقة والشكوك في توجهات المجلس العسكرى تبدّت وتأكدت حسبما اتضح

من اللافتات التي رفعها المعتصمون في مقر الاعتصام أمام مقر القيادة

العامة للجيش بعد تعليق المفاوضات وعليها صور كل من الفريق أول عبدالفتاح

البرهان رئيس المجلس والفريق أول حمدتى نائب رئيس المجلس والفريق أول شمس

الدين كباشي المتحدث الرسمى وعليها علامة (X).

ثم إن ثمة ملاحظة بشأن تركيبة المجلس العسكرى لا تفوتنى الإشارة إليها،

وهى أنه بدا واضحًا أن الفريق أول حمدتى والذى كان يشغل منصب قائد قوات

الدعم السريع في النظام السابق والتي ارتكبت جرائم حرب ضد السودانيين في

دارفور وجبال النوبة وغيرها.. بدا واضحًا أنه من يدير ويترأس المجلس

العسكرى فعليًا ويتخذ القرارات وأن البرهان مجرد رئيس شرفى.

< < <

ثم إن ثمة ملاحظة أخرى بالغة الأهمية تؤكدها المتابعة الدقيقة للمشهد

السودانى منذ إسقاط البشير، إذ بدا واضحًا أن النظام السابق في واقع

الأمر لايزال باقيًا من خلال رموزه التى يسيطر على مفاصل الدولة العميقة،

وهو ما تؤكده التسريبات حول هروب أو تهريب بعض هؤلاء الرموز إلي خارج

السودان (واقعة هروب العباس شقيق البشير.. مثالاً).

أما الواقعة الأخطر التى تثير الكثير من القلق والريبة بشأن استمرار

النظام السابق في ظل المجلس العسكرى فهي تصدى حراس الفريق أول صلاح كوش

رئيس المخابرات العامة السابق والمقال بعد سقوط النظام للقوة التى توجهت

إلى منزله لاقتياده إلي مقر النيابة العامة بأمر النائب العام للتحقيق

معه في مخالفاته المالية، وحيث اعتدى حراسه علي هذه القوة ومنعوها من

اقتياده!

< < <

في هذا السياق فإنه يمكن القول إن المجلس العسكرى الذى يماطل في تسليم

السلطة يراهن علي إحداث استقطاب سياسى حاد بين قوى الحرية والتغيير وتجمع

المهنيين اللذين يقودان الحراك الشعبى ويمثلان الثورة من جهة وبين

الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي تطالب بالمشاركة في مفاوضات ترتيبات

المرحلة الانتقالية، رغم أنها محسوبة على النظام السابق ومتعاونة معه

ومشاركة له وهى من قامت الثورة ضدها وضد النظام ذاته، مع ملاحظة أن تلك

الأحزاب تؤيد بقاء المجلس العسكرى فى السلطة لحين إجراء الانتخابات في

نهاية الفترة الانتقالية.

هذا الاستقطاب السياسى الذى يسعى إليه المجلس العسكرى يستهدف في نفس

الوقت إحداث انقسام في قوى الثورة وبين صفوف الغالبية العظمى من الشعب

السودانى.. سبيلا إلى إطالة بقائه في السلطة.

< < <

لكن أغلب الظن فإن رهانات المجلس العسكرى كلها سوف تبوء بالفشل أمام

إصرار السودانيين الذين لن يرتضوا البقاء تحت حكم عسكرى جديد بعد ثلاثين

سنة من حكم البشير العسكرى الاستبدادى الذى ثاروا ضده وأسقطوه ودفعوا

ومازالوا يدفعون أثمانًا غالية وتكلفة باهظة للوصول إلي حكم مدني

ديمقراطى.

وفى كل الأحوال فإن رهانات المجلس العسكري للالتفاف على الثورة والبقاء

فى السلطة سوف لا تكون في صالحه ولا في صالح السودان أولا وأخيرًا، وسوف

يتحمل هذا المجلس وأعضاؤه عواقب هذا التصعيد الخطير وما سوف يسفر عنه من

تداعيات مؤلمة تدخل السودان في نفق مظلم ليس فى الإمكان التنبؤ بكيفية

الخروج منه بأمان واستقرار وسلام.

< < <

واقع الأمر.. إن إصرار المجلس العسكرى على البقاء في السلطة والامتناع عن

تسليمها للمدنيين وفقًا لتعهداته منذ اليوم الأول لإسقاط البشير.. إنما

يعنى في الحقيقة أن إعلانه الانحياز للثورة ومطالبها لم يكن حقيقياً ومن

ثم فإن ما حدث كان انقلاباً عسكرياً فقط علي رأس النظام لحماية النظام

ذاته حتى يبقى فى الحكم، مع ملاحظة أن تمسك أعضاء المجلس بالبقاء في

السلطة يؤكد حرصهم علي الاحتماء بالحصانة التي تحول بين احتمالات تقديمهم

لمحاكمات باعتبارهم من النظام السابق ذاته التي قامت الثورة عليه.

< < <

ويبقي السيناريو غير المتوقع حتى الآن وإن كان من الممكن حدوثه مع

استمرار التصعيد للخروج من الأزمة، وهو قيام انقلاب عسكرى علي المجلس

العسكرى الانتقالى الحالى.. يقوده ضباط من الرتب المتوسطة.. وذلك

انحيازًا لثورة السودانيين الثانية في أقل من شهرين ضد هذا المجلس

لإسقاطه!

< < <

.. إن كل الرهانات والسيناريوهات المحتملة.. تعني أن السودان لايزال فوق بركان..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE