الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 02:34 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (3)

الأموال

بدا واضحًا ـ حتي كتابة هذه السطور صباح الخميس الماضي ـ أن الأزمة

السودانية تتجه نحو تصعيد خطير تخيّم أجواؤه علي المشهد في الخرطوم

ويُنذر بمواجهات عنيفة بين قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين اللذين

يقودان الثورة والحراك الشعبي من جهة والمجلس العسكرى الانتقالي من جهة

أخرى.. بعد أن وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود عقب رد المجلس

علي الوثيقة الدستورية التى تسلمها من قوى الثورة والذى تضمن اعتراضه علي

أغلب ما ورد فيها، فى الوقت الذى لوّحت فيه قوى الحرية والتغيير بالإعداد

لعصيان مدني وإضراب شامل في أرجاء السودان.

هذا التصعيد الذى تتراءى ملامحه وإرهاصاته في المشهد السودانى من جانب

قوي الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ومن ثم ملايين المحتجين والمعتصمين

ليس فى مقر الاعتصام المستمر أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم فقط ولكن

في كل ولايات ومدن السودان.. هذا التصعيد يأتى كرد فعل علي ما اعتبرته

قوى الثورة مماطلة المجلس العسكرى في تسليم السلطة إلى سلطة مدنية وحسبما

وصفت رده علي الوثيقة الدستورية بـ«المخيب للآمال».

< < <

التطور الجديد فى المشهد السودانى أو بالأحرى التحول في موقف المجلس

العسكرى الانتقالى والذى يدفع الأوضاع نحو التصعيد الخطير هو توجه المجلس

إلى فتح مسارات جديدة ومتعددة للتفاوض بتوسيع المشاركة بدعوته لكل

الأحزاب والقوى والتيارات السياسية ـ باستثناء حزب المؤتمر الوطنى.. حزب

البشير للتفاوض ـ في ترتيبات نقل السلطة والمرحلة الانتقالية.

هذا التوجه الجديد من جانب المجلس العسكرى الانتقالي يٌعد فى حقيقة الأمر

تجاوزًا متعمدًا لقوى الحرية والتغيير وتقليلا من دورها المحورى والوحيد

في المفاوضات بجعلها ضمن كل الأحزاب والمكونات السياسية والتى كانت إما

موالية أو مهادنة أو مشاركة لنظام البشير الذى أسقطته الثورة التى قامت

ضده وضد تلك الأحزاب والتيارات.

< < <

وفي نفس الوقت فإن فتح مسارات جديدة للتفاوض مع كل تلك الأحزاب يعنى

تهميش دور قوى الحرية والتغيير بقدر ما يعنى في واقع الأمر نكوصًا

وتراجعًا مفاجئًا ومريبًا من جانب المجلس العسكرى عن اعترافه وإقراره منذ

البداية بأن قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين هما الممثل الشرعى لثورة

الشعب السودانى وهما اللذان قادا ولايزالان يقودان الحراك الشعبى

والاعتصام.

ويأتى إعلان المجلس العسكرى عن أنه تلقّى أكثر من 177 رؤية من الأحزاب

والقوى السياسية بشأن المرحلة الانتقالية وترتيبات نقل السلطة ليؤكد

إصراره على تعدد مسارات التفاوض لإطالة بقائه في السلطة وخلط أوراق

المفاوضات.

< < <

وفي سياق هذه المماطلة وخلط الأوراق جاء اعتراض المجلس في رده على وثيقة

قوى الحرية والتغيير علي أنها لم تتضمن النص علي أن الشريعة الإسلامية

مصدر السلطات وأن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد وهو اعتراض

متهافت و«تلكيك» من جانبه باعتبار أن النص علي الشريعة واللغة تحصيل حاصل

ولا خلاف عليها وأن مكانهما الدستور الدائم بينما تعد الوثيقة إعلانا

مؤقتا، ثم إن هذا الاعتراض الشكلى والمتهافت بدا مغازلة للتيارات

والأحزاب الإسلامية مع ملاحظة أن أكبرها هو حزب المؤتمر الوطنى «الحزب

الحاكم سابقًا» بقدر ما يُعد محاولة للطعن في توجهات قوى الحرية والتغيير

ومن ثم تأليب السودانيين عليها.

< < <

في تلك الأجواء التي تخيّم على المشهد السودانى ومع توجه المجلس العسكرى

لتهميش قوى الحرية والتغيير.. مستهدفًا التنصل من تسليم سريع للسلطة..

خرجت بعض الأصوات الحزبية المشاركة والمهادنة لحزب البشير لتعترض على

تسليم سلطة المجلس العسكرى إلي مجلس سيادى مدنى وتدعو لاستمراره في

ممارسة السلطة السيادية والاكتفاء بحكومة مدنية انتقالية.

<< <

أما اقتراح بعض الوسطاء السياسيين بتشكيل مجلس سيادى مدنى بتمثيل عسكرى

محدود وآخر عسكرى يختص وحده بشئون الدفاع والأمن، فإنه يعنى التفافًا علي

مطلب الثورة باعتبار أن المجلس السيادى المدنى يتعين أن يمارس وحدة

السلطة السيادية كاملة وأن تكون مهام الدفاع والأمن تحت سلطة المجلس

المدنى وإلا فإن سلطته ستكون منقوصة ويظل خاضعًا للسلطة العسكرية.

< < <

الأخطر فى توجهات المجلس العسكرى الانتقالى هو تلميحه لتقصير مدة المرحلة

الانتقالية إلى ستة أشهر فقط.. تجرى بعدها الانتخابات الرئاسية

والتشريعية، وذلك معناه وحسبما أوضحت قوى الحرية والتغيير شرعنة النظام

السابق، إذ إن هذه الفترة القصيرة تعنى فوز حزب المؤتمر الوطنى.. حزب

البشير وفلول النظام السابق فى تلك الانتخابات حيث لاتزال تمثل

الدولةالعميقة التى تستحوذ على مفاصل وهيئات ومؤسسات الدولة السودانية،

وهذه المدة القصيرة لن تكون كافية حتى تستجمع الأحزاب والقوى السياسية

المدنية وخاصة المنضوية تحت إعلان قوى الحرية والتغيير قواها وأن تستعد

لخوض الانتخابات بعد ركود حزبى طال لثلاثين سنة تحت حكم البشير

الاستبدادى.

< < <

ولذا فإن مدة الأربع سنوات التي تطالب بها قوى الحرية والتغيير للمرحلة

الانتقالية تُعد المدة المناسبة والضرورية لتفكيك الدولة العميقة

واستبعاد فلول النظام السابق، وهى ضرورية أيضًا لتهيئة البيئة السياسية

السودانية لما بعد الفترة الانتقالية وبدء فصل جديد من الحكم المدني

الديمقراطى وإقامة دولة القانون.

< < <

مع التصعيد المحتمل والوشيك بتداعياته الخطيرة بين المجلس العسكرى

الانتقالى وقوى الثورة الممثلة في قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين

ومعهما ملايين المحتجين والمعتصمين الماضين قدمًا وبإصرار ثورى لا يلين

في الاعتصام رغم الصيام في درجات حرارة تصل إلي خمسين درجة مئوية حتى

يتحقق مطلب تسليم السلطة كاملة إلي سلطة مدنية.. مع هذا التصعيد، فإن

السودان لايزال فوق بركان.

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE