الأموال
الخميس، 18 أبريل 2024 07:39 مـ
  • hdb
9 شوال 1445
18 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : إنذارات وزير التعليم.. و«السيستيم» الفاشل.. ومستقبل أبنائنا

الأموال

لا يكف الدكتور طارق شوقى وزير التعليم عن إثارة دهشة المراقبين بطريقته

فى إدارة وزارته، والمعارك التى يفجرها مع «خصومه» فى الرأى، والمفردات

اللغوية «غير المألوفة» التي يستخدمها في مناقشاته وتصريحاته، بدءا من

«المدرسين كلهم حرامية»!! إلى «اللى يعارض التطوير يبقى مش فاهم حاجة»!!

يقصد خطته «لتطوير» التعليم.. ووصولا إلى «تجلياته» في البرلمان يوم

الاثنين الماضى (٦ مايو).

اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب كانت مسرح آخر معارك الوزير..

وكانت وزارة المالية هى الطرف الآخر فى (المعركة) حيث اشتكى منها د. شوقى

مر الشكوى، وقال إنها لا تمنح وزارته «مليما واحدًا إلا بطلوع الروح»..

وواضح طبعًا أن موضوع المعركة كان موازنة وزارة التعليم للعام المالى

(٢٠١٩/٢٠٢٠).. حيث كان الوزير قد طلب موازنة قدرها (١٣٨ مليار جنيه) لكن

وزارة المالية اقترحت اعتماد (٩٩ مليار جنيه) فقط.. ورد وزير التعليم

بأنه «محتاج ١١ مليار جنيه زيادة.. أو نقفل الوزارة»!! و..«احنا مش

بنفاصل»!! و«عايزين ١١ مليار جنيه.. غير علاوات المدرسين».. و«أنا مش

هاكمل في مشروع التطوير من غيرهم والوزارة هاتقفل»!!.. «ليس لدينا رفاهية

الحوار.. واحنا مش بنفاصل»!!

وبادئ ذى بدء فإننا نعتقد أن وزارة التعليم تحتاج إلى اعتمادات أكثر

بكثير مما طلبته في البداية (١٣٨ مليار جنيه) وليس فقط ما يطالب به

الوزير.. لكن المرء لا يمكن ألا يندهش من طريقة د. شوقى في مخاطبة (وزارة

شقيقة).. وفوق ذلك سيادية.. هى وزارة المالية، وأن يستخدم هذه الطريقة

وهذه الألفاظ في البرلمان الذى يفترض أنه هو ووزارته خاضعان لرقابته

ومحاسبته. وأن ينطق بعبارات مثل «أنا مش هاكمل في مشروع التطوير من غيرهم

والوزارة هاتقفل»!! وهذا كلام غريب فعلا.. فما العلاقة بين أن يكمل

الوزير مشروعه، أو حتى أن يستقيل غدا.. وبين أن «الوزارة هاتقفل»؟!! لقد

كانت الوزارة موجودة قبل د. شوقى، وستظل موجودة بعد رحيله عنها، فما

الداعى لهذا التهويش الساذج؟!!

ونستميح القارئ الكريم عذرًا لكثرة الكلمات العامية التى نضطر لاستخدامها

لأنها كلمات الوزير التى لابد أن نوردها بنصها (راجع جريدة المصرى اليوم،

ص١، ص٣، وجريدة الأهرام صـ٥ ــ الثلاثاء ٧ مايو) ونود أن نلفت النظر هنا

إلى أن الأرقام التي نستخدمها في هذا المقال متطابقة في الجريدتين..

بينما أفردت «المصرى اليوم» مساحة أكبر لمداخلة الوزير ـ أو مداخلاته..

ولذلك فإن استشهاداتنا مأخوذة منها.

والآن فلنعد إلى مشروع الموازنة.. ويجب أن نلفت النظر إلى أن الوزير الذى

كرر أكثر من مرة: «إحنا مش بنفاصل»، لقد ساوم بالفعل، وتنازل عن مبلغ

كبير مما كان يطلبه.. فقد كانت الموازنة المطلوبة في البداية (١٣٨ مليار

جنيه) هبط بها مشروع الموازنة إلى (٩٩ مليار جنيه)، وأصر الوزير على

المطالبة بـ(١١ملياراً إضافية) ليكون المطلوب (١١٠ مليارات).. أى أقل

بـ(٢٨ مليارا) عما طلبه في البداية.. وتحدث مرة واحدة ـ لم يكررها ــ عن

(١٦ مليار جنيه) لزيادة أجور المعلمين وفي هذه الحالة تبلغ الاعتمادات

المطلوبة في مشروع الموازنة (١٢٦ مليار جنيه) فقط بدلا من (١٣٨) بفارق

(١٢ مليار جنيه) عن المطلوب في البداية.. علما بأنه لم يصر ــ كما ذكرنا

ــ على الـ١٦ ملياراً المطلوبة لعلاوات المعلمين.. وإذا لم يكن هذا

(فصالاً) فماذا يكون؟

وإذن فإن ما يصر عليه الوزير هى الاعتمادات اللازمة لمشروعه «للتطوير»

بينما لم يتمسك بالاعتمادات المطلوبة لبناء مدارس وفصول جديدة، بالقدر

الذى يحقق انفراجة ولو صغيرة في الكثافة العالية جداً للفصول، والتي تعوق

أى تطوير جدى.. بل إنه هاجم من يتحدثون عن هذه القضية، وسفَّه منها

بطريقة تثير التساؤل بجدية حول مدى إدراكه لحجم الكارثة التي تعاني منها

مدارسنا.. يقول الدكتور شوقى: «نعمل حالياً على تطوير النظام التعليمى.

وبعدين ييجى ناس تقول لي الكثافة.. ونرجع لدايرة التطوير ولا غطا

البلاعة»!! وهنا يدين الوزير نفسه من حيث أراد أن يسخر من أولئك الذين

يتحدثون عن المستوى المزرى للبنية التحتية للنظام التعليمى.. فكيف ستشيع

استخدام الكمبيوتر والتابلت في مدارس أغطية بلاعاتها مكشوفة، ويسقط منها

التلاميذ في بلاعات المجارى، وأسوارها أو مبانيها آيلة للسقوط فوق رءوس

التلاميذ ودورات مياهها لا تليق بالآدميين.. وتلاميذها مكدسون في الفصول،

وبعضهم يجلس علي الحصير؟؟!! والأدهى أن وزارة المالية كان من بين ما

أنقصته من المطلوب في مشروع الموازنة (٤.٦ مليار جنيه) من موازنة هيئة

الأبنية التعليمية!! ومع ذلك تشاجر الوزير من أجل (التابلت).. ولم يتشاجر

من أجل الفصول الجديدة المطلوبة، بل سخر من الذين يتحدثون عن البلاعات

المكشوفة في المدارس!!

بل تحدث الوزير بكل بساطة عن استيلائه على ٢ مليار جنيه من ميزانية هيئة

الأبنية التعليمية دون الرجوع إلى البرلمان في عام (٢٠١٨ ــ ٢٠١٩)

لتوجيهها إلي مشروع التطوير.. وهو ما حدث مثله حينما استولت الوزارة على

نصف ميزانية الهيئة في العام (٢٠١٧ - ٢٠١٨).. وتعرضت وزارة التعليم بسببه

لانتقاد شديد من اللجنة البرلمانية المختصة، باعتباره تصرفًا غير دستورى.

إذ يجب حتمًا الرجوع إلى البرلمان في هذه الحالة، والحصول على موافقته،

علما بأن وزارة التعليم حاولت إخفاء الواقعة عن اللجنة البرلمانية وزعمت

أن خطة هيئة الأبنية التعليمية تم إنجازها بنسبة ١٠٠٪ بينما كانت الحقيقة

(٥٠٪) فقط.. وهو ما دعا اللجنة البرلمانية لمخاطبة وزارة المالية للتحقيق

في الأمر!! (راجع مقالنا فى «الأموال» بتاريخ ٧ أبريل ٢٠١٩ ــ بعنوان

«السيستيم واقع أصلاً في وزارة التعليم ٢-٢»).. ثم يقول الوزير بكل بساطة

إن المالية ـ من بالضبط في المالية؟ ـ كانت قد وعدتنا بإعطائنا المبلغ،

لكنها لم تف بوعدها!! وهل من حق وزارة المالية أن «تعد» وزارة التعليم

بمبالغ ضخمة بالمليارات من الجنيهات فوق موازنتها الأصلية دون الرجوع

للبرلمان؟ بديهى أن الإجابة بالنفى، لأن هذا تصرف غير دستورى.. ولابد من

موافقة البرلمان عليه أولا.. وهل يعلم الوزير أن الدستور الذى أقسم على

احترامه يُلزمه بالرجوع إلى البرلمان، وعدم التصرف «من دماغه».. أم لا

يعرف؟ أم يعرف ولا يهتم؟ وهل هذه طريقة مقبولة لإدارة دولة وعمل حكومى؟

وبعيدًا عن هذه المخالفة الدستورية الصارخة، فإن الوزير لا يريد أن يفهم

أن مشروعه للتابلت و«التطوير» لا يمكن أن ينجح في ظل هذا التخلف الرهيب

للبنية التحتية لنظام التعليم، وبالتالى فإن الاستيلاء على موارد هيئة

الأبنية التعليمية لصالح مشروع التابلت هو بمثابة إهدار للموارد، وصب

للمياه في الرمال.. وهو يعمل بدون خطة أو تخطيط من أى نوع متجاهلاً

الوقائع وقضية الموارد، ومستوى تطوير البنية التحتية، الأمر الذى أدى في

النهاية لفشل محاولة إجراء امتحان تجريبي لطلاب الصف الأول الثانوى

باستخدام التابلت، وتحولت المسألة إلى فضيحة «بوقوع السيستيم».. وهو ما

فسره الوزير في البرلمان بقوله: «علشان مادفعناش فلوس الإنترنت»!! ورأينا

أن هذا غير صحيح أو غير دقيق على الأقل، فالمسألة أكبر من هذا بكثير..

المسألة أن السيستيم يحتاج إلي بنية تحتية غير موجودة.. وإلى تدريب

للقائمين عليه وللمعلمين والطلاب.. لم يحدث.. وأن القصة كلها عشوائية،

كما يتضح من رواية الوزير نفسه فى اللجنة البرلمانية، ومن مراجعة الأحداث

والوقائع (راجع: الأموال، ٣١ مارس و٧ أبريل ٢٠١٩ ـ «السيستيم واقع»

أصلا.. في وزارة التعليم!) »..

لسنا ضد وزير التعليم لصالح وزارة المالية مثلاً.. بل على العكس نرى أن

وزارة التعليم تحتاج إلي موازنة أكبر بكثير مما يطلبه د. شوقى.. بشرط عدم

وضع العربة أمام الحصان. فالرئيس السيسي نفسه تحدث عن احتياجنا لـ(١٣٠

مليار جنيه) لبناء (٢٥٠ ألف فصل).. وأن من الأفضل أن يتم هذا خلال ٣

سنوات، لكى تكون كثافة الفصول لدينا ٤٠ تلميذاً في المتوسط.. وهذا هو

الحد الأدني المقبول.. علمًا بأن كثافة الفصول في البلدان المتقدمة (٢٠ -

٢٥ تلميذًا).. وبالتالى فإن وزارة التعليم بحاجة إلى موارد طائلة، وليس

(١٣٨ مليار جنيه) فحسب.. ونحن بحاجة أيضاإلى صيانة المدارس الموجودة،

وإلى معامل ومكتبات وغرف نشاط.. والأهم أننا بحاجة إلي تعيين أعداد كبيرة

من المعلمين، وإلى إعطائهم مرتبات محترمة. وإلى تدريبهم وإعادة تدريبهم

كما ينبغى.

ولكن إلى أن يحدث هذا علينا أن نحدّد الأولويات بدقة، وأن نرشد الإنفاق

بصرامة.. وهذا ما لا يقوم به الدكتور شوقى طبعًا.. وعلي سبيل المثال فقد

تحدث أعضاء اللجنة البرلمانية (الأهرام ـ والمصرى اليوم ٧ مايو) منتقدين

وجود هيئات تابعة للوزارة، تنفق كثيرًا، ولا جدوى منها مثل «صندوق دعم

المشروعات التعليمية» بموازنة قدرها ٦٠٠ مليون جنيه!! كما تحدثوا عن حصول

العاملين بديوان الوزارة (نكرر: ديوان الوزارة) على مكافآت امتحانات (!!)

قدرها (٨٥٠ مليون جنيه)!! دون أن تكون لهم صلة جدية بالامتحانات..

وأغلبهم موظفون إداريون وسكرتارية.. إلخ.. وكثيرون منهم يحصلون على

مكافآت تصل إلى أجر (٩٠٠يوم).. بينما يحصل المدرسون القائمون بالفعل علي

المراقبة والتصحيح والكونترول.. إلخ على أجر «٢٠٠ يوم» فقط لا غير. فهل

في هذا عدل أو رشد؟؟ وحدِّث ولا حرج عن المستشارين وعن النسبة التى تحصل

عليها الوزارة من رسوم المجموعات المدرسية ويتم توزيعها على المحاسيب!!

(بأى حق؟؟) وحدِّث ولا حرج عن جيوش السكرتارية وعمال وموظفي الخدمات

وسائقى السيارات الفارهة المخصصة للكبار.. إلخ.. إلخ..

نعم.. مطلوب زيادة كبيرة لميزانية وزارة التعليم.. ولكن لإنفاقها في

وجوهها الصحيحة.. وإلى أن يحدث هذا مطلوب إنفاق الموازنة الشحيحة

الموجودة بصورة عقلانية ورشيدة.. وليت الدكتور شوقي يولى بعض اهتمامه

لأمور كهذه.. ويكف عن توجيه الإنذارات في كل اتجاه.

والأهم من كل شيء مطلوب تأجيل العمل بنظام التابلت هذا العام على الأقل

(الامتحانات الإلكترونية).. حتى يتم معالجة ثغراته الكبيرة.. لأنه ما

دامت درجات الصف الأول الثانوى ستضاف إلى المجموع التراكمى للثانوية

العامة، فإن كل درجة أو حتى نصف درجة منها تتسم بأهمية كبرى.. وقد تغير

مستقبل الطالب من كلية إلى أخرى.. ومصير أبنائنا لا يجب بأى حال من

الأحوال أن يتعرض للعبث الذى رأيناه في تجربة مارس الفاشلة.. أو أن يكون

مرهونًا بـ«السيستيم» الذى يعترف د. طارق شوقى نفسه بمشكلاته الكبيرة.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE