الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 01:11 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : المشهد السودانى الملتبس.. غموض عسكرى وتوجس سياسى

الأموال


حتى كتابة هذه السطور بعد ثمانية أيام من استيلاء الجيش السودانى على السلطة والإطاحة بالرئيس عمر البشير.. استجابة للثورة الشعبية ضده وضد نظامه والتي بدأت منذ شهر ديسمبر الماضى وبلغت ذروتها في الأيام الستة التي سبقت تدخل الجيش.

.. حتى كتابة هذه السطور لاتزال أجواء الغموض والارتباك من جانب المجلس العسكرى والتوجس والشكوك من جانب الشارع تخيّم على المشهد السودانى الملتبس في مجمله، بينما يواصل السودانيون اعتصامهم انتظارًا لاستجابة الجيش لمطالب الثورة التى يرتفع سقفها بمرور الوقت لمحاكمة البشير ــ الذى تم نقله إلى السجن ــ وكل رموز نظامه.

ورغم توالي قرارات المجلس العسكرى الانتقالي لتهدئة واسترضاء الشارع الثائر والتي بدأت بإنهاء خدمة وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف النائب الأول للبشير والذى كان قد تولي رئاسة المجلس العسكرى في اليوم الأول لاستيلاء الجيش على السلطة وأعلن ما وصفه بـ»اقتلاع» رأس النظام ثم تنازل عن منصبه في اليوم التالى مباشرة إلى الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

.. رغم توالى قرارات المجلس العسكرى بتشكيله الثانى الحالى والتى شملت اعتقال نحو أربعين شخصية من رموز النظام من بينهم شقيقا البشير وكذلك سلسلة الإقالات في القضاء والإعلام وحكام الولايات والجيش إضافة إلى السفير السودانى فى واشنطن وسفير الخرطوم في جنيف على عثمان طه الذى كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية قبل انفصال الجنوب والذى كان أيضًا الرجل الثانى فى الجبهة الإسلامية القومية برئاسة الدكتور حسن الترابى ثم انقلب عليه وانضم للبشير الذى انقلب هو الآخر على الترابى الذى صنع معه انقلاب عام 1989.

< < <

.. غير أن كل هذه القرارات بدت غير كافية ولا تُلبى مطالب الحراك الشعبي السودانى ممثلا في تجمع المهنيين الذى قاد الحراك والقوى السياسية المدنية الموقعة على إعلان الحرية والتغيير.

ولايزال مطلب الشعب السودانى الأول والأهم هو تسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية على أن يتم حل المجلس العسكرى الانتقالى وتشكيل مجلس سيادى مدنى بتمثيل عسكرى محدود.

< < <

تلكؤ وتباطؤ المجلس العسكرى الانتقالى برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في الاستجابة السريعة لمطالب الثورة السودانية أثار مخاوف وتوجس السودانيين من أن تنتهى الثورة إلى انقلاب عسكرى وهى المخاوف التي دفعت المعتصمين إلي الاحتشاد ومواصلة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش خاصة بعد ظهور بوادر لفض الاعتصام بالقوة وهو الأمر الذى نفاه المتحدث باسم المجلس العسكرى وإن ألمح فى نفس الوقت إلى ضرورة انصراف المعتصمين بهدف ما أسماه عودة الحياة الطبيعية، وهو التلميح الذى زاد هواجس السودانيين الذين تدافعوا إلى مقر الاعتصام بعد نداء من تجمع المهنيين الذى يقود الحراك الشعبى.

< < <

متابعة المشهد السودانى بعد الأسبوع الأول من الإطاحة بالبشير تشير إلي أنه ينطوى على غموض والتباس شديدين وعلى النحو الذى يعنى أن المجلس العسكرى إما في حالة ارتباك وتخبط وإما أنه يناور ويماطل ريثما تهدأ الثورة، ومن ثم ينتهي الأمر إلى أن ما جرى كان انقلابا داخل القصر خاصة أن الذى قاده في البداية كان النائب الأول للبشير ووزير دفاعه وهو ما أثار الشكوك وقتها في أنه قام بانقلاب لاقتلاع رأس النظام على حد تعبيره في مناورة لبقاء النظام.. رهانًا على اختزال مطالب الثورة فى إسقاط البشير فقط، بينما أكدت الاعتصامات المستمرة سقوط هذا الرهان.

< < <

ولعله ليس سرًا أن الجيش السودانى شهد انقسامات في الأيام الستة التى سبقت الاستيلاء على السلطة وعلى النحو الذى تبدى فى انضمام ضباط من الرتب المتوسطة والصغيرة للمعتصمين أمام مقر القيادة بل حمايتهم من اعتداءات قوات الشرطة والدعم السريع، وهى الانقسامات التي امتدت إلى القيادات العليا في الساعات السابقة واللاحقة على الاستيلاء على السلطة، وهو الأمر الذى يُفسر تنازل الفريق أول عوض بن عوف غير المقبول من السودانيين عن رئاسة المجلس العسكرى في اليوم التالى مباشرة إلى الفريق أول عبدالفتاح برهان والذى عُرف عنه أنه ظل بعيدًا عن السياسة وأنه رفض عرضا بتولى رئاسة إحدى الولايات فى التغييرات الأخيرة لحكام الولايات التى أجراها البشر قبيل سقوطه.

< < <

على الجانب الآخر.. مدنيًا وسياسيًا، فقد بدا واضحًا حتى الآن أن قوى الثورة السياسية متمثلة في تجميع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير لم تتوصل بعد إلى تصور نهائى محدد لتشكيل الحكومة المدنية الانتقالية التى تنتقل إليها السلطة والتى تم التوافق علي أن يترأسها شخصية قومية مستقلة غير حزبية وأن تضم كفاءات مستقلة «تكنوقراط».

ولذا فإن الكرة الآن فى ملعب القوى السياسية وقيادات الحراك الشعبى للانتهاء من تشكيل هذه الحكومة فى أسرع وقت، وهو الأمر الذى يمثل تحديًا مهمًا أمام السياسيين إذ بينما يطالبون بتسلم السلطة فإنهم لم يتقدموا بتشكيلها حتى الآن.

< < <

الإشكالية الكبرى والتى قد تفجّر المشهد السودانى تتمثل فى مطالبة القوى السياسية بحل المجلس العسكرى الانتقالى الحالى وتشكيل مجلس سيادى مدنى بمشاركة عسكرية محدودة، وهو المطلب الذى من المؤكد سوف يصطدم برفض قيادات الجيش، ومن ثم فإن هذا الخلاف من شأنه تعقيد الأوضاع فى السودان وعلى نحو خطير.

المجلس العسكرى الانتقالى من جانبه سوف يتمسك باستمراره كمجلس سيادى مستشهدًا فى ذلك بما جرى عام 1985 بعد إسقاط الرئيس جعفر نميرى مع المجلس العسكرى برئاسة الفريق أول سوار الذهب إلى جانب حكومة مدنية تنفيذية برئاسة الجازولى دفع الله وقتها.

< < <

من جانبها ترى القوى السياسية المدنية أن الأوضاع قد تغيرت وأن زمن سوار الذهب لن يتكرر، ولاشك أن هذه الرؤية تعكس فى حقيقة الأمر توجسًا سياسيًا وشعبيًا تجاه قيادات الجيش وخاصة بعض أعضاء المجلس العسكرى الحالى وفى مقدمتهم نائب رئيس المجلس الفريق أول «حمدتى» بالنظر إلى ممارساته القمعية تجاه الشعب السودانى.

< < <

حتى كتابة هذه السطور فإن الأيام المقبلة فى السودان قد تكون حُبلى بالأزمات والمفاجآت والمخاطر وتظل الأوضاع غير مستقرة وقابلة للانفجار.

ويبقى السؤال هل ستنجح الثورة السودانية في إقامة حكم مدنى أم سيتم الالتفاف عليها ويتم اختزالها فى انقلاب عسكرى قد يُسفر عن احتراب أهلى لا يتحمله السودانيون الذين يعانون من أزمات اقتصادية وسياسية بالغة السوء إلى درجة الانهيار الاقتصادى بعد حكم البشير العسكرى الشمولى الاستبدادى الفاسد الذى طال لنحو ثلاثين عاما.

< < <

ويبقى السؤال الأهم: هل حان الوقت لكى يخرج السودان من تلك الحلقة المفرغة الخبيثة التى يدور فيها طوال سبعة عقود منذ استقلاله عام 1956 ما بين حكم مدنى لم يزد فى مجمله على عشر سنوات وحكم عسكرى زاد على خمسين سنة بفعل ثلاثة انقلابات عسكرية.. أولها انقلاب الفريق عبود عام 1958 وثانيها انقلاب جعفر نميرى الذى استمر فى الحكم (16) عامًا ثم انقلاب عمر البشر الذى استمر ثلاثين عامًا حتى أسقطه السودانيون قبل أيام.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE