الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 06:21 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور: عودة مهاتير محمد.. صاحب «المعجزة الماليزية» (2)

الأموال

 

حصلت ماليزيا علي استقلالها من الاحتلال البريطانى عام 1957.. وكما ذكرنا في المقال السابق فقد كانت دولة زراعية متخلفة يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى علي تصدير الخامات الزراعية. وظل الجدل يحتدم بين صفوف نخبتها حول سبل تحقيق النهضة واللحاق بركب التقدم، حتي حسمت اختيارها في مطلع الثمانينيات بانتخاب مهاتير محمد رئيسا للوزراء (1981).. وتبني برنامجه القائم علي الانحياز الحاسم للصناعة وتطوير التعليم بصورة شاملة كسبيل أساسي للتقدم.

كان مهاتير محمد قد أصدر كتابًا عام 1970 يحمل عنوان «معضلة الملايو» ناقش فيه أسباب تخلف البلاد، ووجه انتقادات شديدة الحدة لكثير من الأفكار السائدة في البلاد، واتهم شعب الملايو بالكسل والرضا بأن تظل بلاده دولة زراعية متخلفة.. ودعا للأخذ بأسباب التقدم العلمى التي فتحت طريق النهضة للشعوب المتقدمة.. وبديهي أن هذه الانتقادات كانت تشمل أيضا النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقليدية. ونظرًا لحدة الانتقادات فقد أصدرت قيادة «منظمة الملايو القومية المتحدة» ـ الحزب الحاكم في البلاد، والذى كان مهاتير ينتمى إليه ـ منع تداول الكتاب.. إلا أنه أثار عاصفة من الجدل دفعت بمهاتير محمد للصفوف الأولي من حزبه، وجعلت الكثيرين من ناشطى الحزب وقادته الشبان يلتفون حوله ليفوز برئاسة الوزراء عام 1981.

كان مهاتير محمد معجبًا بتجربة محمد على النهضوية في مصر (1805) وبتجربة الميجى في اليابان (1860) واللتين اعتمدتا علي التصنيع والنشر الواسع للتعليم، بغض النظر عن اختلاف مآلاتهما.. حيث تكالبت الدول الاستعمارية الكبري علي التجربة المصرية ونجحت في تحطيمها..

وهكذا قررت حكومة مهاتير توجيه الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومى للاستثمار في الصناعة والتعليم، وبانفتاح واسع علي العالم، مع التركيز علي التعاون مع اليابان، أكثر القوى الصناعية تقدمًا في شرق آسيا وقتها، والدولة الرائدة فى تقدمها التكنولوجى من جهة، وفي تجربتها التعليمية والعلمية من جهة أخرى.. وهناك نقطة أخرى مهمة تتصل باليابان، تلك هى أنها ـ بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمتها الساحقة فيها ـ لم تعد أغلب شعوب شرق وجنوب شرق آسيا تنظر إليها كدولة استعمارية تهدف لنشر هيمنتها، بغض النظر عن ماضيها الاستعمارى قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

وهكذا فإنه مع الحركة الواسعة في مجال التصنيع وبناء المدارس العامة والفنية التخصصية، والمعاهد «الفنية» والجامعات، شهدت ماليزيا حركة واسعة لإرسال مبعوثيها علي المستوى الجامعى وفوق الجامعى «الدراسات العليا» للدراسة في الجامعات اليابانية ومختلف جامعات الدول المتقدمة، وكذلك استدعاء الخبراء الأجانب للمساعدة في إدارة وتطوير المصانع الماليزية والتدريس في الجامعات والمعاهد الوطنية، بحيث خلال سنوات معدودة ظهر جيل كامل جديد من الكوادر الفنية والعلمية الماليزية.

هذه النهضة الاقتصادية.. الصناعية.. العلمية.. التعليمية الشاملة كان لها دور هائل فى خلخلة أسس المجتمع الزراعى التقليدى القديم ببنيته الطائفية التى كانت مكوناتها تحيل للانعزال عن بعضها، و«التخصص» في أنشطة مختلفة «الملايو ـ المسلمون يمثلون حوالى 55 ـ 60٪ من السكان/ الصينيون ـ الكونفوشيون يمثلون حوالي 25 ــ 30٪ من السكان/ الهنود - الهندوس يمثلون حوالى 10 ـ 12٪ من السكان.. ونلفت النظر إلى أن هذه الأرقام تقريبية.. وقد رجعنا إلى مصادر كثيرة فوجدنا تفاوتًا في الأرقام، فأخذنا أرقامًا وسطية تقريبية، خاصة أننا لم نجد رقما رسميا حكوميا)..

المهم أن أغلب الملاويين كانوا يعملون بالزراعة.. بينما يعمل الصينيون في مجال الصناعة والأعمال، ويعمل الهنود في التجارة بمختلف مستوياتها..

وبديهى أن هذا لم يكن يمنع التداخل بين الطوائف (أو لنقل.. الأعراق) في الأنشطة المختلفة، ووجود أغنياء وفقراء فى صفوف كل منهم.. والحقيقة أن ماليزيا كانت دولة مستقرة عمومًا من هذه الناحية، خصوصا مع وجود أغلبية مالاوية مسلمة واضحة إلا أن المجتمع التقليدى القديم كان يتسم بقدر واضح من الركود والميل للانعزال بين (الطوائف/ الأعراق).

>> لكن عاصفة التصنيع والتعليم وإرسال المبعوثين علي نطاق واسع، جاءت لتخلخل الكثير من أسس هذا الركود المجتمعى والميل للانعزال، ولتبدأ حركة اندماج متزايدة الاتساع بين مكونات المجتمع الماليزى، خاصة أن الصناعة تعنى التوسع في بناء المدن، وزيادة عدد سكانها، وانخراط الناس في علاقات اقتصادية واجتماعية جديدة تختلف عن العلاقات الزراعية ـ القروية التقليدية.. وكذلك في حراك مجتمعى نشيط وواسع النطاق، يتيح للعناصر الأكثر اجتهادًا وقدرة تنافسية الارتقاء بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

وهذا بالضبط هو ما حدث في ماليزيا، وحافظ على استقرارها السياسى والاجتماعى، خاصة مع حرص الدولة ـ في ظل حكم مهاتير ـ على توفير فرص العمل والتعليم والعلاج لعموم المواطنين والارتقاء بمستوى حياتهم.

ويكفي أن نشير إلى أن متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالى في بداية الثمانينيات كان حوالى (350 دولارًا).. وتضاعف ليصل إلى أكثر من (8000/ثمانية آلاف دولار) فى نهاية عهد مهاتير «الأول».. أى فى أوائل الألفية الجديدة.. وأكثر من (10آلاف/ عشرة آلاف دولار) الآن.. بالرغم من تباطؤ النمو.. حيث يبلغ الناتج المحلى الإجمالى لماليزيا أكثر من (350 مليار دولار)، ويبلغ عدد السكان (30 مليونا).

ومن أهم عوامل النجاح والاستقرار في التجربة الماليزية في ظل حكم مهاتير محمد ـ ومن أساسيات فكره ـ الحرص على تشكيل وازدهار طبقة وسطى قوية تأخذ على عاتقها مهمة القيادة الاجتماعية، وتتحلى بقيم المنافسة والابتكار، ويرتقى أبناؤها بقدر اجتهادهم في تحصيل العلم، وفي العمل الاجتماعى المثمر..

وكذلك توفير جيل من الحرفيين والصناع المهرة المفتوح أمامهم السبيل لرفع مستوى تخصصهم ودخولهم.. وتعليمهم ــ إذا أرادوا ــ وبالتالي إتاحة مجال الحراك الاجتماعى أمامهم..

والواقع أن فتح باب الأمل في مستقبل أفضل هو أحد أهم سبل ضمان الاستقرار الاجتماعى، وضبط التفاعلات الاجتماعية الاحتجاجية فى حالة ظهورها.

وفي هذا السياق قد يكون من الأهمية بمكان كبير أن نشير إلى أن نسبة البطالة في ماليزيا تبلغ (2٪/ اثنين بالمائة) فقط.. وهى دولة مستقبلة للعمالة الأجنبية من الدول المجاورة.. وإلي أن نسبة الفقر فيها (3.8٪ / أقل من أربعة بالمائة).. وهو ما يوضح أن هذه التجربة الاقتصادية شديدة النجاح لم تغفل العدالة الاجتماعية.. وهذا أيضًا درس من أهم دروس المعجزة الماليزية.

وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE