الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 04:50 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

أسواق وريادة أعمال

شركة القاهرة لمياه الشرب ترفع شعار.. الدفع أو الحبس

الأموال

بعد السطو علي صلاحيات وزارة العدل

محاضر "مضروبة" بالمديونيات والغرامات لإجبار المشتركين علي الدفع

مساعد أول وزير العدل: النيابة العامة تتولي التحقيق فى أى مخالفة

 

كتبت: فاطمة فايد

 

في أم الدنيا، لا أحد يعمل بمهنته الحقيقية، السباك باشمندس، عامل الصيدلية دكتور، النصاب رجل أعمال، لكن التطور اللافت أن تدخل إحدى الجهات الحكومية تلك اللعبة، وبأغراض مشبوهة، لتوزع على الآلاف من موظفيها صلاحيات منحها القانون لرجال الشرطة والجيش والجهات الرقابية بالأساس.. حيث نكشف في هذا التقرير كيف تمارس شركة القاهرة لمياه الشرب، عملية احتيال واسعة على ملايين المواطنين البسطاء، بعد أن قامت بتوزيع دفاتر مزورة على آلاف المحصلين لديها، لانتحال صفة مأمورى الضبط القضائى، وهو ما يعنى ابتزاز المواطنين وإيهامهم بحق المحصل في تحويلهم للنيابة العامة خلال ساعات، إذا لم يتم سداد مديونيات قد تكون في كثير من الأحيان دون وجه حق.

الارتفاع المبالغ في قيم الفواتير، وطريقة حساب الاستهلاك غير المنصفة فى حالات كثيرة، لم يشفعا لدى شركة المياه لتقدم تسهيلات للسداد، بل علي العكس تفننت في اختراع حيلة لإجبار المشتركين على الدفع عن طريق تحرير محاضر مزيفة، تستغل فيها اسم النيابة العامة وتسطو بها على صلاحيات وزارة العدل، ليجد المشترك نفسه متورطاً أمام خيار »الدفع أو الحبس«.

محل سياحى

عبدالباسط الطيب، رجل ستينى العمر، سبعينى الملامح، تملكه الخوف عقب استلامه محضر ضبطية »مزيف« لمديونية قيمتها 12 ألف جنيه على محل السمك الذى يقتات منه وثلاثة من أبنائه بأفراد أسرهم.

ويقول الطيب: قبل 8 أشهر قمت بتركيب عداد مياه، لمحلى الكائن بمنطقة أبوصير، إحدى المناطق الشعبية بالمرج، وفوجئت بأول فاتورة قيمتها 1200 جنيه، عن استهلاك محدود لمحل، لا تزيد مساحته على 30 مترا، وعندما اعترضت على قيمة الاستهلاك علمت أنه يتم محاسبتى كمحل سياحى ضمن شرائح المحلات الموجودة بمناطق سياحية، واضطررت للدفع بعد شكاوى عديدة.

وتابع: انقطعت الفواتير عن المحل لمدة 7 شهور، وفوجئت بعدها بمحصل يطلب منى سداد فواتير بقيمة 12ألف جنيه من خلال محضر ضبطية قضائية، وإلا سيتم تحويل المحضر إلى النيابة بعد 3 أيام.

بخطوات سريعة هرول عبدالباسط في صباح اليوم التالى متكئا على ابنه »الطيب« بدلا من عكازه، ليستوضح تلك المديونية، محاولا تخفيض هذه القيمة والتأكد من وجود قراءات صحيحة، وبعد محاولات يائسة لم يصل من خلالها إلى حق أو باطل مع رئيس التحصيل ـ بحسب قوله ـ بدأ فى التوسل إليه لعدم تحريك المحضر وطلب منحه مهلة حتى الشهر المقبل لتدبير المبلغ حتى وافق، وبسلامة نية قدم الرجل صورة بطاقته التى طلبت منه قبل أن ينصرف.

ولم يمض الشهر حتى فوجئ الرجل المسن بالمحصل يحرر له محضر ضبطية قضائية جديد، ولكن هذه المرة بقيمة 18 ألف جنيه منها 6 آلاف جنيه غرامة تأخير لتتحول المديونية من 12 إلى 18 ألف جنيه، وبسوء معاملة استقبله رئيس التحصيل، عندما ذهب إليه وقال له: محضرك عندى، ويا الدفع أو الحبس.

وبحسب روايته فاضطر الرجل إلى بيع أثاث من منزله، واستدانة جزء من المبلغ المطلوب ثم قامت زوجة ابنه ببيع »حتة ذهب« لكنه قبل أن يذهب إلى الشركة لسداد المبلغ المطلوب، فوجئ بمحضر رسمى من قسم الشرطة التابع له، وعندما أسرع إلى الشركة لسداد الـ18 ألف جنيه، كانت الصدمة الأكبر بأن المديونية تحولت إلى 26 ألف جنيه ليصبح الدين الأصلى 12 ألف جنيه وغرامته 14 ألف جنيه، فى مدة لا تصل إلى 3 أشهر، وعندما واجه رئيس التحصيل كان رده »كل ما تتأخر يوم الغرامة هتزيد، وفيه ناس بيجيلها أكتر من كده، احمد ربنا«.

ترويع البسطاء

حكاية عبدالباسط مثلها حكايات أخرى كثيرة توثق لترويع البسطاء وابتزازهم بأكذوبة الحبس، لإجبارهم على دفع مديونيات وغرامات يتم تقديرها بطريقة عشوائية، مثل عم مرسال عبدالحى الرجل الستينى الذى فقد بصره فى حادث، وحرر له محضر »مزيف« بقيمة تجاوزت الأربعة آلاف جنيه رغم اعتماده على المياه الارتوازية فى الاستخدام، وحكايات أخرى شديدة الغرابة لاستخدام محاضر الضبطية المزيفة، منها أيضا المحضر الخاص بورثة محمد حسن على اشتراك رقم 171240 محل بقالة، والذى لا يوجد به مياه من أغسطس 2008 حتى الآن، إلا أنهم مطالبون من خلال محضر ضبطية قضائية بمديونية 6 آلاف جنيه.

محاضر "فشنك"

وفقا لرئيس تحصيل أحد الفروع بالشركة والذى طلب عدم ذكر اسمه، فإن دفاتر محاضر الضبطية القضائية الأصلية التى يحق استخدامها بشكل قانونى، تطبع بمعرفة الشركة، ويحتوى كل منها على 50 محضرًا، بأرقام مسلسلة، عبارة عن أصل وصورتين، وتوجد بحوزة مدير عام الإيرادات، وتوزع من خلاله علي رؤساء التحصيل، الذين يقتصر دورهم فقط على كتابة بيانات المشترك فى المحضر وتسليمه لرئيس العدادات الذى يحمل صفة الضبطية القضائية، وهو بدوره يذهب لقسم الشرطة التابع له المشترك، ويسلم أصل المحضر ويحتفظ بصورة له مدون عليها رقم المحضر، مشيرا إلي أن المحصلين غير مسموح لهم بحيازة أى دفاتر، ويقتصر دورهم على جلب بيانات المشتركين لرؤساء التحصيل فقط.

محاضر الضبطية

أحد المحصلين الذى طلب عدم ذكر اسمه، يوضح أن محاضر الضبطية القضائية التى يتم تداولها فعليا على مستوى فروع الشركة هى محاضر »فشنك« تطبع فى مكاتب خارجية، ويقوم ببيعها رئيس التحصيل بالإجبار للمحصلين، بمبالغ من 7 إلى 10 جنيهات، ليستخدمها المحصل في الضغط على المواطنين، خصوصا »الغلابة« الذين ينتفضون بمجرد سماع كلمة محضر.

وتبدأ »النصبة« على المواطن ـ بحسب وصفه ـ باصطحاب المحصل، زميلا له، على أنه أحد مفتشى الإدارة ويذهب للمشترك، ويبلغه بأنه مطالب بدفع الفواتير أو تحرير محضر ضده بقيمتها بالإضافة إلى غرامة 10 آلاف جنيه، وسيتم تحويل المحضر إلى النيابة خلال يومين.

وتابع المحصل: المواطن أمام »زنقة« الموقف بوجود مفتش من الإدارة وتحرير محضر، في حالة عدم الدفع يقضى ليلة لا يرى فيها النور أو الراحة، قبل أن يذهب في اليوم التالى لرئيس التحصيل وقدمه لا تقوى على حمله من الخوف.

وأضاف: عندما يلتقى المشترك برئيس التحصيل الذى يكون على علم بتحرير محضر شامل المديونية والغرامة منى فى الصباح ـ يبدأ المشترك بسيل من التوسلات خصوصا إذا كان من السيدات أو أصحاب المعاشات، حتى لا يتم تحريك المحضر إلي النيابة، وفي هذه الحالة يستغل رئيس التحصيل الموقف بإيهام المشترك أنه سيتحدث مع المحصل لرفع الغرامة وعدم تحريك المحضر، ولكن ذلك مقابل دفع ثلثى المبلغ، ولن تجدى قلة حيلة المواطن وعجزه عن توفير المبلغ كاملا، ورغبته في دفع نصف المبلغ لحين تدبير النصف الآخر.

وقد يلزم رئيس التحصيل المشترك على تحرير إقرار على نفسه مدون فيه جميع بياناته كاملة، وتقديم صورة من البطاقة الشخصية، التى قد تكون الفخ الذى يتم بها اصطياد المشترك بإيهامه، استخدمها فى عمل محضر تصالح، فى حين يتم استخدامها لعمل محضر رسمى ضده، وبعدها يتم تقطيع محضر الضبطية القضائية.

المحاضر المزورة

يوضح أحد المحصلين، طالبا عدم ذكر اسمه، أنهم أنواع هناك من »يركن قلبه على رف«، ويتعامل بهذه المحاضر المزورة بحسب قوله، لتحصيل الفواتير بأى طريقة، خصوصا فى المناطق الشعبية التى تكون أكثر عرضة للتهديد بالمحاضر، وبمجرد رؤيتها يهرول المشترك للسداد، وفي بعض الأحيان يطلب المواطن مهلة أسبوعا أو 10 أيام للدفع و»يكرمش إيده« بـ50 جنيها للمحصل مقابل عدم تحرير محضر.

وتابع: النوع الثانى من المحصلين يتعامل بهذه المحاضر فقط مع ميسورى الحال من المشتركين. أما »الغلابة« ـ على حد تعبيره ـ فيتفق معهم علي تسديد فاتورتين فى كل مرة لحين سداد قيمة الفواتير المتراكمة.

ويوضح المحصل: أن مشكلة تراكم الفواتير على المشتركين هى فى الأصل خطأ الشركة، التي تُجبر المحصل على توريد مبلغ معين يوميا، بما يصل فى نهاية الشهر إلى 100 ألف جنيه، وتحصيل 1500 فاتورة، وهناك مناطق ضعيفة الإيرادات، لا يمكن تحقيق هذا المعدل بها، ولأن رئيس التحصيل يرفض استلام الإيراد إذا كان أقل من المبلغ المحدد، وبالتالي خصم الحوافز بالكامل، لذا يلجأ المحصل إلى ترك منطقة ما، حوالي 3 شهور، بسبب ضعف الإيراد المحصل منها وليكن مثلا 3 آلاف جنيه يوميا، والذهاب لمنطقة عالية الإيراد عند التحصيل، حوالى 10 آلاف جنيه، وترك تلك المنطقة يعنى تراكم أكثر من فاتورة على المشتركين وبالتالى عند التحصيل تكون نسبة الإيراد أعلى ويتجنب المحصل الخصم.

الضبطية القضائية

عدد من المحصلين اعترضوا على توريط الشركة لهم فى استخدام وتحرير محاضر مزيفة للمشتركين، لكن كان الخصم من الراتب أو النقل لفرع بعيد أو حتى التهديد بالفصل هو رد إدارة الشركة عليهم.

أحد هؤلاء المحصلين يروى لنا أن هذه المحاضر الوهمية كادت تتسبب في اقتياده إلى قسم الشرطة، عندما وقعه الحظ مع أحد المشتركين »محامى« والذى استوقفه عند تحرير محضر الضبطية له، وسأله »انت معاك كارنيه ضبطية قضائية علشان تحرر هذا المحضر«، ولولا توسل هذا المحصل وتوضيحه للضغوط التي يمارسها عليه رئيسه لتوريد المبلغ المطلوب، لما تم إنقاذه من تحرير محضر ضده بانتحال صفة مأمور ضبط قضائى.

مخالفات مسئولين

اللافت أن عددا من قيادات الشركة ممن يحملون صفة الضبطية القضائية والتي تمكنهم من ضبط أى مخالفات وتحرير محاضر لأصحابها وإحالتهم للنيابة، من بين هؤلاء أصلا من يستحق متابعة عاجلة من الجهات الرقابية، لما تأكد من تورطهم في مخالفات مالية لا تجعلهم فوق مستوى الشبهات، أحدهم مدير عام حصل على مكافأة مالية من شركة الكابلات دون وجه حق، وأصدر تعليمات بتوزيعها على أعضاء اللجنة المشكلة من إدارة حماية الشبكات واشتراكات فرع »بهتيم« بالمخالفة للنظم واللوائح لكن الشئون القانونية رضخت لقرار مجلس الإدارة ولم تحول الواقعة للنيابة الإدارية، ورفضت محاسبته بحجة أن الأمر عديم الأهمية.

نموذج آخر لمدير عام أيضا لديه صفة الضبطية القضائية ويحاول التهرب من سداد مديونية لعداد المياه الخاص به تزيد قيمتها على 55 ألف جنيه، بادعاء أن العداد غير سليم! رغم فحص العداد بأجهزة حديثة مرتين بمعرفة الجهات الفنية بالشركة والتى أثبتت أن العداد سليم لكن مرة أخرى تتدخل الشئون القانونية بضغط من مجلس الإدارة لصالح المدير العام.

أصحاب الضبطية القضائية

المستشار محمد عيد محجوب مساعد أول وزير العدل يوضح مفهوم الضبط القضائى بأنه وفقا للأصل العام، فإن أصحاب الضبطية هم القائمون على تنفيذ أحكام قانون الإجراءات الجنائية وتحددهم المادة 23 من القانون، وهم أعضاء النيابة، وضباط وأمناء ومندوبو الشرطة، كما أن هناك جهات تتمتع بالضبطية القضائية كلا في اختصاصه مثل المخابرات العامة والمخابرات العسكرية والرقابة الإدارية ولكل منها قانون يحدد إطار عملها.

ويوضح مساعد أول وزير العدل، أن هناك ضبطية خاصة تصدر لبعض الفئات مثل التفتيش على التغذية بوزارة الصحة ومواجهة الغش في وزارة التجارة والصناعة أو التموين، وكذلك شركات الكهرباء ومياه الشرب، والصرف الصحى وغيرها وهذه فئات محددة يصدر بها قرار من وزير العدل، بالأسماء، بناء على طلب من الوزير المختص في إطار محدد، كل فى دائرة اختصاصه فقط، وبالطبع الجهات الرقابية تحاسب من يسىء استخدامها أو يخرج عن الإطار المحدد لممارسة صفة الضبطية القضائية.

ويؤكد المستشار محجوب: أنه لا يمكن لأى جهة كانت، منح موظفيها صفة الضبطة القضائية دون الاتفاق مع وزير العدل، وإذا كانت هناك جهة قد منحت موظفيها »الضبطية القضائية«، فإن هذا يشكل جريمة، موضحا أنه، من لم تصدر له ضبطية قضائية من وزير العدل فإن العمل المترتب على ذلك يصبح باطلا، وفى تلك الحالة فإنها تخضع للمحاسبة من قبل الجهة المراقبة لها وهى النيابة الإدارية التى من حقها أن تحيل الأمر إلى النيابة العامة فى حال المخالفة وتقوم الأخيرة بالتحقيق فى الواقعة التي يشترط فى إحالتها للمحاكمة توافر أركان مادية  ومعنوية وعند الوصول إلى عدم تمتع المستخدمين بالضبطية تتم الإحالة إلى المحاكمة.

انتحال الصفة

مصطفى الشيمى رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة لمياه الشرب، نفى كل ما ذكرناه عن إجبار المحصلين على استخدام محاضر مزيفة وانتحال صفة مأمورى الضبط القضائى وقال: »من يحصلون على صفة الضبطية القضائية هم من فى موقع مديرى عام الشبكات والتحصيل والاشتراكات والفروع والايرادات ويتم ذلك بقرار من وزير العدل ولا يحق للمحصل أن يقوم بتحرير أى محضر لأنه ليس لديه »الضبطية القضائية«.

رئيس الشركة بدا منزعجا وهو يقول: »حتة عيل محصل عنده 25 سنة ماينفعش اديله الضبطية القضائية، ولو كانت هناك محاضر يتم تحريرها بتكون باسم صاحب الضبطية القضائية المخول له هذه الصفة.

وعندما أكدنا لرئيس مجلس إدارة الشركة أنه يتم تداول محاضر الضبطية القضائية، بين المحصلين ويتم استخدامها على مستوى الفروع، قال »وإيه يعنى هو شايل مخدرات، هذا المحضر غير رسمى، والعبرة بمن يوقع علي هذه المحاضر، وهى مسئولية مديرعام الإيرادات.

حاولنا تفصيل الأمر مع رئيس الشركة وسؤاله عما إذا كانت محاضر الضبطية القضائية الرسمية ذات تسلسل رقمى، من عدمه، وما إذا كان يتم طبعها بمعرفة الشركة أو تصويرها خارجيا بالمطابع والمكتبات، لكنه رفض الإجابة مبررا ذلك بأنه لا علم له بتلك التفاصيل.

 

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE