الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 04:16 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 أسامة أيوب يكتب : الدستورى وغير الدستورى.. فى الضريبة العقارية

الأموال

استكمالا للحديث عن الضريبة العقارية والجدل المجتمعى الدائر بشأنها.. فإنه يمكن القول بداية وبكل وضوح أن إقدام الحكومة المفاجئ فى هذا التوقيت علي جباية هذه الضريبة وبأثر رجعى عن خمس سنوات مضت.. إنما يعكس فى حقيقة الأمر تقصيرا متراكما من جانب الحكومات السابقة المتعاقبة طوال تلك الفترة في الوقت الذى تقرر فيه الحكومة الحالية تحميل المواطنين الخاضعين للضريبة تبعات هذا التقصير بإلزامهم بالسداد الفورى عن تلك السنوات.

قرار الحكومة الحالية المفاجئ وحسبما أعلنت جاء تنفيذًا للقانون الصادر عام 2013 والذى ظل معطلا أو بالأحرى غير مفعل طوال الخمس سنوات الماضية، والمثير أن ذلك القانون جاء تعديلا لقانون صادر عام 2008 عندما كان بطرس غالى وزيرا للمالية وقد ظل معطلا أيضا طوال خمس سنوات، إذ من المعلوم أنه لقى معارضة مجتمعية شديدة في ذلك الوقت وكان من بين المعارضين والد الوزير ذاته حسبما أعلن الوزير ذلك فى حديث صحفى، مع ملاحظة أن تلك المعارضة لم تكن السبب الوحيد في تعطيله، بل الحقيقة أن الحكومة لم يكن لديها آلية لحصر وتسجيل العقارات حتى يمكنها تحصيل الضريبة المستحقة حسبما سنوضح لاحقا.

< < <

وإذا كانت فلسفة التعديلات التى تضمنها قانون عام 2013 هى مراعاة ارتفاع أسعار العقارات والوحدات السكنية ما بين عامى 2008 و2013، حيث ارتفع حد الإعفاء إلى مليونى جنيه بدلا من 600 ألف جنيه فى القانون الأول، فإنه يبقي السؤال الحائر لماذا انتظرت الحكومات وتراخت طوال الخمس سنوات الأخيرة عن تحصيل الضريبة ثم تذكرتها فجأة، ثم يبقى تساؤل آخر مشروع ومنطقى وهو لماذا قررت الحكومة تحصيل الضريبة بأثر رجعى منذ عام 2013، ألم يكن بالمنطق وبدواعى المواءمة تطبيق القانون من السنة الحالية قياسًا على عدم المطالبة بتحصيل الضريبة  منذ2008 أى منذ صدور القانون الأول؟!

< < <

أما لماذا ظل قانونا عامى 2008 و2013 معطلّين طوال السنوات العشر الماضية.. الإجابة فى السر الحقيقى الذى كشفه لى أحد الخبراء وهو أن الحكومة ليس لديها ما يسمى بـ»السجل العينى« والذى يتضمن حصرًا لتاريخ كل عقار فى مصر، والذى علي أساسه يتم تحديد قيمة كل عقار ومن ثم تحديد الخاضعين وغير الخاضعين للضريبة العقارية والتي كان يطلق عليها سابقًا »العوايد«، ولذا فإن افتقاد الحكومة لهذا السجل العينى والذى يعكس إهمالاً وتقصيرًا هو السبب فى هذا الارتباك وذلك الجدل بقدر ما تسبب في إرهاق وتعذيب غير الخاضعين لهذه الضريبة.

< < <

غيبة السجل العينى هو الذى يُفسر هذا التوتر وتلك العصبية من جانب الحكومة في سعيها لجباية الضريبة، حيث لجأت إلى ترويع المواطنين وتهديدهم بفرض غرامة التأخير على المتخلفين عن التقدم طواعية لمأموريات الضرائب العقارية سواء للسداد أو للحصول علي الإعفاء!

هذا التهديد بفرض الغرامة يعنى أن مصلحة الضرائب فى واقع الأمر لا يمكنها الوصول إلى الخاضعين للضريبة وكذلك غير الخاضعين وعلى نحو دقيق، ولذا فإنها بمطالبتها للجميع بالتقدم للمأموريات التابعين لها إنما تسلك مسلكا احترازيًا لإجبار ملاك العقارات بمن فيهم غير الخاضعين على تسليم أنفسهم للحصول على الإعفاء وهو إعفاء لا يخلو من منافع تتمثل في قيمة الرسوم التى يدفعها الحاصلون على شهادة بالإعفاء!

< < <

ثم إنه بدا واضحًا من توتر الحكومة من ضيق مساحات وأماكن مأموريات الضرائب العقارية أنها غير مستعدة وليس لديها آليات لائقة وميسرة للتعامل مع المتقدمين إليها وهو ما اشتكى منه المواطنون سواء من حيث الازدحام الشديد والطوابير الطويلة أو المبالغة فى كم المستندات المطلوبة منهم وكأنهم يطلبون دعمًا ولا يدفعون أموالا للحكومة، وهو الأمر الذى تداركته وزارة المالية أخيرًا بفتح مصلحة الخزانة كبديل لمأموريات الضرائب.

> > >

وفى نفس الوقت فإن ثمة خدعة خفية فى قانون هذه الضريبة كشفها بالمصادفة حديث للسيدة رئيسة الضرائب العقارية وهى أنه بينما يتم إعفاء العقار أو السكن الخاص الذى لا تزيد قيمته على مليونى جنيه، فإن من يمتلك مسكنين تقل قيمتهما عن ذلك، فإنه يتم إعفاء أحدهما فقط حتى لو كان مجموع قيمة المسكنين وعلى حد تعبيرها مائتى ألف جنيه فقط، حيث عللت ذلك بأن إعفاء السكن الخاص لا ينطبق إلا على مسكن واحد فقط مهما قلت قيمته!! وهو أمر ينطوى على تناقض قانونى ويتعارض مع مبدأ العدالة والمساواة بقدر ما يمثل جورًا على الفقراء والأقل ثراءً.

< < <

اللافت فى تطبيق هذه الضريبة هو ما يتعلق بالرأى الشرعى الدينى، حيث يعترض بعض علماء الأزهر ومن بينهم الدكتور مبروك عطية على هذه الضريبة باعتبارها غير جائزة شرعًا واجتماعيًا، فى نفس الوقت الذى تحفَظ فيه الدكتور على جمعة المفتى الأسبق فى إجابته على سؤال تليفزيونى إذ قال إنه لا يفتى بعدم جوازها وأنه شخصيًا يلتزم بسدادها وإن كان رأيه الشخصى هو الاعتراض عليها. بينما أكد الدكتور شوقى علام المفتي الحالى بأن من يتهرب من دفعها فهو آثم.

< < <

اللافت أيضا هو هذا الجدل القانونى الدائر حول دستورية هذه الضريبة، إذ بينما تؤكد الحكومة وفريق من فقهاء القانون والدستور أنها دستورية، فإن فريقا آخر من الفقهاء الدستوريين يؤكدون عدم دستوريتها، إذ لا ضريبة إلا على معاملات تجارية أو مال جار.

وبصرف النظر عن هذا الجدل الدستورى، وحتى مع الأخذ بدستورية هذه الضريبة، فإنه يبقي مؤكدا أن غير الدستورى فى تطبيقها هو آلية تعاطى الحكومة معها، إذ كان يتعين عليها قانونًا أن تتوصل إلى الخاضعين لها وإخطارهم لتحصيلها وتحذيرهم من غرامة التأخير، وأيضا إلى غير الخاضعين حتى تجنبهم المشقة والعنت والإرهاق لإثبات استحقاقهم للإعفاء، وفقًا لقاعدة أن طالب الحق هو من يسعى للحصول عليه والوصول إليه فى الوقت الذى تطالب فيه الحكومة من ليس لديها حقوق عليهم لإثبات ذلك.

< < <

يبقي واضحًا أن ثمة تشوهات فى هذا القانون وفى تطبيقه وعلى الحكومة ممثلة في وزارة المالية معالجة هذه التشوهات.. لذا لزم التنويه.

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE