الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 06:15 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : في جريمة مذيعة فيديو أطفال التهريب.. عندما يتبدّى الجهل الإعلامى وتتفجّر قضية الفقر

الأموال

رغم أن عاصفة الغضب المجتمعى التي أثارها "الفيديو" المتداول للأطفال المتهمين بالتهريب في بورسعيد قد تكون هدأت ـ كالمعتاد ـ بعد مرور أكثر من أسبوعين على الواقعة، إلا أنه يبقي ضروريًا التوقف طويلا أمام القضية الخطيرة التى تفجرت على ألسنة هؤلاء الأطفال، بقدر ضرورة التوقف أيضًا أمام تلك الجريمة القانونية والإنسانية والفضيحة الإعلامية التى ارتكبتها السيدة التي قامت بدور المذيعة.

وإذا كان الرأى العام قد أدان هذه »المذيعة« في ذلك »الفيديو« مرة، فإن حديثها الذى استمعت إليه بالمصادفة الأسبوع الماضى في برنامج العاشرة مساء قد أكد إدانتها ألف مرة، رغم محاولتها البائسة واليائسة لتبرئة نفسها من ارتكاب جريمة.. متعللة بأن ما قامت به كان بتكليف رسمى من المحافظة التى تعمل بها فى إدارة الإعلام »وإن لم أتبين هل التكليف من هذه الإدارة أو من المحافظ شخصيًا«.

المفاجأة التى فجرتها هذه السيدة هى أن تسجيل هذه المقابلة التليفزيونية مع الأطفال تم في حضور ممثلى عدة جهات رسمية.. ذكرت منها رجال الأمن ومديرية التضامن الاجتماعى ولجنة حماية حقوق الطفل، وهو الأمر الذى جعلها لا تُدرك أن ما جرى كان جريمة!

ومع ذلك فإن عددًا من كبار المحامين الذين أجروا مداخلات هاتفية مع البرنامج أكدوا لها مسئوليتها عن تلك الجريمة، إذ إن الجهل بالقانون لا يعفي من المسئولية، كما أن حضور ممثلى الجهات الرسمية للتسجيل لا ينفي مسئوليتها أيضًا باعتبار أنه وفقًا للقاعدة القانونية فإن الجريمة شخصية وكذلك العقوبة، ثم إن الإجراء القانونى والقضائى مع هؤلاء الأطفال هو تسليمهم لذويهم بينما عقوبة »المذيعة« الحبس ما بين 24 ساعة حتى ثلاث سنوات.

< < <

ثم إنه تبقي المسئولية القانونية ـ إضافة إلى المسئولية الأخلاقية ـ لممثلى الجهات الرسمية الذين حضروا ارتكاب هذه الجريمة، إذ إنهم يعلمون بالضرورة أن ما جرى جريمة قانونية بكل المقاييس، ومن ثم فإنه يتعين مساءلة ومحاسبة هؤلاء الذين أحضروا الأطفال وهم مُقيدون في السلاسل الحديدية لتسجيل هذا الحوار التليفزيونى.

إن كل هؤلاء وعلى رأسهم محافظ بورسعيد يعلمون أن ما جرى مخالف للقانون وجريمة في حق الأطفال، وإذا كان المحافظ حسنًا فعل عندما بادر فور تداول »الفيديو« بالاعتذار، فإن الاعتذار غير كاف ولا يعفيه من المسئولية بل المساءلة إذ لا أحد فوق القانون، خاصة أنه أو أحد مساعديه هو من كلَّف هذه السيدة الموظفة بإدارة الإعلام لإجراء هذا الحوار مع الأطفال.

< < <

وبصرف النظر عن الجهل بالقانون الذى تتعلّل به من قامت بدور المذيعة فى ارتكابها تلك الجريمة، فإن الجهل بأبسط القواعد المهنية الإعلامية تبدّى واضحًا فى إدارتها للحوار مع الأطفال وعلي النحو الذى أوقعها في ارتكاب فضيحة بل جريمة إعلامية مهنية كاملة الأوصاف وبكل المقاييس حتى بمقياس المحافظ ذاته والذى تضمن اعتذاره الاعتراف بأنها تفتقد الكفاءة الإعلامية، وهو اعتراف يحمّله المسئولية عن تكليفها بإجراء الحوار بل يحمّله أيضا المسئولية عن إلحاقها بالعمل أساسًا فى إدارة الإعلام التابعة له.

<< <

لقد تبدّى وتجلّى جهل هذه التى قامت بدور المذيعة الإعلامى في لغتها الاستعلائية وكأنها من بلد آخر غير مصر، وفي أسئلتها الاستفزازية للأطفال المتهمين بالتهريب، حيث تلبّست أدوار وكيل النيابة والقاضى والجلاد فى وقت واحد وانهالت عليهم بالاتهام والإدانة والإهانة بكل قسوة فى تشهير وتجريس غير أخلاقى قبل أن يكون غير قانونى.. لا يجوز إنسانيًا مع من هم في مثل أعمارهم وفى مثل أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية البائسة.

هذا الأداء الاستعلائى الاستفزازى غير المهنى وغير الإنسانى عكسه رد فعل الأطفال بذكاء فطرى بدا في ابتساماتهم الساخرة الموحيّة وفي ردودهم علي أسئلتها واتهامها لهم بالكسب الحرام وأنهم يضرون مصلحة البلد، خاصة عندما أجابها الطفل محفوظ هل حصولهم على 150 جنيها من التهريب هو الحرام وهو الذى يضر البلد، بينما التهريب بالملايين والذى يتم علنًا مع »السلام عليكم« ليس حرامًا ولا يضر البلد! ثم إنه في اختصار فطرى بالغ الدلالة يقول لها »الغلابة بس اللي تقدروا عليهم«!< < <

لقد كانت أبسط قواعد المهنية في مثل هذا الحوار تقتضى مناقشة الأطفال حول أوضاعهم الأسرية والاقتصادية والأسباب التي دفعتهم لهجرة قراهم فى الصعيد والمجىء إلى بورسعيد، ثم ما الذى اضطرهم للعمل مع المهربين، ثم هل مبلغ الـ150 جنيها يوميًا حصيلة عملهم في التهريب تكفي احتياجاتهم واحتياجات أسرة أحدهم (أم وثلاث بنات) ولو أتيحت لهم فرصة عمل شريف مقابل هذا المبلغ هل يقبلون بها.. وهكذا.

ثم إنه كان منطقيًا وضروريًا حتى تستكمل »المذيعة« معالجة القضية من كل جوانبها أن تتوجه بسؤال للمسئولين عن الأمن والجمارك عن هؤلاء المهربين الكبار وكيف يفلتون بجرائمهم ولا يتم ضبطهم ومحاكمتهم مثلما حدث مع هؤلاء الأطفال البؤساء الذين يستخدمهم كبار المهربين المعروفين للجميع فى بورسعيد.

< < <

المثير حقًا أن هذه السيدة ورغم عاصفة الغضب التى أثارها حوارها مع الأطفال بطول البلاد وعرضها وفي مغالطة فاضحة تتهم من أسمتهم بأصحاب المصالح من كبار المهربين بأنهم وراء الحملة ضدها لذبحها!

< < <

بهذا الجهل الإعلامى وأبسط القواعد المهنية التى لا تعترف به رغم اعتراف المحافظ ذاته وبشهادة الذين شاهدوا »الفيديو«، فإن هذه السيدة التى قامت بدور المذيعة تزعم أنها أرادت توصيل رسالة بهذا الحوار مع هؤلاء الأطفال المهربين!

غير أن الحقيقة هى أن الرسالة التى وصلت كانت علي العكس تمامًا مما زعمت أو بررّت، إذ إن الرسالة كانت إدانة للدولة وللمجتمع كله بقدر ما فجرّت قضية الفقر والعوز الذى يعانيه غالبية المصريين خاصة في الصعيد الذى تعرض للإهمال لعقود طويلة وهو ما يدفع مثل هؤلاء الأطفال لهجرة قراهم للبحث عن أى فرصة عمل لكسب لقمة العيش لهم ولأسرهم الفقيرة.

< < <

الرسالة الحقيقية التى وصلت التى بعث بها الطفل الصعيدي السوهاجى هى هذه الكلمات الفطرية البسيطة بالغة الدلالة التي نطق بها فى مواجهة المذيعة »إنتى ماحساش بالناس« وهى رسالة موجهة للدولة وللمجتمع المصرى كله.

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE