الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 06:49 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب :أزمة ترامب مع أوروبا.. بين الحرب التجارية والإنفاق العسكرى ”للناتو” (1)

الأموال

منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة كان واضحا أنه مصمم على إعادة صياغة علاقات أمريكا التجارية بشركائها، وبالكبار منهم خصوصًا، وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبى، بما يؤدى إلي تقليص جذرى للعجز التجارى الأمريكى تجاه الخارج (أكثر من 750 مليار دولار) من خلال إجراءات حمائية مختلفة، فى مقدمتها فرض رسوم جمركية مؤثرة على الواردات، وتقديم تسهيلات وإغراءات ضريبية لرءوس الأموال الأمريكية فى الخارج لتشجيعها على العودة إلى الوطن وتنشيط الصناعات التى هجرتها رءوس الأموال هذه وهربت إلي الخارج بحثًا عن الأيدى العاملة الرخيصة والضرائب المنخفضة، مما أدي إلى إغلاق عديد من مصانع السيارات والسلع المنزلية المعمرة كالثلاجات والغسالات وأجهزة التليفزيون.. إلخ إلخ.. وهدّد ترامب هذه الشركات بأنه سيفرض على منتجاتها فى الخارج نفس الجمارك والقيود التى سيفرضها على السلع الأجنبية، مادامت لا تسهم في خلق فرص عمل في أمريكا.

وبمجرد توليه السلطة أعلن ترامب انسحاب أمريكا من »اتفاقية المناخ« الدولية بما تتضمنه من قيود والتزامات بيئية وصحية تؤدى إلى ارتفاع تكلفة إنتاج بعض السلع، كما أعلن انسحاب بلاده من »اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادى«.. ووقف المحادثات مع الاتحاد الأوروبى من أجل »اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسى«.. وغير ذلك من الإجراءات التى أثارت مخاوف واسعة في الأسواق العالمية.. وكان من الطبيعى أن تثير توترًا في العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وعدد من حلفائها، وهو توتر زادته تصريحات ترامب العدائية التى أخذ يوزّعها ذات اليمين وذات الشمال.

وتعتز »الأموال« بأنها كانت سباقة إلى تناول هذه القضية ذات الأهمية البالغة في أكثر من دراسة ومقالة حملت أولاها عنوان »هل يشعل ترامب الحرب التجارية العالمية؟« ونشرت فى جزءين بعد أسابيع من تولي ترامب الحكم، وذلك فضلا عن تقارير وموضوعات صحفية عديدة.

وكنا قد كتبنا بالتفصيل عن مشكلة الفائض التجارى الأوروبى مع الولايات المتحدة، حينما اتخذ ترامب قراره بفرض رسوم جمركية علي واردات أمريكا من الصلب »25%« والألومنيوم »10%« وهدّد الاتحاد الأوروبي وقتها بفرض رسوم انتقامية، فهدد ترامب بفرض رسوم قدرها (20%) علي واردات السيارات الأوروبية إلي أمريكا.. لكن ذلك لم يمنع الأوروبيين من فرض رسوم انتقامية على بعض السلع الأمريكية بالفعل، حينما بدأ سريان الرسوم الجمركية الأمريكية علي واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، مما أدى إلى زيادة التوتر في العلاقات بين الطرفين، وخاصة بين واشنطن وبرلين، حيث بلغ العجز التجارى الأمريكى مع ألمانيا نحو 70 مليار دولار.

ونود أن نتوقف هنا أمام الأزمة التى أثارها ترامب مع حلفائه الأوروبيين الأعضاء في حلف شمال الأطلنطى »حيث إن الأغلبية الساحقة من أعضاء الاتحاد هم أيضا أعضاء في الحلف باستثناء السويد وفنلندا والنمسا وأيرلندا«.. إذ يطرح ترامب منذ توليه السلطة موضوع أن أمريكا تتولى حماية أوروبا، وتنفق أكثر من 70% من إجمالى نفقات »الناتو«.. وأن هذا كلف أمريكا كثيرًا، ولايزال يكلفها، بينما تتقاعس أوروبا عن المشاركة بنصيبها المناسب في الإنفاق على حماية نفسها.. ليس هذا فحسب، بل وتتعامل بطريقة »غير عادلة« مع أمريكا في مجال التبادل التجارى، فتحقق فائضًا تجاريًا يصل إلى حوالى 150 مليار دولار.

ولا يريد ترامب أن يرى أى علاقة بين تفاقم العجز التجارى لبلاده وبين تراجع قدرتها التنافسية، ولا الجشع الاستهلاكى الشديد للسوق الأمريكية.. بل يطرح المسألة باعتبار أن الإنفاق الدفاعى الهائل لأمريكا (موازنتها العسكرية 700 مليار دولار هذا العام) وأنانية الأوروبيين المتمثلة فى ضآلة إنفاقهم الدفاعى (1.43% من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل حوالى 4% للولايات المتحدة).. وفى الشروط »غير العادلة« للتبادل التجارى، هى السبب فى تحقيقهم فائضًا تجاريًا كبيرًا مع أمريكا.. ولذلك فهو يصر على فرض رسوم جمركية حمائية عالية ضد السلع الأوروبية »وغيرها«، بالإضافة إلى ضرورة رفع الإنفاق الدفاعى الأوروبى في إطار حلف الأطلنطى إلي (2%) علي الأقل بحلول عام 2024.. وإلى (4%) أسوة بالولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن.

دول الاتحاد الأوروبى الأطلسية وافقت ـ تحت الضغط الأمريكى الشديد ـ على رفع إنفاقها الدفاعى تدريجيًا إلى (2%) بحلول 2024.. لكن من المشكوك فيه أن تستجيب هذه الدول لطلب ترامب بأن توجه هذه الزيادة لشراء الأسلحة الأمريكية بالذات، حيث إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بصفة أساسية لديها صناعات عسكرية متطورة.. وهى إذا زادت إنفاقها الدفاعى فإنها ستركز على أن تذهب هذه الزيادة لشراء منتجاتها العسكرية بالذات (طائرات وغواصات ودبابات وصواريخ مختلفة الأنواع، ومدفعية وإلكترونيات.. وغيرها) وليس الأسلحة الأمريكية.. وسيكون هذا موضوعا للشد والجذب خلال السنوات القادمة.

علمًا بأن زيادة الإنفاق العسكرى ليست مجرد قرارات سياسية أو إدارية بسيطة.. فزيادة الإنفاق العسكرى تؤثر على الاستثمار وعلى حالة الرفاهية الاجتماعية العامة (وهذا أمر لا ينبغى نسيانه إطلاقا) وبالتالى فإنها ستخضع للمساومات الحزبية والبرلمانية فى توجيه بنود الموازنة العامة.. في دول تدار بأسلوب ديمقراطى، وليس بالأوامر الإدارية.. علمًا بأن تقليص الإنفاق الاستثمارى والاجتماعى يمكن أن يؤدى لإسقاط حكومات أو فقدان أحزاب للأغلبية البرلمانية.. إلخ.. ولذلك كله فإنه ليس من المؤكد إطلاقا أن يتحقق هدف الوصول بالإنفاق العسكرى إلى (2%) من الناتج المحلى الإجمالى فى جميع دول »الناتو« الأوروبية بحلول عام 2024.

أما الوصول بالإنفاق العسكرى إلى (4%) من الناتج المحلى الإجمالى لدول »الناتو« الأوروبية فيبدو هدفًا أبعد مثالا بكثير لما له من تأثير ضخم علي الاقتصاد »الاستثمار بالذات« وعلى الرفاهية الاجتماعية.. ولنا أن نتخيل، وبغرض ثبات الناتج المحلى الإجمالى لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى عند (19 تريليون دولار تقريبا) أن إجمالى ما تنفقه دول الاتحاد الأوروبى على الدفاع يبلغ حاليا حوالى (260 مليار دولار + 1.43% من الناتج المحلى) مطلوب زيادتها إلى (حوالى 750 مليار دولار) بفارق (500 مليار دولار) يتم خصمها من الإنفاق الحكومى الاستثمارى والاجتماعى فى الدول الأوروبية!!.. أو بكلمات أخرى مضاعفة الإنفاق العسكرى إلى ثلاثة أمثاله!!

هذا أمر يستحيل أن توافق عليه الشعوب الأوروبية إلاّ فى حالة حرب فعلية، أو على الأقل تصاعد كبير جدًا للتوتر ينذر بوقوع حرب واسعة النطاق أو شاملة.. وهو أمر لا تلوح بوادر له..

ومن ناحية أخرى فإن النطاق الإمبراطورى (العالمى) للمصالح الاستراتيجية والعسكرية الأمريكية، وبالتالى لانتشار قواتها حول العالم، ومنافستها لروسيا والصين.. إلخ يفرض عليها إنفاقًا عسكريًا (إمبراطوريًا) كذلك.. وهو ما لم ينطبق على دول أوروبا الأعضاء فى »الناتو«.. وبالتالى فليس من المنطق مطالبة تلك الدول بنسبة إنفاق عسكرى كتلك التى تدفعها الولايات المتحدة.. علمًا بأن الولايات المتحدة تحقق مكاسب من وضعها (الإمبراطورى) هذا تجعل من إنفاقها الضخم عليه مبررًا.. وهو ما لن يتحقق لدول أوروبا، حتى الكبرى منها..

(وللحديث بقية)

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE