الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 02:46 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

اسامة أيوب يكتب .. السياسى والرياضى فى ”مونديال” روسيا

الأموال

فازت فرنسا بالكأس وبأبناء المهاجرين

رغم أنى لست من هواة كرة القدم أو من متابعيها، إلا أننى وسط الزخم الرياضى الإعلامى والشعبى المحلى والدولى لذلك »المونديال« الأخير الذى استضافته روسيا لمدة شهر كامل.. وجدتنى مدفوعًا إلى متابعة ذلك الحدث الكبير.. متابعة نتائج المباريات علي الأقل..

لقد بدا »المونديال« الذى فازت به فرنسا أكبر بكثير من مجرد مسابقة لكرة القدم.. بقدر ما بدا حربًا عالمية اختلطت فيها الرياضة بالسياسة والقضايا الإنسانية، وإن اقتصرت أسلحتها على المهارات الفنية الكروية واللياقة البدنية.

< < <

وبعيدًا عن التحليل الكروى والجانب الرياضى، فإن اللافت سياسيًا وإنسانيًا فى هذا الحدث العالمي هو أن قضية المهاجرين ومن ذوى الأصول الإفريقية والمثارة بشدة سياسيًا وإعلاميًا في دول الاتحاد الأوروبى على وجه الخصوص ومن بينها فرنسا الفائزة بكأس العالم في هذه الدورة.. قد ألقت بظلالها علي هذا »المونديال« وإن كان بصورة معكوسة أو لنقل مغايرة.

< < <

ففى الأعوام القليلة الماضية شكّلت قضية المهاجرين واحدة من أهم القضايا الخلافية في أوروبا ومكنت اليمين المتطرف من استغلالها والصعود السياسى في عدد من دول القارة العجوز وعلى النحو الذى أحدث تباينًا حادًا في المواقف السياسية وبات يهدّد بانقسام حقيقى داخل الاتحاد الأوروبى والذى اختار البريطانيون الخروج منه.. تخوفًا من التغيرات التى قد يحدثها المهاجرون في بلادهم.

بل إن أزمة المهاجرين كادت تطيح مؤخرًا بحكومة المستشارة أنجيلا ميركل، وفى فرنسا كادت زعيمة اليمين المتطرف »مارى لوبان« المعروفة بتوجهاتها المناهضة للهجرة أن تصل العام الماضى إلى قصر الإليزيه بعدما حصلت على ثلث أصوات الناخبين وهو الأمر الذى يعكس تزايد رغبة الفرنسيين في الحد من وجود المهاجرين في بلدهم.

< < <

غير أن الفرنسيين أنفسهم وجميعهم توحدوا فى »المونديال« الأخير خلف لاعبي منتخبهم الكروى الذى حقق الفوز بأكبر لقب رياضى فى العالم للمرة الثانية فى تاريخ المسابقة، وهو الفوز الذى تحقق علي أيدى أو بالأحرى بأقدام (17) لاعبا فرنسيا من أبناء المهاجرين يمثلون (75%) من تشكيل الفريق المعروف باسم »الديوك«.

< < <

لقد تراجعت بفعل وبفضل »المونديال« والفوز باللقب قضية المهاجرين تراجعًا كبيرًا، وهتف الفرنسيون بأسماء هؤلاء اللاعبين.. ناسيين أو متناسين أصولهم الإفريقية مثلما مثلوا قبل عشرين عاما حين حقق »الديوك« فوزهم بكأس العالم لأول مرة عام 1998 بقيادة أبناء المهاجرين وفى مقدمتهم زين الدين زيدان ووقتها ترددت العبارة الشهيرة.. لقد تحولت ألوان العلم الفرنسى من الأزرق والأبيض والأحمر إلى الأسود والأبيض والعربى.

< < <

اللافت أيضًا هو أن الأصول الإفريقية ليست فقط ما اتسمت بها تشكيلة المنتخب الفرنسى المتنوعة، بل كانت الديانةالإسلامية حاضرة أيضًا بوجود أكثر من لاعب مسلم مثل »مبابى كيليان«، و»نجولى كانتى«، وعادل رامى و»بول بوجبا«، و»عثمان ديمبلى« والذى تبرّع بقيمة جائزة الفوز لبناء مسجد فى مسقط رأس والدته »فاطمة عثمان« بقرية »جاكيلى« جنوب شرق موريتانيا.

< < <

المثير أن أحد هؤلاء اللاعبين »مبابى« المولود في مدينة »أبفيل« والتي تعد أحد معاقل اليمين الشعبوى في فرنسا كان سببًا فى تحول مواقف غالبية أبناء المدينة من العداء للمهاجرين إلي الإعجاب بابن مدينتهم والشعور بالفخر حتي وإن ظلت بعض المواقف والأفكار العنصرية تطغى علي البعض ومعظمهم من كبار السن.

< < <

البعد السياسى كان حاضرًا بقوة فى »مونديال« هذا العام خاصة فى الجانب الفرنسى، إذ لم يغب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون »39 عاما« عن ذلك المشهد وحضر مباراة نصف النهائى ثم المباراة النهائية والتقطت الكاميرات سعادته بالفريق وهو يقفز فوق كرسيه ويرقص مع كل هدف من الأهداف الأربعة التى أحرزها المنتخب الفرنسى في مرمى منتخب كرواتيا والذى حقق إنجازًا كبيرًا لا يقل عن إنجاز فرنسا بوصوله للمرة الأولى للنهائيات.

وفى لقطة لا تخفى دلالتها السياسية والإنسانية قبل الرياضية.. ظهر ماكرون فى تسجيل »فيديو« تداولته المواقع فى العالم وهو يرقص مع اللاعبين.. مقلدًا الحركات الراقصة الشهيرة للاعب الإفريقى »بول بوجيا«.. مرددًا.. تحيا فرنسا.

> > >

الملاحظ أيضًا أن اللاعبين من أبناء المهاجرين لم يكونوا فقط قادة فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم، ولكنهم كانوا أيضًا وراء تأهل المنتخبات الأوروبية لمونديال هذا العام مثل نجم المنتخب البلجيكى من أصول كونغولية.

< < <

ورغم تعليق السياسى الفرنسى اليمينى المتطرف جان مارى لوبان الزعيم السابق للجبهة الوطنية والذى خلفته ابنته مارين لوبان والتى خسرت الانتخابات الأخيرة أمام ماكرون.. رغم تعليقه بعد فوز المنتخب الفرنسى بقوله »عندما أرى المنتخب الفرنسى لا أشعر بأننى أميّز فرنسا أو نفسى شخصيًا« وهى العبارة التي أثارت انتقادات واسعة لما تمثله من تميز عنصرى وكراهية للمهاجرين والتى بدت محاولة لإفساد فرحة الشعب الفرنسى كله..

رغم هذا التعليق العنصري والرافض لتشكيل المنتخب الفرنسى من لاعبين من أبناء المهاجرين، إلا أن أبلغ رد على »لوبان« جاء علي لسان مهاجم الفريق الفرنسى الأصل »أنطوان جرينزمان« عندما أشاد بزملائه وقال: هذه هى فرنسا التى نحبها.. لدينا أصول مختلفة ولكننا جميعا متحدون.

< < <

لقد فازت فرنسا فى هذا »المونديال« مرتين.. الأولى بحصولها على اللقب والثانية بالانتصار على التمييز العنصرى وكراهية المهاجرين وأبناء المهاجرين.. واستحقت أن تكون فرنسا الحرة.. بلد الحرية والعدالة والمساواة.

 

 

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE