شريف عبد الفهيم يكتب .. الموظفون في الأرض
في البداية أعتذر عن استعارة اسم الرواية العظيمة التي كتبها أديب نوبل نجيب محفوظ »الموظفون في الأرض«، ولكن لم أجد ما يعبر عن حال كل موظفي مصر الآن إلا هذا الاسم، فلقد صار فعلاً كل موظفي مصر في الأرض بل تحت الأرض إن صح التعبير، فالأسعار أصبحت لا تحتمل والدخول ثابتة أو تتحرك كالسلحفاة، وصار الفارق بين ارتفاع الأسعار وارتفاع الدخول كمسابقة تجري بين سلحفاة وصاروخ توما هوك، وصارت الخيالات في القصص التي كنا ننام عليها ونحن صغار حقيقة واقعة بل كابوساً يعيش فيه كل موظف كتب عليه الله أن يكون ضمن مصفوفة العمل الإداري في الحكومة، وبحسبة بسيطة نكتشف الفارق الشاسع بين دخل أي موظف حكومي والأسعار التي استعرت بشكل جنوني، والأمثلة كثيرة أمامنا، فلو كان دخل الموظف مثلاً 3 آلاف جنيه وهو ما يحصل عليه بعد مدة عمل في الحكومة لا تقل عن 25 سنة، فلو كان عنده ولدان في الدراسة يركبان مواصلات للذهاب إلى المدرسة فكل ولد منهما يحتاج يومياً إلى 20 جنيهاً على الأقل مصروف يد كي يستطيع أن يركب ويذهب إلى المدرسة، وهو ما يعني ألف جنيه تقريباً شهرياً، أي ثلث الدخل، ولو افترضنا أنهم يأكلون اللحم 4 مرات شهرياً أي 600 جنيه بالسعر الجديد، ولو مثلها الفراخ أو السمك، فهذا يعني 300 جنيه أخرى، وبالطبع لن تكون هذه المرات الثمانية دون خضار أو أرز أو أي أكل بجانبها وهو ما يضيف من 30 إلى 50 جنيهاً أخرى لكل وجبة أي في المتوسط 300 جنيه فتكون حسبة طعام ثمانية أيام فقط في الشهر 2200 جنيه، يتبقى من المرتب 800 جنيه مطلوب من الموظف أن يحيا بها 22 يوما يأكل ويشرب هو وأولاده ويدفع منها ثمن الدروس الخصوصية، ومواصلاته في الذهاب للعمل وغيرها من المصاريف التي تطرأ على حياة المصريين يومياً دون أي مناسبة.
المثير في الأمر أن كل المسئولين الذين يبررون الزيادة الرهيبة في الأسعار لا يشعرون بكل هذا فهم يتنقلون بسيارات الحكومة التي توفرها لهم دون أن يدفعوا مليماً في عملية التنقل، وليس هم فقط ولكن يستغلون السيارات في تنقل أسرهم أيضاً، ثم يحضرون اجتماعات ينالون عليها بدلات تعادل مرتبات مئة موظف، ليخرجوا في النهاية بقرارات وتبريرات لزيادة الأسعار. وفي النهاية »إحنا اللي بنحاسب على المشاريب اللي شربها صاحب القهوة«.
