الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 06:05 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: البكاء على المونديال.. أم على الأحوال؟

الأموال

 

لم يكن الخروج المبكر لمنتخبنا القومى من تصفيات المونديال بالأمر المفاجئ.. والذين يتحدثون بطريقة »جنرالات المصاطب« عن »لعنة الدقيقة الـ90« وكيف أننا كنا نحاصر روسيا طوال الشوط الأول لكن »الحظ« حال بيننا وبين تسجيل الأهداف.. إلخ إلخ.. حديثهم غير جدّى.. ولا يفسِّر عجز لاعبينا عن ترجمة هجومهم إلى أهداف بينما ينجح الآخرون.. وحبنا لوطننا، وأملنا فى أن ينتصر منتخبنا، وأن ترتفع راية مصر لا ينبغي أن يحجب عن أعيننا حقيقة أن هناك فارقًا في المستوى الفنى واللياقة البدنية بين لاعبينا ولاعبى الفريقين اللذين خسرنا أمامهما..

كاتب هذه السطور ليس ناقدًا كرويًا.. وبديهى أن مهمة هذا المقال ليست تحليل أى مباراة، وإنما توضيح حقيقة أننا إذا كنا نحب وطننا، ونتمنى له النصر فى أى مجال من المجالات فلابد أن نضع الأسس العلمية والموضوعية الضرورية لصنع التقدم، ومن ثم النصر، في هذا المجال، وبناء على المقدمات تجىء النتائج.. فالمسألة ليست أن نهتف باسم مصر ولو مليون مرة، وأن نقدم أمنياتنا باعتبارها حقائق، ونحسب حسابات ساذجة من نوع أن الحظ لو حالفنا، وكسبنا المباراة الفلانية وتعادلنا في المباراة العِلانية، وخسر خصمنا الفلانى أمام الخصم العِلانى فسوف نصعد إلى الدور الثانى.. إلخ.. كل هذه حسابات أناس غير جادين، ولا يريدون أن يفهموا أن المقدمات تؤدى بالضرورة إلى النتائج.. وأن »الوطنية« الحقيقية تعنى »العمل الجاد« من أجل رفعة هذا الوطن.. وليس الهتاف باسمه فحسب.

ولعلنا لا ننسى »حرق الدم« الذى عانيناه جميعًا فى فترة التصفيات التمهيدية، وتعلق أبصارنا وأنفاسنا جميعًا بقدم محمد صلاح وضربة الجزاء التى أحرز منها هدفًا، لولاه لما كنا صعدنا للتصفيات النهائية.

والحقيقة أن إعلامنا يلعب دائمًا دورًا غير مسئول فى الشحن النفسى الهائل للجمهور حول مباريات كرة القدم، وصنع الأوهام والأساطير حول المكاسب، ثم لطم الخدود وشق الجيوب حول الخسارة، والبحث عن مذنب نذبحه معنويًا.. أو مذنبين، وإلهاء الشعب المصرى عن مشكلاته وهمومه الحقيقية الأكثر جدية، تحت دعوى »صنع السعادة« مرة و»الوطنية« مرة، وإحباط آمال المصريين مرة.. وهكذا بينما حال الرياضة عمومًا ــ بما فيها كرة القدم ــ لدينا تبعث علي الرثاء، وتحتاج إلى مناقشة جدية في علاقتها بالتعليم مثلا، وانعدام الملاعب وحصص التربية الرياضية فى مدارسنا.. وانعدام الساحات الشعبية ومراكز الشباب في أغلب أحيائنا وقرانا، وعلاقة ذلك كله بضآلة الميزانيات المخصصة لهذه الأغراض ذات الأهمية الكبرى.. وبوجود قاعدة شعبية جماهيرية حقًا تقدم الآلاف وعشرات أو حتى مئات الآلاف من اللاعبين وممارسى مختلف الرياضات، بما يوسِّع دائرة الموهوبين والأبطال في هذه الرياضات جميعًا، بما في ذلك كرة القدم.. ومن ثم التقاط المواهب من أعمار مبكرة وتنظيم مدارس للكرة وغيرها علي نطاق واسع.. وهذه كلها أمور لا يمكن فصلها عن حالة الصحة العامة والتغذية.. فأين نحن من هذا كله؟

فإذا جئنا إلى منظومة كرة القدم نفسها ـ والتى توجه إليها أنديتنا الرياضية الجزء الأكبر من ميزانياتها ـ فسنجد أن الفساد والمحسوبية والاعتبارات غير الموضوعية تلعب دورًا سلبيًا كبيرًا في تشكيل الفرق، والفرق الأولى.. ولاعبنا الدولى المرموق محمد صلاح ــ وهو أكبر اسم قدمته مصر للملاعب العالمية ــ هو مثال بارز لما ذكرناه.. كما أن الأندية التي تملك مدارس للكرة، وآليات محكمة للتصعيد من فرق الناشئين إلى الفرق الأولى، عددها قليل، وتحكمها أيضا الاعتبارات السابق ذكرها.

كما أن مستوى التدريب واحتراف اللاعبين ملىء بالثقوب، فكثرة تغيير المدربين وتدخل مجالس الإدارات فى عملهم، وفى تشكيل الفرق، وعدم جدية أغلب اللاعبين »المحترفين« فى مراعاة نمط حياة جدى يتناسب مع »احترافهم« كلها أمور مليئة بمشكلات »وفضائح أحيانا« تحفل بها وسائل الإعلام.. وربما لا يختلف اثنان في أن مستوى لياقة لاعبينا، وخاصة فى الأشواط الثانية من المباريات الدولية، يبعث على الرثاء.. مع أن هذه اللياقة هى الحد الأدنى الذى يجب أن يتوافر لهم، فضلا عن المهارات الفنية الفردية والجماعية طبعًا.

أما إذا جئنا إلى اتحاد الكرة المصرى فسنجد أن الفساد والمحسوبية ضاربان فيه، وأن تشكيل وتطوير المنتخب القومى هما آخر همومه فعلا.. ولا ندرى مثلا كيف أن هذا الاتحاد الذى يحمل اسم مصر قد سمح لرئيس أحد الأندية الكبرى »بل أكبرها إطلاقا« بإسناد منصب الرئاسة الشرفية للنادى إلى شخص غير مصرى؟؟!! والكارثة أن هذا الشخص غير المصرى كان معروضًا عليه تولى الرئاسة الشرفية لثانى أكبر الأندية المصرية، لولا أن جماهير النادى قاومت هذه الكارثة بضراوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعى.. مما اضطره للاعتذار، ثم للاستقالة من رئاسة »الأهلى«.

تخيلوا أن اتحاد الكرة »المصرى!« لم تكن لديه مشكلة فى أن يتولى شخص غير مصرى الرئاسة الشرفية لأكبر ناديين مصريين »متنافسين ـ الأهلى والزمالك« لولا أن جمهور الزمالك منع هذه المهزلة!!

أما عن »تدليل« الشركات الراعية ـ المعلنة من منحها وعطاياها فحدِّث ولا حرج.. وقصة استخدام صورة محمد صلاح إعلانيًا لصالح الشركة الراعية للمنتخب »على خلاف القانون ورغبة اللاعب« قد شغلت الرأى العام لمدة طويلة.. وأما عن طلاء طائرة وأوتوبيس المنتخب بألوان الشركة بدلا من ألوان العلم المصرى، برغم فجاجة الذوق الواضحة فحدث ولا حرج أيضًا..

ثم كانت ثالثة الأثافي بسفر النواب والإعلاميين والفنانين »وأولاد بعضهم وبعض الإداريين فى اتحاد الكرة« على حساب الشركة المعلنة بدعوى تشجيع الفريق.. وهى شركة حكومية يجب أن تخضع أموالها للمحاسبة، وليست مجالاً للنهب والمجاملات!! والعجيب أيضًا أن يقيم هؤلاء »المشجعون« مع لاعبى المنتخب في فندق واحد، ولا يتركون لهم سبيلا للراحة والتركيز حتى أن محمد صلاح انفجر في مدير المنتخب قائلا إن هذا لا يعكس جدية فى العلاقة بالمنتخب، وإنه لو كان فريقا لمركز شباب يستعد لمباراة لكان ينبغى أن يكون التعامل معه بجدية أكبر!!

وكان مخزيًا إلى أبعد حد أن نرى أحد قيادات الاتحاد يضحك ملء فيه، بينما تحتضنه إحدى المشجعات ــ فى صورة طيّرتها وسائل التواصل الاجتماعى ــ غير عابئ بهزيمة فريقنا القومى فى مباراته مع روسيا!! الواقع أن مثل هذا السلوك المشين وحده كافٍ لفصل هذا الشخص فورًا من قيادة الاتحاد، ومحاسبته بصرامة على مظهره غير المشرف.

غير أن المسألة لا تقف عند هذا الشخص أو غيره من المستفيدين من وجودهم في قيادة اتحاد كرة القدم المصرى، إعلاميًا وماديًا.. فقيادة الاتحاد كلها فاشلة ودون مستوى المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقها.. والحقيقة أن هؤلاء السادة جميعًا فاسدون بدرجات مختلفة، ويجب نسف تشكيلهم الفاسد والفاشل نسفًا، والبحث بتأن وروية ونزاهة عن قيادة جديدة لاتحاد الكرة المصرى.. قيادة تستطيع أن تنفذ النهج الإصلاحى، الذى أشرنا إليه فى بداية مقالنا، والذى يتفق مع ما تفعله كل الدول القوية والمحترمة فى عالم كرة القدم..

أما إعلامنا فنتمنى أن يكف عن أسلوب الشحن العصبى الغوغائى، وأن يتبنى نهجًا أكثر موضوعية ومسئولية »وبالتالى أكثر وطنية« فى التعامل مع قضايا الرياضة عمومًا، وكرة القدم خصوصًا.

ولا يفوتنا أن نشير إلى الأهمية البالغة لمباراة منتخبنا الأخيرة فى المونديال »مع السعودية« باعتبارها مباراة ردّ ما تبقى من الاعتبار الضائع لكلا الفريقين!! لذلك ينبغى أن يبذل فريقنا كل جهد ممكن لكسبها، ولو من باب إنقاذ ماء الوجه للمنتخب الوطنى، خاصة أن تصنيف فريقنا أعلى من تصنيف المنتخب السعودى.. وأى تهاون في كسب هذه المباراة سيكون وصمة عار في جبين المنتخب وقيادة اتحاد الكرة.. لن يغفرها لهما المصريون..

وختامًا نأمل أن يجىء يوم يكون معيار مكسب مصر وخسارتها هو تقدمها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد ومستوى معيشة الشعب وتصنيف الجامعات المصرية على المستوى العالمى.. فمثل هذه الأمور هى المعيار الحقيقى لتقدم الشعوب، ومناط الرفاهية والسعادة.. وهى أيضا الطريق إلى كرة قدم أفضل.. وانظروا إلى ألمانيا وانجلترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.. وحتى إلى البرازيل.. فالكرة في البلاد الأكثر تقدمًا والأقوى اقتصادًا هى ــ كقاعدة ــ أفضل من بلدان العالم الثالث..

وكل مونديال وأنتم بخير..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE