الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 01:55 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 د. محمد فراج يكتب : خطوة هامة لإنقاذ مستقبل صناعة النسيج

الأموال

اتفاقية هامة تم توقيعها الأسبوع الماضى بين بنك الاستثمار القومى والشركة القابضة للغزل والنسيج المشرفة على (32 شركة) من شركات القطاع العام لتسوية مديونياتها للبنك البالغة (10.5 مليار جنيه) والتى سيتم إسقاط جزء منها قدره 1.3 مليار جنيه مقابل سداد المديونية كاملة حسب تصريح لخالد بدوى وزير قطاع الأعمال العام (المصرى اليوم ـ 30 مايو 2018).

بنك الاستثمار القومى سيتقاضى مديونياته لدى الشركة القابضة للغزل والنسيج من خلال تخاذل الشركة عن مجموعة من قطع الأراضى التابعة لها وتعود هذه الديون إلى عام 1982(!!) وتراكمت تدريجيًا على مدى 36 سنة (!) وتأتى هذ التسوية فى سياق الاستعداد لإنشاء الصندوق السيادى لإدارة أصول مصر، وطرح حصص في البورصة من أسهم الشركات المشتركة بين قطاع الأعمال العام والبنك.. علمًا بأن التسوية تتضمن أيضا رفع حصة ملكية بنك الاستثمار القومى فى الشركة القابضة.

وقد أشار الدكتور أحمد مصطفى رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج إلى أنه سيتم التقدم للحصول على قروض من بنوك أخرى لبدء دورة نشاط جديدة، بعد أن تمت تسوية المديونية تجاه بنك الاستثمار القومى، وهو ما سنجىء إلى مناقشته فيما يلى من مقالنا.

ونود أولا أن نؤكد أن هذه الاتفاقية يمكن أن تمثل بداية لانطلاق جديدة لشركات قطاع الغزل والنسيج التابعة للدولة، بشرط وجود استراتيجية واضحة لإصلاح أوضاع هذه الشركات، بعد هذه الخطوة الهامة لتحسين أوضاعها المالية بتسوية مديونياتها لبنك الاستثمار القومى، والواقع أن هذه الخطوة قد تأخرت كثيرًا جدًا، وأن شركات الغزل والنسيج قد تعرضت لأشكال عديدة من سوء الإدارة على مدى عدة عقود مما أدى لتحملها لخسائر كبيرة تراكمت عبر السنين، حتى أوصلت هذه الشركات للشلل أو لأوضاع قريبة منه، ولم يكن هذا كله ينبغى أن يحدث، لو انتهجت الدولة سياسة صحيحة تجاه هذا القطاع وغيره من القطاعات التابعة لها.

فمنذ بدء تطبيق سياسة »الانفتاح السداح مداح« على حد تعبير كاتبنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين.. أى الانفتاح الاقتصادى غير المنضبط بضرورات حماية الإنتاج الوطنى من المنافسة الأجنبية غير العادلة.. أى منذ النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، بدأ يتدفق على السوق المصرية سيل من الأقمشة والملابس الجاهزة من مختلف بلدان العالم، منها ما كان يدخل البلاد بصورة قانونية وبجمارك بسيطة، وأغلبها كان يدخل عبر التهريب تحت سمع وبصر الدولة فعليًا.

وفى مواجهة هذه المنافسة كانت شركات الغزل والنسيج فى قطاع الدولة مكبلة بأعداد كبيرة من العمالة الزائدة، التى يتم تعيينها لأسباب اجتماعية متصلة بالتزام الدولة بتعيين الخريجين.. وبهياكل إدارية مترهلة تتمتع بامتيازات كبيرة فى قطاع الإدارة العليا خصوصا.. وبالتزام الشركات ببيع منتجاتها، وخاصة من الأقمشة والملابس الشعبية بالأسعار (الاجتماعية).. أو التسعيرة الجبرية..

ومن ناحية أخرى فإن الخزانة العامة للدولة كانت تستولى على أرباح تلك الشركات، باعتبارها من شركات القطاع العام، ولا تترك لها شيئًا لأغراض الإحلال والتجديد، ولا لتطوير أنشطتها وتوظيف استثمارات جديدة!

>> أى أننا نتحدث عن أساليب ليس لها أى علاقة بالإدارة الاقتصادية العلمية أو الرشيدة أو حتى شبه الرشيدة.

وفوق ذلك كله بدأ التلاعب في إنتاج القطن المصرى، بإهمال وتقليص زراعة الأقطان طويلة التيلة، وإدخال أصناف قصيرة التيلة أو حتى استيرادها.. مما ترتب عليه تعطيل خطوط إنتاج كاملة في بعض المصانع!!

ومع تواصل انتهاج هذه السياسات الخاطئة ـ بل المدمرة ـ واستفحال آثار سياسة (الانفتاح السداح مداح) بدأت شركات الغزل والنسيج المصرية تتعثر، بعد أن كانت قطاعًا رائدًا فى الصناعة المصرية.. وبدأت قدراتها التنافسية تتراجع، وأخذت تبرز ظاهرة (المخزون الراكد) مما زاد من مصاعبها، وأدى إلى دخولها فى حالة الخسائر.

> > ولعلنا نلاحظ التزامن بين استفحال هذه المشكلات وبدء ظاهرة الاستدانة لدفع أجور العمال ومرتبات الإدارة، ومستلزمات التشغيل، إلى جانب ما كانت تلك الشركات تحققه من دخل متناقص بالطبع.. (لاحظ تصريح الوزير بأن ظاهرة الاستدانة ظهرت منذ عام 1982).. وهو تزامن يستحق الاهتمام الشديد.

وبالرغم من الخسائر فإن الدولة لم تمد يد الإصلاح إلى هذه الشركات، فقد استمر الترهل الإدارى وخاصة فى مستويات الإدارة العليا وامتيازاتها.. بينما كان العمال يطالبون بمرتباتهم وعلاواتهم وحوافزهم، باعتبار أنهم غير مذنبين في تعثر الشركات.. وبالتالى فقد بدأت شركات الغزل والنسيج تعرف الحركات العمالية المطلبية، وفى ظل هذه الأوضاع بدأت الأقلام الخبيثة تتحدث عن فشل القطاع العام وضرورة التخلص منه!! بينما كانت الدولة لا تستطيع التخلص من العمالة الكثيفة في شركات الغزل والنسيج، ولا تجد مستثمرًا يقبل بشراء الشركات بالتزاماتها الضخمة وديونها.. إلخ اللهم إلا فى حالات محددة شابها فساد واضح كشركة الكتان (طنطا) أو شركة الغزل والنسيج بشبين الكوم..

وفى ظل هذه الأوضاع كان واضحًا أنه لابد من الإقدام على بيع بعض الأصول، وخاصة من قطع الأراضى آلكبيرة التى كانت تتبع الكثير من هذه الشركات.. واستخدام عائداتها فى إصلاح الأوضاع المالية للشركات وسداد ديونها، وفى التطوير وتوظيف استثمارات جديدة لشراء آلات حديثة. إلخ.. مع وضع سياسة جديدة للإصلاح الإدارى، وتقليص هياكل الإدارة العليا وامتيازاتها الكبيرة، وإعادة تأهيل أعداد من الإداريين.. الخ.. وبالطبع مع التزام الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج، وحماية الإنتاج الوطنى من المنافسة الأجنبية غير العادلة والتهريب... الخ..

لكن شيئًا من هذا لم يحدث، واستمر مسلسل انهيار القطاع العام في مجال الغزل والنسيج وغيره من المجالات.. وبدا الأمر كأن هناك سياسة مقصودة (لتخسير) الشركات.

والآن.. وقد تم اتخاذ خطوة مهمة لتسديد ديون شركات الغزل والنسيج الحكومية لبنك الاستثمار القومى، يجب لفت الانتباه إلى أن هناك ديونا أخرى لشركات توزيع الكهرباء التى تواجه مشكلات جدية هى الأخرى بسبب تعثر سداد كثير من الشركات والمصالح لمديونياتها.. وقد بدأ الحديث عن قطع الكهرباء (والمياه) عن هذه الشركات والمصالح إذا لم تسترد مديونياتها!! وهو (حل) عبثى بصورة مطلقة، لأنه سيؤدى إلى خسائر غير مقبولة (ولا محتملة) للاقتصاد القومى.. وهناك بالطبع ديون مستحقة للتأمينات الاجتماعية وغيرها.

لهذا ندعو إلى حصر شامل لكل الأصول التى يمكن التصرف فيها لدى شركات الغزل والنسيج (وهو ما يمكن تطبيقه فى حالة شركات قطاع الأعمال الأخرى) وخاصة الأراضى، مع تشجيع البنوك على تقديم قروض للشركات الأفضل حالا من بينها من الناحية المالية، وتقديم بنك الاستثمار القومى نفسه قروضًا جديدة ذات طابع إنتاجى رشيد هذه المرة لتمويل احتياجات الاستثمار والتطوير فى قطاع الغزل والنسيج بصورة خاصة باعتباره قطاعًا نجح فى تسوية ديونه للبنك (وغيره من القطاعات بالطبع) من أجل ضخ الدماء في عروق هذه الصناعة الوطنية الهامة والعريقة، وتوفير ضمانات حمايتها والنهوض بها.

 

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE