الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 04:35 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

 د. محمد فراج يكتب : تساؤلات مشروعة حول خطة تطوير التعليم (4 - 4)

الأموال

المتابع لتصريحات الدكتور طارق شوقى وزير التعليم حول خطته للتطوير يستطيع أن يكتشف بكل سهولة أن الخطة إما لم تكن واضحة بما فيه الكفاية في ذهن الوزير، وأنه لم يكن يدرك ما يحيط بها من مصاعب ضخمة فى التنفيذ.. أو أنه كان يدركها ــ ليس بوضوح في جميع الأحوال ــ لكنه حاول خداع الرأى العام وإرهابه، ليس فكريًا من خلال الاتهام بـ«التخلف» و«عدم الفهم» فحسب، بل وأيضًا بـ«الحبس» لمن يعارضها!! وكأنه وزير داخلية، وليس وزير تعليم، أو حاكم مستبد في بلد ينتمى للقرون الوسطى في مجاهل أفريقيا، وفي حالة حرب.. وكلمته قانون يجب تنفيذه على المخالفين فى الرأى لعبقريته الفذّة!!

وهذا كله لا علاقة له بالواقع.. فنحن نعيش في بلد كبير متحضر فى القرن الحادى والعشرين.. وهو بلد له دستور، وبه قوانين، يجب بمقتضاها محاسبة الوزير شوقى نفسه سياسيا وعزله من منصبه بسبب تخبط أدائه وعدم شفافيته ومخالفته للدستور، ومحاولته لخداع الرأى العام..

فبعد أسابيع من الجدال المحتدم حول خطة الوزير للتطوير «الإلكترونى» واحتياجات هذه الخطة من أجهزة «التابلت» وانعدم البنية التحتية الضرورية لتنفيذها إلخ.. بل وانعدام الشروط الإنسانية للتعليم التقليدى المقبول في معظم مدارسنا (انظر مثلا مقالاتنا فى الأعداد الثلاثة السابقة من «الأموال» ومقالات ومداخلات غيرنا بالطبع).. وبعد تحليل الأرقام وتقليبها على جميع وجوهها، خرج علينا الوزير بتصريحات مفاجئة يقول فيها إن أجهزة التابلت «للتعليم الرقمى المتطور..إلخ» سيتم إدخالها في الصف الأول الثانوى فقط!! ليس هذا فحسب، وإنما سيتم استخدامها إلى جانب الكتب الدراسية التقليدية وليس كبديل عنها، وستحمل على تلك الأجهزة «مناهج إثرائية».. أى شروح وتوضيحات لما فى الكتب الورقية!! (المصرى اليوم 6/ 5/ 2018)..

ولم يقل الوزير هذا منذ البداية، ومع ذلك فإنه أخذ يتهم معارضيه بالمغالطة! دون أن  يلاحظ أن قصره لاستخدام «التابلت» على الصف الأول الثانوى ينسف فكرته حول التطوير الجذرى الشامل منذ فصول الروضة «ما قبل الابتدائية» وأيضًا دون أن يناقش حجج الخبراء حول عدم وجود بنية تحتية لخطته حتى في حدود الصف الأول الثانوى.. وعدم وجود خدمة الإنترنت نفسها فى مناطق عديدة بالجمهورية، وبطئها الشديد عمومًا بما يعقد عملية التعليم المتزامن والامتحانات المتزامنة بالضرورة.. وهنا بدأ الحديث عن تعليم «تابلتى» ليس من خلال شبكة الإنترنت، ولكن من خلال شبكات محلية أو داخلية فى المدارس، تعتمد على خوادم «سيرفرز» ترتبط بها أجهزة التابلت الموجودة في كل مدرسة (المصرى اليوم ـ مصدر سابق).. وهو نظام معتمد يفتقر إلى السيطرة المركزية المطلوبة، والأمن المعلوماتى الضرورى لعملية الامتحانات.

ومن هنا يشير الخبراء إلي نقص بديهيات في البنية التحتية المطلوبة، من قبيل الوصلات الكهربائية فى الفصول!! والتجهيزات الإلكترونية، فضلا عن مسئولى الصيانة!! (راجع بالتفاصيل تحقيق الأهرام ـ الرئيسى ـ 12 مايو 2018، ص3).

ويشير التحقيق المذكور إلى فشل تجربة سابقة منذ عدة سنوات لاستخدام التابلت بعد أن كلفت الوزارة مبلغا قدره 340 مليون جنيه.. فهل تعلمنا شيئا من الخبرة الفاشلة؟

كما يشير نفس التحقيق إلى أنه وفقا لخطة الوزير شوقى، فإن الوزارة ستوزّع الأجهزة على تلاميذ المدارس الحكومية فقط.. بينما تفرض المدارس الخاصة تحصيل مبالغ تصل إلى 3000 ثمنًا للتابلت.. ما يعنى تحميل أولياء الأمور مزيدًا من الأعباء.

وهكذا تؤول خطة الوزير طارق شوقى ليس إلى «فنكوش» فحسب، بل وإلى «فنكوش مطلق».. وترويج مكشوف للأوهام.

وقد اضطر الوزير إلى التصريح بأن «المدارس التجريبية باقية»، بعد الانتقادات الحادة التى وجهها له أعضاء لجنة التعليم فى مجلس الشعب.. لكنه يقول ما ينسف تصريحه ذلك حين يحدد استمرار المدارس التجريبية بنظامها الحالى ـ أى تعليم العلوم والرياضيات بالانجليزية ــ «حتى تخرج الطلاب الموجودين فيها»! (المصرى اليوم 6 مايو) ثم يبدأ تطبيق خطته الأصلية، التى تعنى نزوح التلاميذ الراغبين في الحصول على تعليم حكومى «معقول» بتكلفة «معقولة» إلى المدارس الخاصة والأجنبية! أى أن إلغاء نظام المدارس التجريبية قادم حتمًا.. لكنه مؤجل فحسب!! وبكلمات أخرى فإن الوزير تجرأ علي خداع أعضاء البرلمان أنفسهم!!

نقطة أخرى بالغة الأهمية أهملتها خطة الوزير شوقى «لتطوير التعليم» هي قضية توحيد نظم ومناهج التعليم.. فنحن لدينا مدارس حكومية عادية، وتجريبية.. ولدينا مدارس خاصة لغات (منهج وطنى) وأخرى دولية، منها ما هو بالنظام البريطانى (الثانوية الانجليزية).. وما هو بالنظام الأمريكى (الثانوية الأمريكية).. والأخيرة تخرّج 30 ألف طالب سنويا.. وهناك أيضًا المدارس الأجنبية التابعة للسفارات أو للإرساليات كالمدارس الألمانية والفرنسية.. وكل من هذه الأنواع لديه نظمه ومناهجه، مما يحدث عدم تجانس يصل إلى حد الفوضي في التعليم.. ويؤثر بشدة على النظام التعليمى من حيث الهوية الفكرية والثقافية للتلاميذ وعمق انتماء بعضهم للهوية المصرية (طلاب المدارس الأجنبية والدولية بالدرجة الأولى).. فإذا أضفنا إلى هؤلاء جميعا طلاب التعليم الأزهرى (حوالى 2 مليون تقريبا فى المراحل ما قبل الجامعية)، فإننا نجد أمامنا لوحة شديدة التنوع الاجتماعى والثقافى من التلاميذ الذين يتلقون مناهج دراسية ويخضعون لـ«نظم» تعليمية بعيدة عن الانسجام والتآلف.. مما يؤثر سلبًا على طابع «هوياتهم» الفكرية والثقافية ومدى انصهارهم في «هوية وطنية واحدة» خاصة فى ظروف الغزو الثقافى المرتبط بالعولمة وتطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعى والانعكاس المتفاوت لذلك كله علي مجتمع متنوع للغاية من حيث المدن الكبرى بمختلف أحيائها، والريف والحضر ومستويات الغنى والفقر، والنصيب من ثمار التقدم وسلبيات العولمة.. إلخ..

في ظل هذا كله من الضرورى أن تشمل أى خطة لتطوير التعليم ثوابت أساسية من المناهج المرتبطة عضويًا بتشكيل (الهوية الوطنية) بما يجعل التعليم وسيلة لترسيخ هذه الهوية، ونعتقد أن هذه المناهج يجب أن تشمل اللغة العربية والدين «إسلامى أو مسيحى» وتاريخ مصر منذ العصور القديمة حتى الوقت الراهن، وجغرافيا مصر والوطن العربي بصفة أساسية، ولمحة عن جغرافيا العالم وموقعنا فيه، والتربية القومية طبعًا بحيث تتوزع جرعات هذه المناهج علي سنوات التعليم الأساسى بالصورة المناسبة، إلى جانب المواد العلمية والتخصصية (فيما يتصل بالتعليم الفنى) وأن تكون مواد الهوية مواد نجاح ورسوب ومجموع وبعد ذلك فليجتهد من شاء فيما شاء بشرط خضوع جميع المواد والمناهج لإشراف وزارة التربية التعليم المصرية وعدم تعارضها مع المواد المتصلة بالهوية الوطنية.. وأن يكون ذلك شرطًا حاسمًا للترخيص بعمل أى مؤسسة تعليمية فى مصر، فضلا عن الاعتراف بشهادتها.

أما أن يجيئنا وزير يتحدث عن التعليم الرقمى، ويلغى اعتبار مادة الحاسب الآلى مادة نجاح ورسوب!! ويتحدث عن المعلمين ــ شرط نجاح أى تطوير ــ باعتبارهم «كلهم لصوص»!! ويهدد معارضيه بـ«الحبس»!! ويتهمهم بالجهل والتخلف!! ويقترح خطة غير مدروسة هدفها الأساسى إلقاء مزيد من الأعباء على عاتق أولياء الأمور.. ويخدع الرأى العام بـ(فنكوش مطلق) لا تتوافر أي إمكانات مادية جدية لتنفيذه.. ويتجاهل واقع مدارسنا ونظامنا التعليمى.. فهذا شأن أناس غير جادين.. ونعتقد أن أى إمكانية لتطوير التعليم تستدعى قبل كل شيء إقالة هذا الوزير، ومحاسبته على أى أشكال الخداع التى مارسها تجاه شعبنا منذ أن تولي منصبه.. وكفانا تجارب خاطئة، وأشخاصًا لا يستحقون مناصبهم الرفيعة.

مصر للطيران
الدكتور طارق شوقىو وزير التعليم

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE