الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 09:05 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمدفراج يكتب: تساؤلات مشروعة حول خطة تطوير التعليم (3)

الأموال


 

 

أوضحنا بالتفصيل في الجزءين السابقين من مقالنا (الأموال 29/4 و6/5/ 2018) الغياب شبه الكامل للمقومات المادية اللازمة لتنفيذ «خطة تطوير التعليم» التى طرحها الوزير شوقى، مما يجعلنا نقول إن الخطة قائمة بالفعل على «بيع الوهم» أو ما أسماه الكثيرون «الفنكوش»!!

والواقع أن المواجهة الساخنة التى شهدها اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب بحضور الوزير، والانتقادات الحادة التي وجهها النواب إلى الوزير قد عبرت بوضوح عن غضب الرأى العام على هذه الخطة، التي وضعها الوزير وفريق من أتباعه ومرءوسيه، والتي يريد فرضها على الشعب المصرى بالوعود الخلابة تارة وبالتهديد والوعيد تارة أخرى..

وقبل أن ندخل في مناقشة بقية تفاصيل الخطة نجد من الضرورى أن نتوقف أمام قرض البنك الدولى من جانب يخص «مساعدة» البنك في تدريب وإعداد المعلمين، وتطوير المناهج الدراسية وأساليب التعليم على أساس الخطة العتيدة «ناقشنا الجوانب المادية والتمويلية للقرض في مقال سابق ـ الأموال 6/5/ 2018.. وخاصة على ضوء التسريبات المتناثرة حول تكليف شركات أمريكية مثل «ناشيونال جيوجرافيك» و«ديسكوفري» بإعداد الفيديوهات المتضمنة للمناهج «المتطورة».. ولابد هنا أن نشير إلي أن التعليم هو أمر يرتبط ارتباطا عضويا بقضية الأمن القومى لأى بلد، لأنه يرتبط بتشكيل فكر وعقل ووجدان الطالب والمعلم على السواء.. وهنا يدخل الدين والنظر إلى تاريخ البلد ومصالحه الوطنية ومن هم أصدقاؤه وأشقاؤه وأعداؤه، وما هى أهداف هذا الشعب وسبل تحقيقها ودور مؤسساته فى ذلك. إلخ.. وبالتالى فإن مسألة إعداد المناهج يجب أن تكون مسألة مصرية خالصة للحفاظ علي الهوية الوطنية وكذلك مسألة إعداد وتدريب المدرسين، اللهم إلا فى بعض الجوانب الفنية «التكنولوجية» البحتة.. ولدينا من الخبراء العلميين والتربويين، ما يكفي ويزيد، بحيث لا ينبغى السماح للبنك الدولي أو غيره بالتدخل بأى شكل من الأشكال فى الأمور المتصلة بـ«الهوية» والتأثير على الأفكار، ولا ينبغى السماح بأى دور إشرافى أو تنفيذى لأى خبراء أجانب في هذا المجال.. أو في سبل استخدام القرض (500 مليون دولار) الذى نرى أنه لا يجب أن يخرج عن نطاق بناء مدارس جديدة وشراء أجهزة كمبيوتر، وتجهيز المدارس تكنولوجيًا.. الخ، فأى خروج للبنك الدولى وخبرائه عن هذا النطاق يعتبر انتهاكًا للسيادة الوطنية، وفتحًا للأبواب أمام البنك للتدخل في تشكيل عقول ووجدان أبنائنا. وهو أمر مرفوض من حيث المبدأ.

> > وإذا كنا بصدد مسألة «الهوية الوطنية» فإن مما يلفت النظر أن خطة الوزير شوقى قد اتجهت نحو نوع مكشوف من المزايدة علي وطنية الشعب بالحديث عن إلغاء تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الابتدائية (اللغةالانجليزية أساسًا.. وهى الأكثر انتشارًا على الإطلاق) بدعوى التركيز على تعريف أبنائنا باللغة العربية حرصا علي هويتهم الوطنية.. ومن ثم العودة إلى النظام القديم الذى يتضمن بدء تعليم اللغات الأجنبية في المرحلة الإعدادية.

ومن ناحية أخرى تضمنت الخطة إلغاء تعليم العلوم والرياضيات باللغات الأجنبية فى المدارس التجريبية التابعة لوزارة التربية والتعليم.. وهو ما قيل إن الوزير قد تراجع عنه بعد لقائه العاصف بلجنة التعليم فى البرلمان.

والواقع أن المدارس التجريبية بالذات تمثل تجربة جيدة لوزارة التربية والتعليم، ومتنفسًا للطبقات المتوسطة بالذات يتيح لأبنائها من ذوى الدخل المحدود إمكانية للحصول على تعليم معقول، وبمستوى معرفة جيد نسبيًا للغة الإنجليزية، يمكنهم من الالتحاق بالأقسام التى تجرى الدراسة فيها باللغة الانجليزية (تجارة واقتصاد وهندسة وصيدلة.. الخ).

>> ومعروف أن كل الوظائف المتميزة تقريبا الآن قد أصبحت تشترط المعرفة الجيدة (قراءة وكتابة وتحدثًا) باللغة الانجلزيية (فروع الشركات الأجنبية والهيئات الدولية والبنوك والسفارات وغيرها)، وبالتالى فإن الآباء الراغبين في حصول أبنائهم وبناتهم علي وظائف جيدة، سيكونون مضطرين ـ فى حالة إلغاء الدراسة بالانجليزية للعلوم والرياضيات في المدارس التجريبية ــ إلي إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة، ذات الرسوم المرتفعة، مما يكبدهم أعباء باهظة، وهم الذين يئنون أصلا من أعباء الحياة.. وباختصار فإن هذه الخطوة فى خطة الوزير شوقى مصممة أصلا لصالح أصحاب المدارس الخاصة.. وهذا أمر واضح وضوح الشمس.. أى لصالح إلغاء «مجانية التعليم» أو ما يشبه المجانية الموجود حاليا.

أما إلغاء تعليم الانجليزية فى المدارس الحكومية الرسمية، فيعني إضعاف مستوى معرفة تلاميذها بالانجليزية عند انتهاء مرحلتهم الثانوية، وبالتالي يجعل الدراسة الجامعية أصعب بالنسبة لهؤلاء في الكليات العملية.. وشبه مستحيلة تقريبا في أقسام اللغات والأقسام التي تجرى فيها الدراسة باللغة الأجنبية.

والواقع أن إتقان اللغة العربية لا يحتاج إلى إزاحة اللغة الأجنبية جانبًا، بل إلي رفع مستوى تعليم اللغة العربية برفع مستوى تدريب المعلمين وتحسين المناهج وطرق التدريس.. كما أن الأطفال فى سنهم الصغيرة أكثر استعدادًا لتقبل تعليم اللغات الأجنبية منهم حينما يكبرون.

وقد أثار النقاش حول خطة الوزير بشأن اللغةالانجليزية جدلا قديما ــ جديدا ــ حول تعريب العلوم، وضرورة تحويل الدراسة الجامعية إلى اللغةالعربية، وذكر أنصار هذا الرأى أن دراسة المواد العلمية «طب وهندسة وغيرهما» في أغلب البلدان المتقدمة تجرى بلغة هذه البلدان.. الخ، وامتدت المحاججة للحديث عن دور العلماء العرب فى تعليم أوروبا، فى عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، حينما كانت القاهرة وبغداد وقرطبة وغيرهما مراكز للعلم والعلماء.

ورأينا أن دراسة العلوم ـ والمتقدمة منها بالذات ـ يجب أن تكون باللغة الانجليزية أساسا فى هذه المرحلة من تاريخنا على الأقل، لأنها هى اللغة المتداولة أكثر من أى لغة أخرى فى الأوساط العلمية فى العالم.. ولغة أكثر الدول  تقدما فى المرحلة الاستعمارية التقليدية «بريطانيا» وفى العصر الحالى «أمريكا».. وبالتالى فقد فرضت الانجليزية بالذات نفسها كلغة أساسية للعلوم خاصة أن حركة الترجمة منها وإليها أكبر بكثير من الترجمة من وإلى أى لغة أخرى.

وقد كان الراغبون فى التعليم الجيد فى أوروبا مضطرين لدراسة اللغةالعربية حينما كانت بلادنا مركزًا للعلم والتقدم، وكان أكبر علماء العالم ــ وقتها ـ كابن سينا وابن النفيس والخوارزمى وغيرهم يكتبون بالعربية، أما الآن فالوضع يختلف تماما.. ونحن نعرف جيدًا أن كل البلاد التي بنت نهضتها فى القرنين التاسع عشر والعشرين كانت ترسل البعثات من أبنائها إلي أوروبا وأمريكا ليحصلوا على آخر منجزات العلم.. وطبعًا بلغات هذه البلدان، وفى مقدمتها اللغة الانجليزية.

لذلك نرى أنه لا جدوى من إثارة هذه القضية فى الوقت الراهن «التعريب أو الانجليزية؟؟».. علمًا بأن اشتراط إجابة اللغة الانجليزية للحصول علي الوظائف المتميزة وللسفر من أجل الحصول على الدرجات العلمية الأرقى يجعل النقاش فى هذه القضية غير مجدٍ.

ومن هنا فإن إضعاف تدريس اللغة الانجليزية في المدارس الحكومية والتجريبية ــ كما يريد وزير التعليم ــ لا تتوقف آثاره الضارة على (طبقية التعليم) ومحاباة أصحاب المدارس الخاصة فحسب.. بل يضر بمستوى التعليم والبحث العلمى فى البلاد عموما.. والمزايدة باسم الوطنية هنا أمر غير مقبول إطلاقا، وحيلة يلجأ إليها الوزير لتمرير خطة شديدة الإيذاء للعلم والبحث العلمى فى بلادنا.. وبالمناسبة فإنه غير مقبول إطلاقا قول الوزير إن من يريد تعليم أبنائه الانجليزية أو الفرنسية عليه أن يُرسلهم إلى الخارج!! فهذا حديث غير جدى، ومعناه اقتصار التعليم الجيد على الطبقات الغنية وحدها.. أى تعميق «الطابع الطبقى» للتعليم.. وبالتالى تضييق عدد الحاصلين على تعليم جيد، وهو ما لا يصب إطلاقا في المصلحة الوطنية التى تقتضى تحسين مستوى التعليم وتوسيع قاعدة الحاصلين على تعليم جيد، بما يتيحه ذلك من إمكانات أكبر لتحقيق التقدم المنشود.

وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE