الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 07:13 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: ترامب يشعل شرارة الحرب التجارية العالمية (2 - 2)

الأموال

 

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال (الأموال ــ 18 مارس 2018) عن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على واردات بلاده من الصلب و10٪ علي وارداتها من الألومنيوم.. وهو القرار الذى دخل حيز التنفيذ فعلا بدءا من 23 مارس (الجمعة الماضية).. وما أثاره من ردود فعل غاضبة بين شركاء أمريكا التجاريين الكبار، وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبى، وما ينذر به تصاعد التوتر في الأسواق التجارية العالمية من اندلاع شرارات حرب تجارية ستضر كثيرا بالاقتصاد العالمى.

وقد يكون مفيدا في هذا الصدد أن نشير إلى حدة لغة تصريح أخير للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية تقول فيه: الصين لا تريد الدخول في حرب تجارية، ولكن إذا أجبرنا أحد علي الدخول في مثل هذه الحرب فإننا سنتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية حقوقنا ومصالحنا RT و«كاتيخون» الروسيان ومواقع إلكترونية أخرى ــ الخميس 22 مارس 2018) وإذا تحدث الصينيون الهادئون والمنضبطون عادة بمثل هذه الحدة، فيجب الانتباه جيدا، لأن لدى الصين الكثير مما يمكن أن ترد به، بدءا من فرض رسوم جمركية علي سلع أمريكية «الصادرات الأمريكية إلى الصين 116 مليار دولار ـ عام 2016) إلى خفض سعر صرف اليوان الصيني تجاه الدولار الأمريكى، وهى لعبة لطالما مارستها الصين مع أمريكا، مما يخفض أسعار السلع الصينية في الأسواق الأمريكية والعالمية ويضعها في موقف أصعب.. إلى خفض استثمارات بكين في سندات الخزانة الأمريكية.. ومعروف أن الصين هى أكبر دائن لأمريكا باستثمارات في سندات خزينتها يزيد علي 1200 مليار دولار.. إلخ.

وعمومًا فإن الولايات المتحدة تبلغ صادراتها السنوية إلى العالم كله (1500 مليار دولار) وهو مبلغ ضخم للغاية يجعلها عرضة للعقوبات الجوابية علي نطاق واسع إذا ما أصرت علي الاندفاع بطريقة غاشمة في طريق «السياسة الحمائية» التى يفضلها دونالد ترامب.. وفى هذه الحالة فإن اقتصادها سيتعرض لضرر كبير، خاصة مع ارتفاع القدرة التنافسية لصادرات منافسيها التقليديين والصاعدين.

والواقع أن العجز التجارى الأمريكى هو الآخر من الضخامة بحيث إن محاولة تغطيته بشتى الأساليب الحمائية من شأنه حتمًا إشعال حرب تجارية واسعة بين الولايات المتحدة وأهم شركائها التجاريين.

فالولايات المتحدة هى أكبر دولة مستوردة في العالم حيث تستورد بما يزيد على 2200 مليار دولار سنويا، مقابل صادرات قدرها 1500 مليار دولار أى بعجز تجارى قدره 700 مليار دولار.. والواردات الهائلة هذه والتى تصنع العجز الهائل ليست من سلع يمكن الاستغناء عنها ببساطة، إذ تدخل فيها السلع الهندسية والإلكترونيات والسيارات ومركبات النقل والملابس والسلع الاستهلاكية مما يجعل الاستغناء عنها بالغ الصعوبة وسببا للفوضى في الأسواق.. كما أن العقوبات الانتقامية من جانب الشركاء يمكن أن تسبب مشكلات جمة للاقتصاد الأمريكى.

والعجز التجارى الأمريكى مع الصين هو الأكبر (3.5 مليار دولار بصادرات أمريكية قدرها 116 مليار دولار، وواردات من الصين تبلغ 452 مليار دولار) ويمثل هذا حوالى 50٪ من العجز التجارى الأمريكى كله.. بينما يمثل عجزها مع الاتحاد الأوروبي 175 مليار دولار أى حوالى 23٪ من عجزها التجارى، وعجزها مع اليابان حوالى 70 مليار دولار أى حوالى 10٪ من إجمالى عجزها التجارى.. (مكتب الإحصاءات الأمريكى ـ 2016).

وفي ظل أوضاع كهذه لن تكون أمربكا طليقة اليد فى اتخاذ ما تراه من إجراءات تجاه شركائها التجاريين الأكثر أهمية، بل لابد أن تعمل حسابا لكل خطوة، لأن الآخرين لن يسكتوا على الإضرار باقتصاداتهم.

والواقع أن الفكر الاقتصادى السليم يقول إنه إذا تضخم العجز التجارى بهذه الدرجة الهائلة، فإن هذا يشير إلى تراجع كبير في القدرة التنافسية للاقتصاد المعنى، وإلى تصاعد القوة التنافسية للاقتصادات الشريكة، وعلاج هذه الفجوة لا يكون بالإجراءات (الحمائية) وإلقاء اللوم على الشركاء، وإنما برفع القدرة التنافسية للاقتصاد المعنى.. وهذا ما ينبغى أن تفكر فيه أمريكا وتعمل عليه.

> ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة تنصرف بجشع استهلاكي لا حدود له، وتنفق بأكثر مما تنتج، وتستورد بأكثر مما تسمح به قدرة اقتصادها، مستغلة حقيقة أن الدولار هو عملية التبادل الاقتصادى الدولي الأساسية (علما بأنها لم تعد ملتزمة بتغطية حجم إصدارها من الدولارات لا بالذهب ولا بالإنتاج المادى منذ السبعينيات).. وهى تطبع ما تشاء من الدولارات القابلة للتداول في السوق العالمية.. بينما لا تكلفها طباعة الورقة من فئة الـ100 دولار أكثر من 4 سنتات!! وتستورد بدون أى حسابات رشيدة، الأمر الذى نتج عنه بلوغ حجم الدين العام الأمريكى (19 تريليون دولار)!! وهو رقم مخيف بأى مقياس، ويعادل 105٪ من الناتج المحلي السنوى الأمريكى.

> من ناحية ثالثة، فإن السياسة الاستعمارية الإمبراطورية التي تنتهجها الولايات المتحدة بالتدخل العسكرى وإقامة القواعد العسكرية في كل مكان من العالم، أصبح من أهم عوامل تضخم الدين العام الأمريكى، وانفلات الإنفاق العسكرى يؤثر بالسلب علي الإنفاق على تطوير البحث العلمي والتكنولوجيا ونظام التعليم (مقارنة بالاقتصادات المنافسة تقليديا والصاعدة).. مما يؤثر في النهاية علي القدرة التنافسية للاقتصاد.. ويسمح بنمو الصناعات العسكرية واحتكارات السلاح علي حساب الصناعات الحديثة وفروع التكنولوجيا الأكثر تطورا.

وصحيح أن هذه السياسة الإمبراطورية تسمح للولايات المتحدة بتحقيق مكاسب اقتصادية ومالية كبيرة بفضل نفوذها السياسي والعسكرى.. إلا أن هذه المكاسب تصب في صالح احتكارات وفروع صناعية بعينها، وتجمعات احتكارية بعينها، بينما تتخلف القدرة التنافسية لبقية القطاعات ليس في السوق العالمية فحسب، بل وداخل السوق الأمريكية مما يؤدى إلى تفاقم العجز التجاري الأمريكى.

والخلاصة أنه لابد من إعادة بناء شاملة للاقتصاد الأمريكى والحد من الجشع الاستهلاكي والسياسة الإمبراطورية الأمريكية، لكي يمكن استعادة القدرة التنافسية المتقدمة للاقتصاد الأمريكى.. وأن الإجراءات الحمائية ليست الحل الأمثل لمواجهة العجز الأمريكى الضخم والمتزايد.. بل إنها طريقة لحفز الإجراءات الانتقامية من جانب كبار المنافسين، وإشاعة الفوضى في الاقتصاد العالمى، وتدمير قواعد التجارة الدولية والنتيجة الحتمية لكل ذلك هى تصعيد التوتر في العلاقات الدولية، واتجاه القوى المنافسة للولايات المتحدة لإقامة التكتلات الاقتصادية (وربما السياسية والعسكرية) في مواجهتها.. وهو ما يخسر فيه الجميع.. فهل تفهم واشنطن هذه الحقيقة البسيطة والساطعة.. أم تستمر في إشعال المزيد من شرارات الحرب التجارية العالمية؟ سنرى...

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE