الأموال
السبت، 27 أبريل 2024 03:19 صـ
  • hdb
18 شوال 1445
27 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب:  ترامب يشعل شرارة الحرب التجارية العالمية (1)

الأموال


 

 

قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب 25% والألومنيوم 10٪ أثار توترًا كبيرًا في الأسواق التجارية العالمية. القرار الذى اتخذه ترامب فى 8 مارس الجارى يبدأ تطبيقه خلال أسبوعين من توقيعه (23 مارس).. وبموجبه سترتفع أسعار واردات الصلب والألومنيوم الأجنبية في السوق الأمريكبة بالنسب المذكورة (25٪ للصلب و10٪ للألومنيوم) باستثناء الواردات القادمة من المكسيك وكندا ــ البلدين العضوين مع الولايات المتحدة في منظمة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (النافتا).

وأولي الدول التى تتأثر صادراتها من هاتين السلعتين الحيويتين إلي السوق الأمريكية هى الصين ودول الاتحاد الأوروبى.. لذلك سرعان ما توالت ردود الفعل الغاضبة من بكين وبروكسل اللتين أعربتا عن «معارضتهما الشديدة» للقرار وانتقادهما لمزاعم ترامب بأنه اتخذه «لحماية الأمن القومى الأمريكى»!! وأعلنت الصين أن القرار يمثل انتهاكا متعمدا لقواعد التجارة العالمية وسيكون له تأثيرات خطيرة علي النظام التجاري الدولى وأن بكين تدرس الرد الممكن وأصدر كبار المسئولين في الاتحاد الأوروبى تصريحات بنفس المعنى مؤكدين أن الاتحاد قد بدأ في إعداد قائمة بالمنتجات الأمريكية التي سيفرض عليها رسوما جمركية بنفس النسبة.. وسارع ترامب إلي التصريح بأنه إذا ما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة مثل هذه، فإنه (ترامب) سيتخذ قرارا بفرض رسوم جمركية علي السيارات الأوروبية الواردة إلي السوق الأمريكية.

>> وجدير بالذكر أن القرار الأمريكى تطال تأثيراته صادرات الصلب المصرية إلي الولايات المتحدة من شركتى «حديد عز» و«قنديل للصلب» والتي تبلغ قيمتها 178 مليون دولار، سيؤدى تطبيق القرار عليها إلي إغلاق السوق الأمريكية في وجهها.

ومعروف أن الولايات المتحدة تستهلك نحو 110 ملايين طن من الصلب (إحصاءات 2017) تنتج منها نحو 80 مليون طن وتستورد 30 مليون طن بتكلفة قدرها 33.50 مليار دولار.. كما بلغت تكلفة استيرادها من الألومنيوم العام الماضى (17.3 مليار دولار).. ولا تبدو هذه الأرقام كبيرة جدا بالقياس إلي حجم السوق الأمريكية الهائل أو حجم التبادل التجارى الدولى.. لكنها تمثل معضلة حقيقية للدول المصدرة لأنها ستكون أمام خيارات أحلاها مر: إما أن تفقد مكانها فى السوق الأمريكية بسبب ارتفاع أسعار منتجاتها بما يعادل نسبة الجمارك المضافة، وبالتالى فقدان القدرة التنافسية وضرورة أن تبحث لنفسها عن أسواق بديلة.. وهذا ليس بالأمر السهل.. وإما أن تخفّض أسعار منتجاتها بما يحافظ علي قدرتها التنافسية بعد إضافة الجمارك.. وكل هذه احتمالات تؤدي إلي الخسائر، وإلي التأثير سلبًا علي صناعتى الصلب والألومنيوم في تلك البلدان لصالح ازدهار هاتين الصناعتين في أمريكا، وزيادة فرص العمل فيهما.

الأمر الأهم من ذلك هو أن السكوت علي هذا الانتهاك غير المسبوق لاتفاقيات «الجات» ولقواعد عمل منظمة التجارة العالمية التي استغرق التوصل إليها عشرات السنين من المفاوضات الشاقة ـ يعنى فتح الباب علي مصراعيه أمام الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات مشابهة كلما اقتضت مصالحها الأنانية ذلك.. وبالتالي إشاعة الفوضى في الأسواق العالمية، وفى نظم التجارة الدولية.. وهذا أمر له عواقبه الخطيرة علي الاقتصاد العالمي بمجمله.

وعلي سبيل المثال فقط فمن المعروف أن صناعة السيارات الأمريكية فقدت الجانب الأكبر من قدرتها التنافسية بسبب ارتفاع أجور العمال وتكلفة عديد من مدخلات الإنتاج والتمسك بمستوى من الرفاهية يؤدي إلى زيادة استهلاكها للبنزين، الذى ارتفع سعره في العقود الأخيرة.. مما أدى إلى غزو واسع النطاق من جانب السيارات اليابانية والأوروبية لسوق السيارات الأمريكية، ومن ثم إلى إغلاق العديد من المصانع وتسريح عمالها، الأمر الذى تتبدى آثاره بوضوح في مركز أساسى لصناعة السيارات مثل مدينة ديترويت.. وبدلا من التفكير في طرق لرفع مستوي تنافسية صناعة السيارات الأمريكية، فإن رجال الصناعة والاقتصاد وحتي السياسيين الأمريكيين يصبون جام غضبهم علي الشركاء والمنافسين ا لأوروبيين والأمريكيين.

وحينما كان ترامب يحضر قمة العشرين في هامبورج (ألمانيا) الصيف الماضي وصل به الأمر إلى حد وصف الألمان بأنهم «شعب سيئ»!! لأنهم يبيعون نحو مليون سيارة سنويا في السوق الأمريكية!! ولأن الولايات المتحدة لديها عجز تجارى يصل إلي نحو 50 مليار دولار سنويا مع ألمانيا!! ولهذا رأيناه يتحدث خلال الأيام الماضية عن إمكانية فرض رسوم جمركية علي السيارات الأوروبية (الألمانية والإيطالية والفرنسية) إذا تجرأ الاتحاد الأوروبى علي اتخاذ إجراءات جوابية إزاء قراره بفرض رسوم جمركية علي الصلب والألومنيوم، الأمر الذى يشير إلى سيطرة فكرة الإجراءات (الحمائية) علي تفكيره فى مواجهة السلع الأجنبية ذات التنافسية العالية.. وهي إجراءات تتناقض بوضوح مع شعارات حرية التجارة واقتصاد السوق، وحرية المنافسة التي تصدع رءوسنا بها أمريكا ومؤسساتها الاقتصادية والبحثية والمنظمات الدولية التي تسيطر عليها كالبنك والصندوق الدوليين حين تكون تلك الشعارات مواتية لصالح الولايات المتحدة، وحين يكون مطلوبا فتح الأسواق الوطنية في الدول النامية بالذات أمام المنتجات الأمريكية والغربية.. ولطالما سمع العالم كله، وبكل التنويعات الممكنة ـ معزوفة أن (الحمائية) نظام عفي عليه الزمن.. وأن الاقتصاد الحر يعنى ضرورة فتح الأسواق أمام السلعة الأفضل والأرخص.. أو.. الأكثر تنافسية.

المشكلة الكبرى أن الولايات المتحدة، وهي تمثل أكبر اقتصادات العالم، لديها عجز تجارى يبلغ أكثر من 700 مليار دولار سنويا نتيجة لشراهة السوق الاستهلاكية الأمريكية، ولتراجع القدرة التنافسية لعديد من الصناعات والسلع الأمريكية أمام إنتاج الدول الصناعية الكبري الأخرى، وحتى أمام إنتاج الدول الصاعدة كالنمور الآسيوية والبرازيل.. ومع استشراء (النزعة الحمائية) كأسلوب لمحاولة تقليص العجز التجاري الأمريكى الضخم، وحل مشكلات الاقتصاد الأكبر في العالم، الذى تتراجع قدراته التنافسية بصورة مستمرة.. فإن احتمالات التوتر تتصاعد بشدة في الأسواق التجارية العالمية.. ومع إصرار دونالد ترامب علي اتخاذ خطوات لا تقيم اعتبارا لمصالح الشركاء الاقتصاديين والتجاريين، ولا للالتزامات التعاقدية للدول مع اتفاقيات ومعاهدات متعددة الأطراف.. فإن شرارات الحرب التجارية العالمية توشك علي الاندلاع..

وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE