الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 06:36 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مرة أخرى.. مهزلة رفع أسعار الدواء (3)

الأموال

تحدثنا في المقالين السابقين من هذه السلسلة عن مشكلة التسعير الاقتصادى السليم للدواء، وخاصة بالنسبة لإنتاج شركات القطاع الحكومى، والذي أدي تسعيره بأقل من تكلفة إنتاجه إلي أزمة حقيقية في اقتصاديات هذه الشركات.. وكيف أدت الإدارة السيئة للأزمة إلي تفاقمها، واستفادة شركات القطاعين الخاص والأجنبى من رفع أسعار الدواء مرتين، وبأساليب يشوبها التلاعب والممارسات الاحتكارية بل والغش التجارى، بينما تفاقمت مشكلة الشركات الحكومية التى كانت والأصل هى الدافع لمراجعة أسعار الدواء.. وتضخمت خسائرها وديونها.. حيث بلغت الخسائر خلال عام 2016/2017 المالى وحده أكثر من 800 مليون جنيه (المصرى اليوم - 22/2 - حديث رئيس الشركة القابضة).

ونرجو ـ بادئ ذى بدء ـ أن يكون واضحا أننا لسنا ضد شركات القطاعين الخاص والأجنبى، فالسوق يحتاج إلي إنتاجها.. أى أن صحة وحياة المصريين بحاجة إليها، كما أننا لسنا ضد تحقيق هذه الشركات لأرباح (معقولة) ـ لأن رأس المال لا يقبل علي الاستثمار في أى مجال، ما لم يكن هذا الاستثمار مربحًا.. هذه أمور بديهية لا تحتاج إلى برهان.

لكن ما ليس معقولا هو أن تتم معالجة مشكلة شركات الدولة بصورة تؤدي إلي تفاقمها.. ثم نعود مرة أخرى إلي طرحها بطريقة تؤدي إلي المزيد من التفاقم!!

لقد بدأت مشكلة شركات الدولة بتسعير أدويتها بصورة غير اقتصادية ومنذ الستينات ـ وإلي إرهاقها بهيكل إدارى متضخم.. بما في ذلك وجود إدارة عليا وما يتبعها من امتيازات وسكرتارية وعمالة زائدة.. إلخ، يتم تحميلها علي تكلفة الإنتاج.. وبعد ذلك تظل تسعيرة إنتاجها كما هى لسنوات طويلة بدعوى المسئولية الاجتماعية للدولة!! فالمؤسسات الاقتصادية يجب إدارتها بطريقة اقتصادية من حيث سياسات الإدارة والعمالة والتسعير.. إلخ، وإذا أرادت الدولة دعم أسعار المنتج المحدد (الأدولة في حالتنا) فهى التي ينبغى أن تتحمل مسئولية هذا الدعم، وليس الشركات، وإلاّ فإن اقتصاديات هذه الشركات تتعرض للانهيار.. ويكون المطلوب فى هذه الحالة بحث طريقة هذا الدعم بحيث تتحمله الدولة وليس هذه الشركات... ثم نعود فنتباكى علي خسائر شركات القطاع الحكومى، التي لا ذنب لها فيها في الحقيقة.

وإذن فقد كان مطلوبًا أن تتحمل الدولة عبء مسئوليتها الاجتماعية عن أسعار الدواء الذى تنتجه شركات القطاع الحكومى.. ثم كان مطلوبا دمج ما يمكن دمجه من هذه الشركات (8 شركات تنتج نحو 1200 مستحضر دوائى) لتقليص نفقات الهياكل الإدارية العليا والخدمات.. الخ.. ولتعزيز موازنات إدارات الأبحاث والتطوير (ذات الأهمية الكبرى في شركات الأدوية) والتسويق..الخ.. لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن!!

ومن ناحية أخرى فإنه بعد توسع شركات القطاعين الخاص والأجنبى، كان ينبغي إعطاء الشركات الحكومية أولوية في توريد لوازم المستشفيات الحكومية ومستشفيات هيئة التأمين الصحى ومختلف العيادات ومراكز العلاج من الأدوية والمستحضرات الطبية، وبأسعار اقتصادية مناسبة.. والأهم من ذلك.. أن يتم سداد مستحقات الشركات تجاه الدولة بصورة منتظمة.. وهو ما لم يحدث أبدًا حتى الآن، بحيث وصلت مديونيات وزارةالصحة للشركات الحكومية إلي 800 مليون جنيه حسب الأرقام التي ذكرها رئيس الشركة القابضة في حديثه الذى نستند إليه!! فهل هذا معقول؟!!

ونتيجة لكل ما ذكرناه ـ ولأسباب أخرى أقل أهمية ـ تفاقمت خسائر شركات الدواء الحكومية وعجزت عن تطوير نفسها.. واستمر نصيبها من السوق الدوائية في التناقص حتى وصل إلي 12٪ فقط!! هذا العام! فضلا عن خسائرها وديونها.. ومستحقاتها الكبيرة المتأخرة.

حسنًا.. إذا كان شىء من ذلك كله لم تتم معالجته، ألم يكن من الواجب عند معالجة مشكلة تسعير الدواء والتي اتُخذت الشركات الحكومية ذريعة له أن يتم البحث عن طريقة لموازاة أسعار إنتاج هذه الشركات من الأدوية بأسعار أدوية شركات القطاعين الخاص والأجنبى؟

والمعروف أن تسعيرة الدواء لا يمكن العبث بها فيما يتصل بالاسم التجارى.. لكن من الأفكار الهامة التي تم طرحها في ربيع 2016 عند مناقشة ضرورة رفع أسعار الأدوية، أن يتم تحديد الأسعار علي أساس التركيب الصيدلي أو الكيميائى.. لكن هذه الفكرة سرعان ما تم طرحها جانبا، والمضى في التعامل علي أساس الأسماء التجارية للأدوية.. وهذا خطأ كبير انعكس بصورة خاصة علي شركات القطاع الحكومى.

ولتوضيح الأمر سنفترض أن نوعا من المضادات الحيوية مثلا.. أو حتى أدوية السعال أو المسكنات يحمل الاسم التجارى «س» فى إنتاج الشركة الحكومية، بينما يحمل الاسم «ص» أو «ع» في إنتاج الشركة الخاصة أو الأجنبية.. مع أن له نفس التركيبة ونفس المكونات.. فسنجد أن الدواء «س/الحكومى» يباع بسعر زهيد جدا.. بينما الدواء «ص/الخاص أو الأجنبى» يباع بأضعاف السعر، بالرغم من وحدة التركيبة والفاعلية.. فإذا تم رفع الأسعار بنسبة 50٪ مثلا لكلا الدواءين فسنجد أن سعر الدواء (س/ الحكومى) سيرتفع من 10 جنيهات مثلا إلي 15 جنيها.. بينما نظيره (ص أو ع الخاص أو الأجنبى) سيرتفع من 40 جنيها إلى 60 جنيها!! بأربعة أمثال السعر.. وبأكثر من ذلك كثيرا من هامش الربح.. وهذا أمر لا يحمل أي معقولية من الناحية الاقتصادية.. ومن ناحية أخرى فإن الأرباح الضخمة التي تحصل عليها الشركات المحظوظة سيمكن إنفاق مبالغ أكبر منها علي الدعاية والتسويق وتقديم العبوات المجانية للأطباء.. وإقامة مؤتمرات باذخة فى أماكن فخمة، بل وفي الخارج أحيانًا، ودعوة الأطباء إليها، مما يزيد من (شعبية) هذا الدواء، كما أن الصيادلة الذين يحصلون علي هامش ربح (من 20 ــ 25٪) سيكون نصيبهم من الأرباح أكبر بكثير في حالةالأدوية الأعلى.. وبالتالي فسيكونون أكثر اهتماما ببيعها لأننا لا نعيش فى مجتمع من الملائكة.. والنتيجة واضحة بالطبع.. وواضح أنها ضد مصلحة إنتاج الشركات الحكومية.

بينما يتيح تسعير الأدوية علي أساس التركيب الكيميائى أو الصيدلى توحيد أسعارها.. وهو الأمر العادل اقتصاديا.. والذى يمكن أن يتيح «تعويم» أوضاع الشركات الحكومية، ولا تخسر فيها الشركات الخاصة والأجنبية شيئا.. ويمكن بالطبع ترك هامش مناسب في حدود 5٪ مثلا لفارق جودة التعبئة والتغليف..

وبدون ذلك ستظل أسعار أدوية القطاع الحكومى شديدة الانخفاض أو تزيد بمعدلات شديدة الضعف.. بينما تستفيد شركات القطاع الخاص والأجنبى من ارتفاع الأسعار أضعافا مضاعفة.

وإذا كان هذا المبدأ قد تم إهماله تماما عند رفع أسعار الأدوية في المرتين السابقتين، فقد آن الأوان لوضعه كمبدأ أساسى موجه عند بحث أى زيادة للأسعار.. لكننا لم نجد أثرًا له في حديث رئيس الشركة القابضة (الحكومية) الذى طالب فيه برفع الأسعار!!

وبهذه الطريقة يمكن تحقيق قدر معقول من التوازن بين أسعار إنتاج الشركات الحكومية والخاصة والأجنبية من الأدوية المتشابهة التركيب.. وتبدأ الخسائر في التقلص.. فإذا أضيف إلي ذلك بقية الملاحظات التي ذكرناها أعلاه من ادماج الهياكل الإدارية حيث يمكن ذلك، وتسديد وزارة الصحة والهيئات الحكومية لديونها الكبيرة للشركات الحكومية (800 + 1500 = 2300 مليون جنيه) بما يتيح لها تسديد ديونها المتأخرة، وتحسين أوضاعها المالية مع منحها أوضاعا تفضيلية في التوريد للمستشفيات الحكومية ومستشفيات التأمين الصحى.. الخ، والنظر في تعويضها عن الخسائر المتراكمة بسبب سياسات فاشلة اقتصاديا وإداريا.

إن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تفتح أبواب الأمل بصورة جدية أمام إمكانية إنقاذ شركات الدواء الحكومية من أزمتها الحكومية الطاحنة والحفاظ علي قطاع اقتصادي وطنى عريق فهل نفعل؟

 

مصر للطيران
التسعير الاقتصادى الدواء

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE