الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 11:17 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: مرة أخرى.. مهزلة رفع أسعار الدواء (1)

الأموال


 

 

يبدو أننا مقبلون على مشاهدة إعادة عرض لمسرحية عبثية سخيفة اسمها »رفع أسعار الدواء« للمرة الثالثة أو الرابعة خلال سنتين أو أقل!!

جريدة »المصرى اليوم« (الخميس 22 فبراير2018) نشرت في صفحتها الاقتصادية تصريحات مطولة للدكتور محمد ونيس رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام يحذر فيها من أن الشركات التابعة »القابضة« مهددة بالتوقف بسبب الخسائر! والبيع بأقل من سعر التكلفة (بالرغم من الزيادات الضخمة التى شهدتها أسعار الأدوية خلال العامين الماضيين)..

وقال ونيس إن الشركات التابعة (القابضة للأدوية) بحاجة إلى ضخ استثمارات لتحديثها وتطويرها، وأنها تواجه تحديات عديدة في مقدمتها »عدم تحديد الأسعار الاقتصادية للمنتجات، حيث يتم بيعها للمستهلك بأقل من سعر التكلفة مما يكبد الشركات خسائر«.. وأضاف أن خسائر الشركة المصرية لتجارة الأدوية وحدها ــ وهى واحدة من 12 شركة تابعة للشركة القابضة ــ قد بلغت 819 مليون جنيه فى السنة المالية 2016/2017.

وأنه ناقش خلال اجتماعه بوزير قطاع الأعمال العام أسباب تلك الخسائر، ومن بينها فروق أسعار العملة بعد تعويم الجنيه، ومناقصات التوريد لصالح وزارة الصحة، مشيرا إلى أن الشركة طالبت بتعويضات قدرها 400 مليون جنيه من الدولة لكنها لم تحصل على شيء حتى الآن.

وذكر »ونيس« أن أزمة الشركة المصرية أدت بها إلى السحب على المكشوف، مما رفع مديونياتها للبنوك إلي نحو 400 مليون جنيه.. أدى ارتفاع أسعار الفائدة 20% لزيادتها إلى نحو 800 مليون جنيه.. بينما تتلكأ وزارة الصحة وجهات حكومية أخرى في سداد مديونياتها للشركة، حتى بلغت نحو 1.5 مليار جنيه!! فضلا عن وجود رأسمال مجمد في صورة مخزون مستورد يفوق احتياجات السوق.

ونعتذر للقارئ الكريم عن هذه الإحالات المطولة لتصريحات رئيس الشركة القابضة للأدوية، فسيتضح فى سياق مناقشتنا للقضية أنها كلها ضرورية لتوضيح جوانب القضية.

>> لكن من الضرورى قبل كل شىء الإشارة إلى أن السيناريو الجارى الآن للمطالبة برفع أسعار الأدوية، هو نفسه بالضبط ما جرى في ربيع 2016.. بدعوى حل مشكلات الشركات الحكومية، لكنه انتهى برفع أسعار الدواء الذى تنتجه الشركات الأجنبية ووكلائها في مصر، وبتدفق أرباح طائلة إلى خزائن تلك الشركات دون مبرر قانوني أو اقتصادى مقنع.. وعلي حساب المستهلكين (المرضى) المصريين.. بينما لم تستفد منه الشركات الوطنية إلاّ الفتات.. لأن طريقة معالجة القضية خاطئة تماما من الألف إلى الياء.. وتقوم على تحميل المستهلك (المريض) كل الأعباء، وعواقب الإدارة الاقتصادية الفاشلة، ولصالح الأجنبى أساسًا.

>> وهو السيناريو المطلوب تكراره  اليوم!! وكأننا لا نتعلم شيئا من أخطائنا!!

فقد بدأت إثارة قضية أسعار الدواء عام 2016 بشكوى الشركات الحكومية من انخفاض أسعار الدواء بصورة تجعل الشركات الوطنية تخسر، حيث إن تسعيرة الدواء جبرية، (وهى لا يمكن إلاّ أن تكون كذلك فى أى بلد محترم.. لأنها ترتبط مباشرة بالحق فى العلاج.. أى الحق فى الحياة.. وبالتالى لا يمكن تركها للمضاربات وجشع التجار أو الصناع).

وما حدث هو أن الدولة تأخرت كثيرا في رفع أسعار كثير من الأدوية، بحيث أن التضخم جعلها غير اقتصادية وبالتالى تتعرض الشركات المنتجة للخسارة إذا استمرت في بيعها بنفس (التسعيرة).

 

الخلط المتعمد والمخادع

لكن النقاش الجدى للقضية كان يقتضى التفريق بوضوح تام بين شركات الدولة والشركات الأجنبية والخاصة.. فالأدوية الرخيصة التي كان سعرها يبلغ (جنيها أو اثنين أو ثلاثة.. مثلا للعبوة) كانت أساسًا من نصيب الشركات الحكومية.. وكان مفروضا علي هذه الشركات (8 شركات منتجة تابعة للشركة القابضة) ليس فقط التسعيرة الجبرية شأنها في ذلك شأن غيرها، بل وأيضًا أعباء العمالة الزائدة المؤمن عليها.. وتضخم مستويات الإدارة العليا التى تتقاضى مرتبات ضخمة ومميزات كبيرة من مكاتب وسكرتارية وسيارات.. الخ.. وكل ذلك يتم إضافته إلى تكلفة الإنتاج.. في حين تظل التسعيرة ثابتة للأسباب الاجتماعية المعروفة.

وعن هذه النقطة بالذات يجب أن نتوقف لنوضح أن الشركات الخاصة والأجنبية كان إنتاجها يخضع للتسعيرة هى الأخرى.. ولكن.. كانت هذه الشركات تنتج أدوية أخرى، بأسماء تجارية أخرى (حتى لو كان نفس التركيب الكيميائى واحدًا، أو متقاربًا للغاية) ومع تغليف وتعبئة أفضل قليلا.. وتحصل بالتالي علي تسعيرة أكبر بكثير (وكمثال توضيحى بسيط: قارن مثلا أسعار المضادات الحيوية الشائعة، وأدوية السعال والصداع والمسكنات مثلا فستجد إنتاج الشركات الخاصة والأجنبية تبلغ أسعاره عموما ضعف، وأحيانا ثلاثة أمثال نظيره من إنتاج الشركات الحكومية).

والمفارقة الساخرة أنه حينما تقرر رفع أسعار الأدوية في مايو 2016 (بدعوى إنقاذ شركات قطاع الدولة من الإفلاس).. فقد تم رفع أسعار الأدوية كلها بنفس النسبة بغض النظر عن التسعيرة الأصلية وبالتالى فإنه إذا كان الدواء الذى تنتجه الشركة الحكومية يساوى (10جنيهات) وارتفع سعره بنسبة 20% ليصبح 12 جنيها، فإن نظيره بالضبط الذى تبيعه الشركة الخاصة أو الأجنبية بـ20 جنيها سيصبح سعره 24 جنيها بضعف المكسب!! وقس علي ذلك.. هنا تبدو النسبة خادعة، لأن المكسب المطلق مضاعف..

وفي الوقت نفسه فمن الأهمية بمكان كبير جدًا أن نشير إلى أن السعر الذى كانت تبيع به الشركات الخاصة والأجنبية كان رابحًا أصلا.. وإلا لما كانت الاستثمارات تتدفق بقوة في هذا القطاع، ولما كانت الصيدليات تتكاثر كالفطر بعد المطر، ولما كان الناس يدفعون عشرات الآلاف كل عام لتعليم أبنائهم في كليات الصيدلة بالجامعات الخاصة.. فضلا عن الإنفاق الهائل على الدعاية من جانب الشركات المذكورة.

هذه الطريقة العشوائية في اتخاذ القرار لم تستفد منها شركات قطاع الدولة التى كان المستهدف برفع الأسعار أصلا هو إنقاذه!! فلم تحصل هذه الشركات إلا على الفتات.. بينما تحققت الفائدة الأكبر لشركات القطاع الخاص والأجنبى التى كانت أسعار منتجاتها مناسبة واقتصادية أصلا!!

وكان الإجراء الصحيح الواجب اتخاذه وقتها هو فحص أسعار الأدوية ورفعها بصورة منفردة (ما يحتاج إلى رفع) مع التركيز علي الارتفاع بمستوى الأدوية شديدة الرخص بنسبة أكبر لتصبح أسعارها اقتصادية، وبحيث تسهم ــ ضمن إجراءات أخرى ــ فى إنقاذ شركات قطاع الدولة من الإفلاس.

وهنا يجب التشديد أيضا علي نقطة مهمة هى أن استيراد الخامات الدوائية تقوم به الدولة أساسًا.. وهى التى توفر له العملة الصعبة اللازمة (حينما كانت هذه مشكلة كبيرة).. المدعومة من البنك المركزى.. ثم تبيعه للجميع (حكومى وخاص) بنفس السعر.. بينما يتفاوت سعر المنتج النهائى بصورة كبيرة بين خاص وحكومى!!

وواضح تمامًا أن كل هذا ليس إلا فوضى وعشوائية لا علاقة لها باقتصاد السوق من قريب أو بعيد..

والأسوأ من ذلك أن شركات تجارة وتوزيع الأدوية لجأت إلى إخفاء الأدوية المطلوب رفع سعرها و(تعطيش السوق) للضغط علي الدول وعلي المستهلكين (المرضى).. ولما تم رفع الأسعار ظهرت الأدوية المختفية علي الفور!! وهذا يعنى أن هناك من لجأ عامدًا إلي إخفاء الأدوية في ممارسة احتكارية إجرامية كان ينبغى محاسبة مرتكبيها قانونا لحجبهم سلعة تتصل بحق العلاج للمرضي.. أى بالحق في الحياة.. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث.. بل وأطلقت الحكومة أيدى الصيادلة في رفع أسعار »الشرائط والأمبولات« داخل العلبة الواحدة باعتبارها وحدات مستقلة من الدواء!! والواقع أن الأمر وصل إلى حد المهزلة.. ولكن مهلا.. فللمهزلة فصول أخرى.. مرَّ بعضها، وترتسم الآن أمام أعيننا ملامح ومقدمات فصل آخر منها.

وللحديث بقية..

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE