أسامة أيوب يكتب :  البنك الزراعى.. وملف الديون المتعثرة

جاء قرار البنك الزراعى المصرى الأسبوع الماضى بالتنازل عن نحو 400 مليون جنيه من الديون المتعثرة بمثابة خطوة جادة وبادرة طيبة لا تخفى دلالتها المهمة لتخفيف الأعباء الجسيمة التي يعانيها الفلاحون المصريون وسط الأزمات والمشكلات المتلاحقة والتي تنعكس سلبًا بالضرورة على مجمل القطاع الزراعى.

دلالة هذه المبادرة أيضًا هى انتباه وإدراك البنك الزراعى لأهمية دعم هذا القطاع ومن ثم دعم المزارعين المصريين خاصة الصغار منهم فى مواجهة هذه الأزمات وفى مقدمتها ارتفاع أسعار التقاوى والأسمدة ومشكلات الرى وبقية مستلزمات الزراعة، إضافة إلى مشكلات تسويق المنتجات والمحاصيل بأسعار عادلة ومجزية تكفل تحقيق الربحية، حيث غالبا ماتكون حصيلة البيع أقل كثيرًا من التكلفة وعلى النحو الذى يمثل ظلمًا كبيرًا للفلاح في نهاية الموسم ومن ثم يعجز عن تسديد مديونيته للبنك.

 

أهمية مبادرة البنك الزراعى الأخيرة هى أنه قد استفاد منها نحو 21 ألف عميل من صغار الفلاحين الذين وصفهم بالجادين في استمرار أنشطتهم الزراعية، وفي نفس الوقت فإن الأهم والذى يؤكد جدية البنك في مواجهة أزمة الديون المتعثرة هو أن حجم المديونيات التى تمت معالجتها خلال ثمانية أشهر بلغ مليارا و255 مليون جنيه بحسب تصريح السيد القصير رئيس مجلس إدارة البنك.

 

ولاشك فإن هذا الحجم من الديون المتعثرة يعكس بكل وضوح معاناة ملايين الفلاحين المصريين الذين يواجهون مشكلة التعثر في سداد ديونهم لدى البنك الزراعى وهو التعثر الذى يؤكد وجود أزمة حقيقية فى قطاع الزراعة تستدعى تدخلا جادا من الحكومة ممثلة في وزارتى الزراعة والرى واعتماد سياسات جديدة تستند إلى استراتيجية زراعية متطورة لإنقاذ هذا القطاع من التعثر ومن ثم دعم المزارعين في مواجهة هذا التعثر.

ولعله لا يخفى أن قطاع الزراعة هو أحد أهم قطاعات الإنتاج وأحد أهم مصادر الدخل القومى، ثم لا يخفي أيضًا أنه المصدر الأول في توفير احتياجات ومتطلبات الاستهلاك المحلى من الغذاء وبعض مستلزمات الصناعة فى وقت تواجه فيه مصر نقصًا غير قليل فى المنتجات والمحاصيل الزراعية الضرورية وهو النقص الذى تضطر معه الدولة إلى تعويضه بالاستيراد بالعملة الصعبة.

 

اللافت في مبادرة البنك الزراعى الأخيرة بإسقاط 400 مليون جنيه من الديون المتعثرة، إضافة إلى معالجة ديون قيمتها أكثر من مليار وربع المليار جنيه قبل ذلك.. اللافت أنها وحسبما يتضح من تصريحات رئيس البنك بداية توجه جديد وجاد لإغلاق ملف الديون المتعثرة وفق سياسة جديدة لمعالجة هذا الملف تعتمد علي دراسة كل حالة علي حدة واتخاذ القرار بشأنها.

 

ولاشك أن هذا التوجه الجديد والجاد للبنك الزراعى يمثل رسالة طمأنة حقيقية للفلاحين بوجه عام والصغار منهم بوجه خاص إزاء تداعيات التعثر فى سداد الديون وهواجس التهديد بالسجن أو على الأقل مضاعفة حجم الدين بفعل غرامات التأخير فى السداد إضافة أيضا إلى التوقف عن الاستمرار في النشاط الزراعى وما يعنيه ذلك من إغلاق مصدر الرزق الوحيد لهم ولأسرهم.

الجديد أيضًا في سياق هذا التوجه الجديد وحسبما أوضح رئيس البنك هو اعتماد سياسة جدولة وتسوية الديون ولآجال تصل إلى سبع سنوات بل إن هذه الآجال يمكن تحديثها من آن لآخر لتتناسب مع ظروف كل حالة، ومن ثم فإن تطبيق هذه السياسة في معالجة ملف الديون المتعثرة يعنى أن البنك الزراعى يكون قد بدأ خطوة مهمة في إرساء مفهوم الشراكة بينه وبين عملائه من الفلاحين.

 

هذه السياسة الجديدة تعكس الفلسفة الحقيقية التى بدأ البنك فى انتهاجها والتي كان يتعين أن ينتهجها قبل ذلك وقبل تفاقم أزمة الديون المتعثرة، وهى الفلسفة التى وصفها رئيس البنك بأنها تستند إلى أنه لا جدوى مطلقا من اتخاذ إجراءات التقاضى بحق الفلاحين المتعثرين، بينما تكمن الجدوي الحقيقية فى استثمار كل أشكال الدعم بهدف عودة المزارعين من عملاء البنك للإنتاج والربحية والقدرة على الوفاء بالتزاماتهم وسداد الديون المستحقة.

 

فى سياق هذا التوجه الجديد لمعالجة ملف الديون المتعثرة وفقا لقرار البنك المركزى تأتى أهمية استحداث البنك الزراعى لقطاع معالجة الديون المتعثرة لأول مرة منذ إنشائه، وهو القطاع الذى يمثل آلية ضرورية وناجزة باعتبارها تأتى وحسبما أوضح رئيس البنك من منطلق إدراكه لأهمية وضرورة حل مشكلات المتعثرين ورفع المعاناة عن كاهل المزارعين من جهة والمساهمة في رفع نتائج الأعمال وتحقيق الأرباح من جهة أخرى.

 

يبقى فى النهاية أنه مع الإقرار بأهمية هذا التوجه الجديد للبنك الزراعى فإن الأهم هو الاستمرار في التطبيق.. تأكيدا للدور الحيوى الذى يؤديه في خدمة قطاع الزراعة وفى دعم وتشجيع الفلاح المصرى أيضا.