الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 09:01 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : في مواجهة ”حرب التجويع الأمريكية ـ الصهيونية” دعم الاقتصاد الفلسطينى.. واجب عربي مقدس

الأموال

قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب غير الشرعى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها كان بمثابة وعد بلفور ثان يعطى بموجبه من لا يملك لمن لا يستحق، كما أفاضت الأقلام والتصريحات، وبالرغم من أن القرار ليست له قيمة قانونية كما أكدت الأغلبية الساحقة من أطراف المجتمع الدولى بما فيها الدول الكبرى سواء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة »بأغلبية أكثر من ثلثى الأصوات«.. أو فى قرار مجلس الأمن »الذى أجهضته الولايات المتحدة باستخدام الفيتو«.. إلاّ أن الأهمية السياسية والعملية للقرار هى بمثابة كارثة فعلية بالنسبة لحقوق الشعب الفلسطينى التاريخية في المدينة المقدسة.

فالقرار هو إعلان وقح عن الانحياز الأمريكى السافر للموقف الإسرائيلى بضم القدس الشرقية، وإعلانها »عاصمة أبدية« لإسرائيل وما يسمى »الشعب اليهودى«.. وبهذا المعنى فإنه يمثل ضربة قاصمة لجهود التسوية السلمية الجارى التفاوض حولها بين السلطة الفلسطينية والدولة الصهيونية، كما أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام عملية »تهويد القدس« الجارية علي قدم وساق في تناقض تام مع الشرعية الدولية وقراراتها المتعددة الرافضة للاستيطان الصهيونى ولإجراء أى تغيير فى طبيعة المدينة المقدسة.. وبديهى أيضا أن الموقف الأمريكى تجاه القدس سيفتح الباب أمام عديد من الدول الصغيرة لنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، سواء كان ذلك تحت وطأة الضغوط أو الإغراءات الأمريكية والإسرائيلية.. وبديهى أن من شأن ذلك أن يساعد على خلق أمر واقع جديد بصورة تدريجية، في المدينة المقدسة.

المفارقة المريرة أن الدولة العظمي الراعية لما يسمى »بصفقة القرن« هى نفسها التى تقدم تصورا لهذه الصفقة يقود إلى التصفية التامة للقضية الفلسطينية، والأكثر من ذلك أنها تمارس ضغوطا شديدة للغاية علي السلطة الفلسطينية للموافقة على هذه التصفية.. وهى ضغوط اكتسبت أبعادا أشد قسوة خلال عام 2017، فى ظل تراخٍ عربي مذهل، وحالة تفسخ في الوضع العربى تصل إلى حد تسليم »أوراق الضغط« العربية القليلة الباقية، وفي مقدمتها »التطبيع« الجارى علي قدم وساق بأشكال مختلفة، بالرغم من اشتداد وتيرة الاستيطان والتهويد الإسرائيلى في الضفة الغربية ومدينة القدس.. بينما تزداد ضراوة الضغوط الأمريكية لتضع الشعب الفلسطينى بين المطرقة الصهيونية والسندان الأمريكى بصورة غير مسبوقة.

فبعد قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة، أعلن ترامب أن واشنطن قررت قطع المساعدات التى تقدمها أمريكا إلى السلطة الفلسطينية (حوالى 300 ــ 350 مليون دولار) سنويا تمثل أكثر من ربع المساعدات الأجنبية، ما لم توافق السلطة الوطنية على وقف الرواتب التي تقدمها لعائلات الشهداء والأسرى ــ وهى مصدر الرزق الأساسى لهذه العائلات بعد انقطاع الدخل الذى يقدمه عائلوها.. ومعروف أن مجلس النواب الأمريكى كان قد اتخذ هذا القرار، الذى ينتظر أن يتبناه مجلس الشيوخ بدوره بالإجماع أو بأغلبية كبيرة إن لم تكن ساحقة.. ليصبح في انتظار توقيع الرئيس..

وبعد ذلك بدأت مصادر البيت الأبيض تتحدث عن تخفيض قدره 125 مليون دولار من المساهمات الأمريكية في موازة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين »الأونروا« وغيرها من برامج منظمات الأمم المتحدة الأخرى التى يتم تقديمها للاجئين الفلسطينيين سواء في مخيمات الداخل أو الشتات.. وإذا كانت موازنة »الأونروا« والبرامج الأخرى تعانى من عجز كبير أصلا، فلنا أن نتخيل الكارثة التى ستحل بقدرة هذه الوكالة علي القيام بالتزاماتها تجاه لاجئى المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان!!

ومعروف أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس كان قد أعلن أن قرار ترامب يسلب بلاده صفة »الوسيط النزيه« فى مفاوضات التسوية الشرق أوسطية (والواقع أنها صفة لم تتمتع بها أمريكا أبدًا).. كما تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الجارية ردا على القرار الأمريكى بشأن القدس..

وردًا على المواقف الفلسطينية نشر ترامب منذ أيام تغريدة علي »تويتر« قال فيها »ندفع للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنويا، ولا نحصل منهم على أى تقدير أو احترام.. إنهم لايريدون حتى التفاوض على معاهدة سلام« ــ والمقصود طبعاً.. مع إسرائيل، ووفقا للشروط الأمريكية والإسرائيلية المتطابقة تقريبا!! وبتعبير آخر: إما أن تتخلوا عن وطنكم ومقدساتكم.. أو أن عليكم مواجهة الجوع بمعنى الكلمة الحرفى!!

وليس فيما نقوله أى مبالغة، لأن موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2017 البالغة نحو 4.4 مليار دولار تواجه عجزا إجماليا يصل إلى حوالى 1.3 مليار دولار حسب بعض التقديرات!!

والمفروض أن تمثل المساعدات الأجنبية (1.2 مليار دولار) وهو ما حصلت عليه عام 2012.. لكنها لم تحصل علي أكثر من 450 مليون دولار عام 2017!! والمبلغ الوحيد المضمون والثابت من بنود الموازنة هى الضرائب التى يتم تحصيلها من المواطنين والفلسطينيين (1.1 مليار دولار) بينما تحوّل إسرائيل مبلغا يتراوح بين (2 و2.5 مليار دولار) سنويا كمقاصة مقابل الجمارك التى تحصلها لحساب السلطة الفلسطينية، فى إطار اتفاق باريس (القائم على اتفاقية أوسلو).. لكن هذه الموارد يتم تجميدها فى حالة نشوب خلاف كبير بين السلطة الوطنية والدولة الصهيونية أو تجميد أجزاء منها، حسبما تقرر إسرائيل!!

ومن ناحية أخرى فإن دولة الاحتلال تزيد من تعقيد أوضاع الاقتصاد الفلسطينى بوضع مختلف العقبات أمامه، بمنع استيراد مستلزمات الإنتاج أو قطع الكهرباء، وإغلاق الطرق (بل وإغلاق مدن ومناطق بأكملها) أو منع خروج الصادرات، مما يعرّض السلع الغذائية والزراعية للتلف.. إلخ الخ.. ونتيجة لهذه كله ــ وتفاصيل كثيرة مشابهة، فإن الاقتصاد الفلسطينى يصارع من أجل البقاء وعدم الانهيار بكل معنى الكلمة..

ويكفى مثلا أن نشير إلى أن نسبة البطالة فى الضفة الغربية يبلغ نحو 20% بينما تقترب من 50% فى قطاع غزة، الأمر الذى يدفع شبابا كثيرين للهجرة طلبا لأسباب الحياة ولمساعدة أسرهم في الداخل، وتمثل هذه الهجرة كارثة فى حد ذاتها، لأن المطلوب تثبيت الفلسطينيين في أرضهم، وليس اقتلاعهم منها، وتسهيل عملية التهويد.. ومن ناحية أخرى فإن نسبة كبيرة »من العاملين« تمارس أعمالا هامشية لا تكفى لسد الرمق مثل جني الزيتون، وغيره من الأعمال منخفضة الدخل للغاية، مما يجعل فكرة الهجرة ملحة عليهم.. علمًا بأن نسبة كبيرة من هؤلاء حاصلون علي تعليم عال أو متوسط!! أما الكارثة الحقيقية فهى اضطرار أعداد من الفلسطينيين للعمل فى إسرائيل أو في بناء المستوطنات الصهيونية.. أو فى مزارع ومصانع المستوطنات القائمة، دفعاً لغائلة الجوع عن أبنائهم وأهلهم!! وقبل المسارعة بإدانة هؤلاء ينبغى الانتباه إلى أن عديدين منهم ينخرطون فى أعمال المقاومة الوطنية، ويقدمون حياتهم ثمناً لأعمال جريئة يقومون بها ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة.. الحقيقة أن المسئول عن هذه الأوضاع العبثية علاوة على واقع الاحتلال بالطبع، هو التقصير العربي الفادح في مساعدة الشعب الفلسطينى الشقيق اقتصاديا.. وهو أمر ممكن جدًا، ووسائله متعددة.

ولكن قبل الانتقال إلي هذه النقطة نود أيضا أن نتوقف عند تهويد القدس، الذى يلعب العامل الاقتصادى دورا مهما فيه.. فالضرائب الباهظة على المنشآت الاقتصادية الفلسطينية فى المدينة المقدسة، ورفض سلطات الاحتلال إعطاء تراخيص البناء وترميم المنازل والمباني للفلسطينيين، وفرض رسوم شديدة الوطأة فى الحالات التى تتم فيها الموافقة، أو فرض غرامات فادحة مع هدم المبنى في حالة إجراء أى ترميم أو إقامة أى بناء بدون ترخيص كلها أمور تزيد من تعقيد الحياة في القدس بالذات بدرجة تجعل مطلوباً من المواطن الفلسطينى أن يكون مناضلا حقيقيا لمجرد التشبث بمنزله أو محله أو منشأته الاقتصادية.. وحتي في هذه الحالة فهو غير آمن من استيلاء السلطات الصهيونية، أو جماعات المستوطنين على بيته أو قطعة أرضه، فى إطار مشروعات التهويد الجارية على قدم وساق..

وغنى عن البيان أن أنهارًآ من الحبر تراق يوميًا وتتدفق مليارات الكلمات عبر الميكروفونات فيما يتصل بالتضامن العربى دعما للقضية الفلسطينية، ونضالا ضد الصهيونية.. لكننا نلاحظ أن الدعم الاقتصادى العربى لمقاومة الشعب الفلسطينى، وفى مواجهة »حرب التجويع« التى يواجهها أشقاؤنا، يظل عنصرًا مفتقدا إلى حد كبير ويستحق اهتماما أكبر بكثير، وخاصة مع دخول الإدارة الأمريكية (وترامب شخصياً) بالشراسة التى نراها فى ميدان الحرب الاقتصادية علي الشعب الفلسطينى وسلطته الوطنية.

لذلك فإننا ـ إلى جانب شتى الإجراءات السياسية وحتى العسكرية ــ نطالب بأن يكون النضال الاقتصادى والمالى أحد الوجوه البارزة للدعم العربى لصمود الشعب الفلسطينى، ليس بتعويض ما تهدد أمريكا بمنعه ضد أشقائنا الفلسطينيين فحسب، بل وبتحسين ملحوظ لمستوى حياتهم دعمًا لصمودهم فى القدس والضفة الغربية (وغزة طبعاً).. وإذا كانت الفوائض المالية العربية من بترولية وغيرها تبلغ نحو تريليونى دولار (2000 مليار دولار) مودعة فى بنوك الغرب ومستثمرة في أسواقه (وخاصة في أمريكا) ومعرضة لشتى المخاطر والتأثيرات السلبية وتقلبات أسعار الصرف والأسهم وغيرها، فإن سنتا واحدًا من كل دولار من أجل القدس وفلسطين كل عام تساوى (20 مليار دولار) سنوياً.. نطالب بعُشرها فقط من أجل فلسطين والقدس الشريف (2 مليار دولار) لدعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية، ولدعم المستثمرين الفلسطينيين فى الضفة والقدس وغزة (بدون تطبيع بداهة).. لترميم بيوت القدس ودفع الغرامات الباهظة ونفقات التراخيص الفادحة وتمويل المنح الدراسية لشباب فلسطين.. ومساعدة أسر الشهداء والأسرى.. وعلاج المرضى.. وكل هذه أمور يمكن تدبيرها بتكلفة سياسية أقل (لمن يخافون إغضاب أمريكا).. وبطرق يملك الفلسطينيون خبرة ممتازة في تدبيرها.. وسيعطينا هذا الدعم سنين إضافية من الصمود الفلسطينى، بينما تتغير أوضاع العرب البائسة.. قاوموا »حرب التجويع« الأمريكية ـ الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى.. اثبتوا مرة واحدة أننا شعوب تستحق الحياة..

مصر للطيران
فلسطين القدس اسرائيل امريكا
بنك الاسكان
NBE