الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 06:43 صـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: قرار ترامب.. الأسباب والتوقيت والتداعيات

الأموال


 

 

بقدر عاصفة الغضب العاتية التي اندلعت فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ومعها موجة الرفض والاستنكار دوليا بعد القرار الذى أصدره الرئيس ترامب يوم الأربعاء الماضى بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.. بقدر ما كشف هذا القرار الأحمق لأكثر الرؤساء الأمريكيين حمقاً وبكل وضوح عن الانحياز الأمريكى الاستراتيجى لإسرائيل وضد الحقوق العربية، وهو الانحياز الذى لم يكن بهذا السفور علي الأقل حسبما راهن العرب في السنوات الأخيرة على إمكانية التحول نحو الرعاية النزيهة لجهود السلام والتسوية السلمية للصراع العربى ــ الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي أجواء الغضب الشعبى الذى انطلق فى الشارع الفلسطينى والعربى والإسلامى وهو الغضب الذى ينذر بفوضي عارمة في المنطقة سوف تطال إسرائيل أولا وتتطاير شظاياها المحرقة لتمتد إلي أرجاء العالم والولايات المتحدة أولاً.. فإن القراءة الهادئة لهذا القرار الأحمق تبقى ضرورية في ضوء بعض الملاحظات المهمة.

% إن قرار ترامب لم يكن مفاجئا علي الإطلاق على الأقل بالنسبة للحكومات العربية، إذ إنه سبق أن تعهد بإعلانه خلال حملته الرئاسية الانتخابية العام الماضى، وهو الأمر الذى كان يتطلب من تلك الحكومات جهودا وضغطا استباقيا وهو ما لم يحدث وربما بالقدر الكافى.

ثم إن هذا القرار سبقه تسريب إعلامى طوال أسبوع كامل، وتم إبلاغه لعدد من الحكام العرب عشية إعلانه، وحيث بدا أن ترامب أحاطهم علماً بإصراره على القرار رغم محاولتهم تبصيره بعواقبه الوخيمة علي الأوضاع المشتعلة بالفعل في المنطقة.

% ثم إن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. قرار قديم أصدره الكونجرس عام 1995 وظل تنفيذه مؤجلا من جانب الإدارات الأمريكية المتعاقبة لحين التوصل إلي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، إذ لم يجرؤ أى رئيس أمريكى طوال هذه السنوات على تفعيل هذا القرار رسمياً وظل مؤجلا إلى أجل غير مسمى حتى أصدره هذا الرئيس الأحمق.

% أما السبب الذى دفع ترامب إلي التعجيل بتفعيل هذا التوجه الأمريكى المؤجل فى هذا التوقيت تحديدا فهو الخطر الذى يهدد بقاءه في منصبه وعزله وإجباره علي الاستقالة في قضية التخابر مع روسيا أثناء حملته الانتخابية الرئاسية، وهو الهاجس الذى بات يؤرقه في الأيام الأخيرة وحيث بدا ما جرى للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون ماثلا أمامه والذى فقد منصبه بسبب ما عرف وقتها بفضيحة »ووتر جيت«.

وتحت تأثير هذا الهاجس ولمواجهة الخطر المحدق اعتبر ترامب أن هذا القرار هو طوق النجاة له ولمنصبه الرئاسى طمعا وطلبا لمساندة ودعم نفوذ اللوبى الصهيونى الأمريكى الذى يراهن عليه لإنقاذه وتسديد فاتورة هذا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

% لكن يبقي مؤكدًا أن هذا القرار الأحادى من جانب ترامب والذى لا يحظى بموافقة عالمية بداية من الاتحاد الأوروبى والمنظمة الدولية والصين وروسيا.. ليس صكًا مقدسًا ولا يُرتب أى حقوق قانونية أو شرعية لإسرائيل في القدس، إذ لم يحدث فى تاريخ السياسة والعلاقات الدولية أن تُحدد أى دولة مهما كان حجمها ونفوذها عاصمة دولة أخرى.

ولذا فإن هذا القرار لا يستند إلى أى مرجعية قانونية أو شرعية دولية بل إنه وعلى العكس تماماً يخالف مبادئ المرجعيات القانونية والشرعية الدولية بل يتعارض أيضا مع كل الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.

% وفي نفس الوقت فإن قرار ترامب لا يُضيف جديدًا في واقع الأمر في الوقت الحالي إذ إن القدس خاضعة بالفعل لإدارة قوات الاحتلال الإسرائيلى وتحت سيطرتها بقوة الاحتلال، ومن ثم فإن أثره السياسى يبقى معنوياً ومظهرياً بالدرجة الأولي غير أنه في المقابل لا يمنح إسرائيل أى حق قانونى مشروع في اعتبار القدس عاصمة لها رغم القرار الأمريكى الأحادى.

ولأن هذا القرار مرفوض من كل دول العالم وفي مقدمتها الدول الكبرى وبالتالي لن تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولن تنقل سفاراتها إليها، بل إن نقل السفارة الأمريكية حسبما اتضح لن يتم قبل أربع سنوات، فإن القرار سيظل باطلا وحبرًا علي ورق.

% لقد أسقط ترامب نهائيا الدور الأمريكى في رعاية نزيهة لمفاوضات التسوية السلمية وأسقط الرهان العربي طوال أكثر من ربع قرن علي هذه الوساطة والرعاية، ومن ثم فقد بَاتَ ضروريًا البحث عن آليات وخيارات وقوي دولية أخرى لحسم الصراع العربى ــ الإسرائيلى والتوصل إلي حل عادل للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات الاتفاقات السابقة.

% وفي نفس الوقت فإنه يبقى الرهان علي سقوط ترامب المرتقب والمحتمل وربما الأرجح في أقرب وقت قبل أن يجف حبر القرار الذى وقعه أمام شاشات التليفزيون الأربعاء الماضى، بسبب تداعيات هذا القرار في الداخل الأمريكى ذاته بل داخل أروقة إدارته التى ترفض هذا القرار، أو بسبب تخبطه فى إدارة الشئون الداخلية والخارجية على حد سواء والتى كان آخرها قراره بتخفيض الضرائب علي ذوى الدخول المرتفعة والتي اعتبره الأمريكيون تدميرًا للطبقة المتوسطة لصالح ذوى الثراء الفاحش.

ومع الرهان علي أن ترامب ذاته سيكون أول المضاربين من تداعيات قراره الأحمق ضمن تداعيات قراراته وسياساته الحمقاء الأخرى.. داخلياً وخارجياً، بل إن هذه التداعيات سوف تطال الولايات المتحدة ذاتها بهذا المسلك الأحادى الذى سلكه ترامب ومع النحو الذى يجعلها معزولة من حلفائها الدوليين وبقية القوى الكبري ومن ثم الانتقاص من مكانتها ونفوذها الدوليين.

% غير أن تداعيات هذا القرار سوف تكون بالغة الخطورة والقوة فى آن واحد، فعلي الصعيد الشعبي الفلسطينى فإن الغضب الذى انطلق عقب قرار ترامب وتحول إلي انتفاضة جديدة قد تصل إلي ثورة عنيفة ضد الاحتلال الإسرائيلى سوف تزلزل إسرائيل من الداخل لتدفع ثمنا باهظا مقابل هذا القرار الأحمق.

% أما عربياً فإن التداعيات ستكون شعبية في المقام الأول، حيث تستعيد الشعوب العربية عداءها لأمريكا وهذا العداء كانت حدته قد خفت قليلا، أما علي الصعيد الرسمى من جانب الحكومات العربية فإنه لا أمل يُرتجى خاصة في ظل هذا المشهد العربى المأساوى الحالي وما يجرى فيه من حروب عربية ـ عربية واحتراب أهلى داخلي فى سوريا والعراق واليمن وأزمات عربية ـ عربية حتى علي صعيد البيت الخليجى آخر معاقل ومظاهر الوحدة العربية والذى يتصدع حالياً وحسبما اتضح جليًا في القمة الخليجية الأخيرة الأسبوع الماضي التي عقدت في الكويت ولم تستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة ولم يحضرها إلا أمير قطر (كنوع من التحدى) وأمير الكويت بوصفه المضيف للقمة.

% في ظل هذا المشهد العربي المأساوى والذى بات واضحًا أن الأمة العربية تنعي نفسها وتعلن خروجها من التاريخ فإنه لا يمكن التعديل علي أى رد فعل عربى رسمي فاعل أو مُؤثر، ولذا فإن الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية المقرر عقده اليوم (السبت) وبعد أربعة أيام من قرار ترامب فقد أهميته حتى من قبل انعقاده.

% أما تداعيات القرار علي الصعيد الإسلامى فإنها ستكون بالغة القوة شعبياً، حيث يتأجج الغضب في الشارع فى أرجاء العالم الإسلامى ضد ترامب وأمريكا وعلي نحو غير مسبوق نظرا لمكانة القدس والمسجد الأقصى في الوجدان الإسلامي وهو الأمر الذى لم يدركه ترامب بقراره الأحمق، وفي نفس الوقت وعلي غرار رد الفعل الرسمى العربي فإن الرهان علي رد فعل من جانب الحكومات الإسلامية سوف يبقي خاسرًا.

< < <

% لكن التداعيات الأخطر علي الإطلاق سوف تتضح بتفشى الفوضي والإرهاب وعلي نحو غير مسبوق في التاريخ الإنسانى وعلي النحو الذى من غير الممكن تصور ما سوف يلحقه من دمار مروع ليس في المنطقة فحسب وليس داخل إسرائيل فقط، وإنما وحسبما استشرف الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر سيفتح أبواب الجحيم على الغرب كله قبل الشرق.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE