الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 04:28 مـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: طلعت حرب.. ومعجزته الاقتصادية.. إنجازات ودروس (3)

الأموال

 

 

تحية واجبة إلي طلعت باشا حرب.. في ذكرى مولده الـ150

(25 نوفمبر 1867 ــ 25 نوفمبر 2017)

 

 

 

حقق بنك مصر ومجموعة شركاته نموا عاصفا في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين بفضل قيادة طلعت حرب الحازمة والطموحة، ويكفي أن نشير إلى أن رأسمال البنك قد زاد من 80 ألف جنيه عام 1920 إلى مليون جنيه عام 1930.. ثم زاد رأسماله المشترك هو وشركاته إلى أكثر من 9 ملايين جنيه بنهاية الثلاثينيات. وقد تحدثنا بقدر من التفصيل في الجزء الأول من مقالنا (الأموال: 12 نوفمبر 2017) عن عشرات الشركات التى أسسها بنك مصر في العشرينيات والثلاثينيات.

لكن شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري تستحق إشارة خاصة لنموها الضخم والسريع، فقد قفز رأسمالها من 300 ألف جنيه عند تأسيسها عام 1927 إلى مليون جنيه عام 1936.. (وهذه مبالغ ضخمة بمعايير ذلك الزمان)، وأصبحت كبري شركات الغزل والنسيج فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، وبلغ إنتاجها من الغزل أكثر من عشرة آلاف وسبعمائة طن ومن النسيج إلى حوالى 1.5 مليون مترمربع ــ وهى كميات ضخمة بمعايير مستوى التقدم التكنولوجى وإنتاجية العمل في ذلك الزمان.. ونكرر أنها أصبحت بذلك الإنتاج كبري شركات الغزل والنسيج في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، أما شركة مصر لحلج الأقطان فقد كانت تملك محلجاً واحدًا عند تأسيسها عام 1924 يستخدم حوالى 45 ألف قنطار وبلغ عدد محالجها (8) عام 1936 بطاقة حلج تقترب من مليون قنطار (970 ألف قنطار) وبنسبة نمو بلغت حوالى (2000٪) وقس علي ذلك.

واللافت للنظر أن هذا النمو العاصف لبنك مصر وشركاته كان يجرى، بينما كانت الدول الرأسمالية الكبري فى العالم تواجه أزمة اقتصادية مدمرة (الأزمة الاقتصادية الكبري 1929 ــ 1933) التي عصفت باقتصادات أمريكا وأوروبا عصفًا شاملاً في تلك السنوات. ومما ساعد علي توسع الصناعة المصرية عمومًا، وصناعة الغزل والنسيج وما يرتبط بها خصوصًا، في تلك السنوات، مجموعة التعريفات الجمركية الحمائية التى فرضتها الحكومة المصرية أعوام 1930 و1931 و1934 لحماية صناعة المنسوجات الوليدة بصفة أساسية.. ولم يكن ذلك بفضل جهود بنك مصر ومؤيديه وحدهم، بل وأيضا بفضل جهود ومطالبات (اتحاد الصناعات المصرية).. (راجع كتاب: الوطنى: طلعت حرب ص 57 ـ 66، تأليف هشام سليمان عبدالغفار، من إصدارات وزارة الاستثمار ودار الهلال، 2010).

غير أن هذا كله لم يكن علي هوى الاستعمار الإنجليزى والقصر الملكى، وكبار ملاك الأرض المرتبطين بالطرفين (الأكثر يمينية ورجعية) ووكلاء رأس المال الأجنبى ومافيا الاستيراد ــ إلخ، فشنوا حملات سياسية وصحفية ضارية علي طلعت حرب وبنك مصر وشركاته.

وحينما طالب بنك مصر ومجموعته بزيادة جديدة للتعريفات الجمركية علي واردات الغزل والنسيج اتحد ضده كبار تجار القطن وممثلو مصالح أصحاب مصانع النسيج البريطانية وبعض رجال السياسة المرتبطين بهم، الذين هاجموا الاقتراح باعتباره يعمل فقط لمصلحة شركة مصر للغزل والنسيج (الوطنى ـ طلعت حرب ـ مرجع سابق ـ ص85 ـ 86).

من ناحية أخرى فإن احتياج بنك مصر لحشد التأييد السياسي له في البرلمان والحكومة جعله مضطرًا لمنح بعض «القروض!!» بدون ضمانات كافية لعدد كبير من النواب والوزراء والسياسيين المؤثرين، بل ومنح وظائف (!!) لهؤلاء ولغيرهم من أبناء العائلات الكبيرة ذات النفوذ في مجالس إدارات البنك وشركاته (!!) وخاصة من بين المساهمين!!

ومع أن التعريف القانونى والاقتصادى لمثل هذا السلوك هو أنه (فساد) لا جدال فيه، فإن هذا كان عرفًا سائدًا ــ للأسف الشديد ـ في المجتمع المصرى وقتها، لحماية المصالح من تغولات السلطات، حتى لو كانت هذه المصالح مشروعة ونشاط أصحابها لا غبار عليه!!

وكان هذان العاملان (القروض الرديئة والمجاملة الزائدة في منح الوظائف الكبيرة) من أهم أسباب نقص السيولة لدى البنك وتراجع كفاءة إدارة شركاته.. يضاف إليهما التوسع الزائد في بعض المشروعات تحت تأثير الثقة المبالغ فيها في النجاح.. من أهم أسباب تراجع الملاءة المالية للبنك.. ومن ناحية أخرى فقد جاءت نذر الحرب العالمية الثانية لتثير مخاوف كثير من المودعين وتدفعهم إلي سحب ودائعهم، مما وضع البنك في موقف حرج.

طلب طلعت حرب وتحت تأثير العامل المذكورة قرضا من البنك الأهلي بقيمة 3 ملايين جنيه بضمان شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة، ثم حاول طلب قرض إضافي لتلبية حركة سحب الودائع المتعاظمة عشية الحرب، لكن إدوارد كول، محافظ البنك الأهلي، رفض.. وحينما لجأ طلعت حرب لوزير المالية ـ وقتها ـ حسين سرى باشا طالبًا مساعدة الحكومة لبنك مصر في عقد قرض جديد، وافق الوزير بشرط تقديم طلعت حرب لاستقالته.. وتولي رئاسة البنك حافظ عفيفى باشا الرئيس السابق للديوان الملكى.. وأحد أهم أصدقاء الاحتلال البريطانى في مصر.. واعتزل طلعت حرب الحياة العامة حتى وفاته فى 13 أغسطس عام 1941.

واجتمع البرلمان المصرى بمجلسيه (النواب والشيوخ) في جلسة سرية في يوليو 1941، واتخذ قرارًا (بقانون) بمنح بنك مصر قرضا قدره (2 مليون جنيه) وضمان الحكومة المصرية لودائعه مقابل تصفية كل شركاته غير الرابحة، والالتزام بعدم تأسيس شركات جديدة، وحصول الحكومة علي حق النقض فيما يتعلق بتعيين أى عضو جديد في مجلس الإدارة، مع حضور مفوّض عن الحكومة اجتماعات مجلس الإدارة كمستشار، وحقه في القيام بأعمال المراجعة.. ودخل بنك مصر في مرحلة ركود طويلة استمرت حتي ما بعد قيام ثورة يوليو 1952.. ليعرف البنك من جديد طريقه إلى النهوض، وليصبح ثانى بنوك البلاد بعد «الأهلى» الذى تم تمصيره، وليصبح من جديد كيانا مصرفيا ضخما يسهم بقسط كبير في تنمية الاقتصاد الوطنى، ويستحق شرف حمل اسم مصر الذى أطلقه عليه مؤسسه الكبير.

< < <

وإذا كان من الضرورى نسبة الفضل لأهله فلابد من الإشارة إلي المصدر الذى أخذنا منه بيانات وأرقام هذه المقالة، بأجزائها الثلاثة، وهو كتاب صغير الحجم (126 صفحة من القطع الصغير) لكنه بالغ القيمة للأستاذ هشام سليمان عبدالغفار ـ صادر عن وزارة الاستثمار المصرية ودار الهلال (2010) ضمن سلسلة مهمة تحمل اسم «رواد الاستثمار» تحت عنوان «الوطنى: طلعت حرب».. وإذا كان هناك من عيب في هذا الكتاب فهو أنه يحمل رقم 12 في السلسلة بعد أسماء أقل أهمية بكثير.. وكان ينبغى أن يحمل الرقم (1).

وإذا كان رد الفضل لأهله مطلوبا وموصولا.. فلابد من الإشارة إلي أربع مقالات هامة للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ/ أحمد الجمال (اثنتان منها في «المصرى اليوم» تبعتهما اثنتان في «الأهرام») صيف هذا العام تضمنتا عرضا لكتاب أمريكى مهم، عبارة عن رسالة دكتوراه لباحث أمريكى اسمه «إيريك دافيز» من جامعة شيكاغو، بعنوان «طلعت حرب وتحدي الاستثمار ـ دور بنك مصر في التصنيع 1920 ــ 1941) وهى مترجمة إلي العربية وصادرة عن دار الشروق الدولية.. والطريف أن مترجم الرسالة هو نفسه كاتب الكتاب المشار إليه أعلاه.. وهو يذكر هذه الرسالة علي رأس قائمة مراجع كتبه.

وذكرتنى مقالات الأستاذ/ الجمال ومترجمها بالكتاب القيّم الذى كنت قد قرأته منذ سنوات.. ويحمل أحد هذه المقالات عنوانا شديد الدلالة: «ما أشبه الليلة بالبارحة!» ــ (الأهرام، 28 يونيو 2017).. والمعنى: أن تجربة طلعت حرب الوطنية الحافلة بالدروس والمعانى جديرة بأن نستعيدها ونعيها ونستلهمها ــ اليوم ــ وإن اختلفت التفاصيل والملابسات.. تحية الوطن إلي طلعت حرب وذكراه المضيئة.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE