الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 09:02 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: طلعت حرب.. ومعجزته الاقتصادية.. إنجازات ودروس (2)

الأموال

 

 

 

تحدثنا في الجزء الأول من مقالنا »الأموال 12 نوفمبر 2017« عن دوافع طلعت باشا حرب لتأسيس بنك مصر، وأهمية هذا البنك في الحياة الاقتصادية المصرية، واستعرضنا مسار تأسيس مجموعة الشركات التابعة للبنك، التي حملت اسم مصر، وغطت مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية المتكاملة، في مقدمتها النشاط الصناعى، مما يجعل من طلعت حرب بحق الرائد الأول للاقتصاد الأول الوطنى المصرى و»الأب« الحقيقى له، وإذا استخدمنا تعبيرات زمننا فيمكن أن نقول إن طلعت حرب هو »الأب الحقيقى للرأسمالية الوطنية المصرية« ولأول مشروع جدى للتنمية الاقتصادية »الوطنية« في مصر.

ويلفت النظر أن جمهور مؤسسى بنك مصر كان يتكون أساسًا من بعض كبار ملاك الأراضي المستنيرين ذوى النزعة الوطنية، بالرغم من أن طبقة كبار الملاك الزراعيين كانت في أغلبها بعيدة عن ثقافة بناء رأسمالية وطنية حديثة، بل وكانت تستثمر أراضيها بأساليب إقطاعية وشبه إقطاعية إلا أن الجناح المستنير من ملاك الأراضي المشار إليهم، ومعهم الميسورون من كبار الموظفين وبعض السياسيين والمثقفين »الأفندية والبكوات« نجحوا في جمع 80 ألف جنيه مثلت الرأسمال الذى بدأ به طلعت حرب نشاط بنك مصر.. ومع تأسيس الشركات »المساهمة« بدأت دائرة المشاركة تتسع.. إذ إن شراء مجموعة من الأسهم في هذه الشركة أو تلك يختلف طبعًا عن المشاركة في تأسيس بنك.. وكان معنى هذا توسيع إمكانات نشاط بنك مصر ومجموعة شركاته.. علماً بأن البنك وشركاته سرعان ما أصبحا موضع إعجاب واحترام واسعين لدي جمهور الحركة الوطنية الواسع باعتبارهما تجسيدًا لفكرة الاستقلال الاقتصادى، التي بدأ جمهور متزايد يدرك أهميتها كأساس للاستقلال السياسى.

كان معنى نجاح تجربة طلعت حرب، وسير مصر في طريق التصنيع هو »بدء« سحب البساط من تحت أقدام رأس المال الأجنبى ووكلاء شركاته وكبار مستوردى بضائعه.. وعلي سبيل المثال فإن قيام »صناعة كبيرة« لصناعة النسيج في مصر »شركة المحلة وشركات كفر الدوار« كان يعنى نشوء تهديد لموارد المواد الخام من القطن المصرى طويل التيلة الذى تعتمد عليه صناعة الغزل والنسيج البريطانية بصورة أساسية.. كما يعنى ظهور منافس محلي للمنسوجات القطنية البريطانية في السوق المصرية، وهو منافس يعتمد علي أيد عاملة محلية رخيصة، الأمر الذى يرفع من قدرته التنافسية.. علماً بأن مصانع المحلة الكبرى وكفر الدوار وسط مزارع القطن المصرية في الدلتا ما يجعلها في غنى عن تكلفة النقل والشحن والتفريغ.... ويزيد من قدرتها التنافسية في السوق المصرية.. وقس علي ذلك صناعة الزيوت أو الورق والتعدين والمناجم.. إلخ..

وفضلا عن ذلك فإن ظهور صناعة كبيرة في مجال ما »الغزل والنسيج فى حالتنا« يعنى تدريب المهندسين والكوادر الفنية، وتوطين التكنولوجيا، وقيام صناعات مكملة، وأخرى شبيهة تعتمد علي الخبرة الوطنية.. وهو ما انعكس فعلا فى ظهور مركزين مهمين لصناعةالغزل والنسيج في شبرا الخيمة والإسكندرية بعد فترة من الوقت.. ثم في بدء ظهور صناعة لغزل ونسج الصوف.. وكل ذلك خصمًا من أسواق ومكاسب صناعة الغزل والنسيج البريطانية، ووكلائها ومستورديها..

ومن ناحية أخرى فإن ظهور صناعات كبيرة يعنى تحول أعداد متزايدة من الفلاحين والحرفيين إلي عمال منظمين في إطار صناعة حديثة، بما يعنيه ذلك من ظهور النقابات وما يتبعها من وعى اجتماعى مختلف وإمكانية لظهور حركات إضرابية.. إلخ.. وهو ما كان مثار خوف كبير لدى الدول الاستعمارية وعملائها في الدول المستعمرة »بفتح الميم« كمصر، خاصة بعد قيام الاتحاد السوفيتى وانتشار الأفكار الاشتراكية في أوروبا، ومنها إلي دول المستعمرات.

أما كبار الملاك الإقطاعيين وشبه الإقطاعيين المتحالفين مع الاستعمار، والذين يمثلون سندا اجتماعيا محليا له، فإن ظهور اقتصاد وطنى مناوئ للسيطرة الاستعمارية، بما لذلك من آثار اجتماعية، كان أمرًا شديد الازعاج لهم، خاصة أن »الصناعة« تجتذب عادة قسما لا يستهان به من »الفلاحين« الذين يعملون في أراضيهم، والذين لا يعرفون لأنفسهم مصدرًا للرزق غيرها.. وبكل ما يتبع ذلك من تناقص في فائض الأيدى العامية، وظهور أفكار »متحررة« و»متمردة« في صفوف الفلاحين.. وهو ما بدأ يتحقق بمرور الوقت بظهور حركات فلاحية معادية للإقطاع ومظالمه في الدلتا، كان أشهرها تمرد الفلاحين في »بهوت« بالدقهلية..

من ناحية أخرى فإن ظهور طبقة من »الصناعيين« في المجتمع، بما تحقق من مكاسب مالية ووضع اقتصادى متميز، يؤول عادة إلي مطالبة هؤلاء الصناعيين بنصيب من سلطة التشريع والإدارة في البلاد، للدفاع عن مصالحهم الوليدة، وما يرتبط بذلك عادة من أمزجة »ديمقراطية« تمثيلية.. هو أمر يعتبره كبار الملاك الزراعيين دائما خصمًا من سيطرتهم الاجتماعية والسياسية وتهديدًا لها.

أما القصر الملكى المتحالف مع الاستعمار البريطانى والمشمول بحمايته، والمستند إلي طبقة كبار الملاك، فقد كان طبيعياً أن ينطلق من كل الاعتبارات المشار إليها فى نظرته لطلعت حرب وبنك مصر ومجموعة شركاته، وتجربة التصنيع »الوطنى« عموماً.

وهكذا فقد اتحد هؤلاء الفرقاء الثلاثة ضد طلعت حرب وتجربته.. ودسوا رجالهم في مجالس إدارات البنك والشركات المساهمة التابعة له ليناوئوا طلعت حرب واتجاهه الوطنى.. وشنوا ضده حملات سياسية وصحفية مستمرة.. واستغلوا بعض المشكلات العارضة فى بعض الشركات ليُطالبوا باستقالة طلعت حرب.. ومارسوا ضغوطًا عنيفة ضده حتى اضطر للاستقالة من رئاسة بنك مصر ومجموعة شركاته.. ليحل محله ممثل لهؤلاء الفرقاء الثلاثة هو حافظ باشا عفيفي.. الرئيس السابق للديوان الملكى وصاحب العلاقات الوثيقة بالبريطانيين، وأحد كبار الباشوات وملاك الأراضى (1939).. ولم يعش أبوالاقتصاد الوطنى المصرى طويلا بعد هذه الاستقالة الإجبارية، إذ تكالبت عليه الشيخوخة والأمراض وظفر أعداؤه به ليموت كمدًا في 13 أغسطس 1941.. بعد أن سجل اسمه بحروف من نور في تاريخ مصر.. وترك خلفه إمبراطورية اقتصادية ضخمة، لم يفلح أعداؤه في تدميرها بالرغم من محاولاتهم الكثيرة.

وللحديث بقية..

 

 

 

150 عاما علي مولد طلعت حرب.. الرائد الأول للاقتصاد الوطنى المصرى

 

تحل هذه الأيام الذكرى الـ150 على ميلاد طلعت باشا حرب (25 نوفمبر 1867) مؤسس بنك مصر ومجموعة شركاته والأب الحقيقي للاقتصاد المصرى.

ولد بالقاهرة في 25 نوفمبر 1867 وتخرج فى مدرسة الحقوق العليا، وعمل بالدائرة السنية »دائرة إدارة الأراضى الخديوية« وتدرج في مناصبها حتى أصبح مديرًا لإدارة فض المنازعات بها.

- تم اختياره عام 1908 رئيسا لمجلس إدارة شركة كوم أمبو لاستصلاح وتجارة الأراضي الزراعية لعدة سنوات ليترأس بعدها الشركة المصرية لاستصلاح وتجارة الأراضى.

- مارس العمل السياسى في صفوف الحزب الوطنى »مصطفي كامل ومحمد فريد« ثم كشخصية مستقلة، كما كان من كبار مثقفي مصر ومفكريها إلي جانب اشتغاله بالنشاط الاقتصادى.

- كان في مقدمة من أدركوا أهمية بناء اقتصاد وطنى كركيزة للاستقلال الاقتصادى.

- أسس بنك مصر »1920« ومجموعة شركاته التى ضمت عشرات من الشركات أبرزها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ومصر لنسيج الحرير ومصر للكتان، ومصر للغزل الرفيع والمنسوجات، ومصر للطيران، ومصر للتأمين، وستوديو مصر، ومصر للطباعة، ومصر لصناعة الورق، وشركة بيع المصنوعات المصرية.. وغيرها من الشركات التي مثلت صرحاً متكاملاً لتجربة رائدة لبناء اقتصاد وطنى مصرى.

- ناصب الاحتلال الانجليزى والقصر الملكي ووكلاء رأس المال الأجنبى وكبار ملاك الأرض الرجعيين أشد العداء، وتمكنوا من إجباره علي الاستقالة من رئاسة مجلس إدارة بنك مصر وشركاته (1939).

- ولقىَّ ربه عام 1941

- تستحق الذكرى الـ150 لميلاد طلعت حرب احتفالا لائقا بها، من جانب كل من يعرف أهمية الاستقلال الاقتصادي، وبناء اقتصاد وطنى كركيزة لا غني عنها للاستقلال الوطنى والسيادة الوطنية.. وتدعو الدولة ورجال الاقتصاد والفكر والثقافة وكل الوطنيين لتكريم ذكرى طلعت حرب واستخلاص دروس تجربته في ذكرى مولده الـ150.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE