الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 08:25 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب .. طلعت حرب.. ومعجزته الاقتصادية.. إنجازات ودروس (1)

الأموال

بنك مصر وشركاته الوجه الاقتصادى لثورة 1919 والنواة الأولى للاقتصاد الوطنى

رائد الاقتصاد الوطنى أثبت إمكانية الانتصار على الاحتكارات الأجنبية ومافيا الاستيراد

مصر تستطيع.. حينما تريد حقا.. وتضع استراتيجية صحيحة.. وتحشد قواها للعمل

قليلون هم الذين يعرفون ــ أو يذكرون ـ أن طلعت باشا حرب ــ الذى يحمل اسمه شارع وميدان صغير وسط القاهرة هو مؤسس بنك مصر.. ثانى أكبر البنوك المصرية. وأقل منهم أولئك الذين  يعرفون أهمية الدور العظيم الذى قام به طلعت حرب (25 نوفمبر 1867 ــ 13 أغسطس 1941) فى بناء اقتصاد وطنى مصرى، والنضال البطولى والمرير الذى خاضه من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير، والذى يستحق بسببه أن يسجل اسمه بحروف من نور بين أهم زعماء مصر الوطنيين، في العصر الحديث كرائد بل وكأب للاقتصاد المصرى.

وإذا كان تاريخ مصر السياسى قد سجل عام 1919 باعتباره عاما لثورة الشعب المصرى ضد الاحتلال البريطانى واستبداد الحكم الملكى تحت شعار »الجلاء والدستور«، وتحت قيادة سعد زغلول ورفاقه من زعماء الوفد.. فإن تاريخ مصر الاقتصادى قد سجل عام 1920 باعتباره عام تأسيس بنك مصر كأول بنك مصرى، ونواة لمشروع اقتصادى وطنى تأسست فى إطاره عشرات الشركات فى مختلف المجالات، وفى مقدمتها الصناعة، بتمويل مصرى وبهدف بناء مشروع وطنى للتنمية الاقتصادية.. وبقيادة طلعت حرب وفى مواجهة سيطرة شبه تامة لرءوس الأموال الأجنبية، القابعة للدول الاستعمارية الكبرى، على الاقتصاد المصرى.

كان هذا المشروع الكبير يتطلب روحا وطنية متوهجة وعقلية اقتصادية جبارة، وقدرات إدارية كبيرة صقلتها الخبرة،  وشجاعة وإرادة وثقة بالنفس وإيماناً بطاقات الشعب، وطاقة هائلة علي العمل وتحدى المصاعب بثبات وحنكة.. وكانت هذه الصفات كلها موجودة لدى طلعت حرب، وكان فوق ذلك كله يدرك إدراكًا عميقا، ويؤكد دائماً أنه لا يمكن بناء استقلال وطنى حقيقى بدون بناء اقتصاد وطنى، وأنه لا استقلال حقيقىا مع اقتصاد يرسف في أغلال التبعية.

كانت البداية.. بنك مصر.. ولإدراك أهمية تأسيس بنك مصر يكفى أن نذكر أن عمليات تحويل النشاط الاقتصادى فى مصر بمختلف فروعها كانت تسيطر عليها رءوس الأموال الأجنبية، سواء من خلال فروع لبنوك أجنبية أو من خلال بنوك صغيرة يملكها أجانب مقيمون فى مصر.. وكانت هذه المؤسسات تسيطر على عمليات الإقراض »التسليف« لتمويل زراعة القطن »المحصول الأساسى للبلاد، الذى كان يتم بيعه بصفة أساسية لمصانع الغزل والنسيج في بريطانيا«.. وتسيطر من خلال الإقراض وشبكة العملاء المرتبطة بها والمنتشرة فى مختلف أرجاء البلاد علي تجارة القطن.. كما كانت تسيطر على عمليات المضاربة بالأراضى الزراعية من جانب بعض كبار الملاك، وتتخذ الأراضي كرهون لضمان سداد القروض، وكثيرا ما تم نزع ملكية أراض للوفاء بالديون.

ولسنا بحاجة إلي القول إن مصر كانت بلدا زراعيا ذا اقتصاد متخلف، يعمل أكثر من 70% من أهله بالزراعة، ويعيشون فى القرى والنجوع والكفور والوسايا في ظروف بالغة التعاسة، ينهش أغلبهم الفقر والأمراض المتوطنة سواء كانوا من الأجراء الزراعيين في أراضى كبار الملاك، أو من أصحاب الملكيات القزمية التي لا يكفي محصولها لإطعام أسرهم فيضطروا للعمل كإجراء بعض أو معظم الوقت.

أما »الصناعة« فكانت محدودة للغاية كالأثاث والأدوات المنزلية والسجائر، وحلج وكبس القطن، والملابس الجاهزة والطباعة، بالإضافة طبعاً إلي الصناعات الحرفية واليدوية التقليدية. وكانت الورش الصغيرة أو الكبيرة نسبياً هى الشكل المسيطر على الصناعة المصرية إلاّ فيما ندر. ولم تكن ثقافة الاستثمار فى الصناعة المصرية موجودة لدي من يملكون المال »الملاك العقاريون والتجار وكبار الموظفين«، كما أن السوق المصرية لم تكن تشجعهم على ذلك لضيقها الشديد بسبب شدة فقر جمهور المستهلكين المقترض، كما أن مؤسسات التمويل الأجنبية الموجودة لم تكن مستعدة لتمويل مشروعات صناعية، بغرض وجود من يريد دخول هذا المجال، وبرغم بعض الانتعاش الذى شهدته الصناعات الموجودة أثناء الحرب العالمية الأولى وصعوبة الاستيراد في ظروف المعارك، فإن المجال أمام الصناعة كان يبدو ضيقاً للغاية إن لم يكن مسدودًا، سواء بسبب مشكلات الاستثمار أو الثقافة السائدة لدى الطبقات المالكة.

وجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن البنك الأكبر الموجود في البلاد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان هو »البنك الأهلى« البريطانى الجنسية برغم اسمه.. وكانت الحكومة المصرية تضع أموالها فيه!! كما كان هو المسئول عن طباعة البنكنوت المحلي »الجنيه المصرى«!! ولعل هذا كله يوضح تعقيد مشكلة تمويل الاستثمار..

من هذا كله تبدو أهمية فكرة تأسيس بنك مصرى، التى تبناها طلعت حرب، ثم نفذها فعلا برأسمال محدود في البداية (80 ألف جنيه) لكنه سرعان ما تضاعف بفضل نجاح عمل البنك وحسن إدارة طلعت حرب، وقدرته علي إقناع مزيد من المساهمين الوطنيين بالدخول في المشروع.. علما بأنه كان يتمتع بعلاقات واسعة للغاية بحكم عمله في القسم القانونى في الدائرة السنية »الخديوية« أواخر القرن 19 بعد تخرجه في كلية الحقوق، ثم عمله مديرا لشركة كوم أمبو لاستصلاح الأراضى ثم مديرا للشركة المصرية لاستصلاح الأراضى »في الدلتا« فضلا عن علاقاته الوطيدة بالسياسيين ورجال الفكر والثقافة، وبينهم عدد لا بأس به من كبار ملاك الأراض الأغنياء.

وقد حرص طلعت حرب عند تأسيسه لبنك مصر علي الأخذ بفكرة »البنك الشامل«.. ونص في المادة الثانية من عقد التأسيس على شمول أنشطة البنك للنشاط التجارى والاستثمارى في مختلف المجالات الصناعية والعقارية وغيرها.. الأمر الذى يشير إلي بُعد نظره ورؤيته الطموحة منذ البداية، كما أسلفنا.

وبعد سنتين من تأسيس البنك تم تأسيس أولي شركاته »شركة مصر للطباعة« عام 1922.. ثم شركة مصر لصناعة الورق »1923« ثم شركة مصر للحلج »1924«.. ومن ثم شركة مصر للنقل »1925«.. وستوديو مصر »1925«.. وغنى عن البيان أن شركات بنك مصر كلها ــ باستثناء شركة واحدة ــ حملت اسم مصر.. كما نلفت النظر إلي تأسيس شركات للطباعة والورق وصناعة السينما ضمن أولي شركات بنك مصر، ما يشير إلي الأفق الثقافى والتنويرى الواسع لرائد الاقتصاد المصرى.. كما نود أن نلفت النظر إلي الطابع التكاملى للشركات.

ففي عام 1927 قام طلعت حرب بتأسيس درة التاج في مجموعة شركات بنك مصر نعنى شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري.. وقام في نفس العام بتأسيس شركة مصر لنسج الحرير، وشركة مصر للكتان، وشهد نفس العام (1927) تأسيس شركة مصر للمصايد وأسس عام 1929 بنك مصر ـ سوريا ـ لبنان ثم شركة مصر لتصدير القطن عام 1930.. ولنلاحظ هنا اقتحامه واسع النطاق لأنشطة كانت مقصورة على الأجانب أو شبكة العملاء المصريين المرتبطة بهم.

وكان تأسيس شركة بيع المصنوعات المصرية، وإنشاء عدد كبير من الفروع لها في مختلف أنحاء البلاد (1932) تعبيرا عن إدراك طلعت حرب للترابط بين عمليتى الإنتاج والتوزيع أو التنسيق.. ودعوة للمصريين لاستهلاك المصنوعات المصرية.. وفي العام نفسه (1932) أسس طلعت حرب شركة مصر للطيران، لتكون أول شركة للطيران في الشرق الأوسط.. ثم أنشأ شركة مصر للملاحة البحرية، وشركة مصر للشحن عام 1934، وفي العام نفسه شركة مصر للتأمين، وشركة مصر للجلود، وعاد ليلتفت لمجال الغزل والنسيج فأسس شركة مصر للغزل الرفيع والمنسوجات (1937).

وشهدت سنة 1938 شركة مصر للتنمية العقارية وشركة مصر للمناجم والمحاجر، وشركة مصر لتكرير الزيوت، وشركة مصر للتبغ.. وشركة وحيدة في المجموعة لم تحمل اسم »مصر« هى شركة »بييدادايرز« ولها ظروف اضطرارية سنجىء إليها في مقالنا التالى بإذن الله.. ومن ثم اقتحم طلعت حرب ميدان صناعة الدواء بإقامة شركة مصر للمستحضرات الدوائية (1940).

وبديهى أن هذا النشاط العاصف الذى أنتج إمبراطورية اقتصادية وطنية لم يكن علي هوى الاستعمار البريطانى، ولا القصر الملكى العميل، ولا وكلاء رءوس الأموال الأجنبية من المستوردين والتجار.. فكادوا لطلعت حرب وبنك مصر وشركاته كيدًا شديدًا.

(وللحديث بقية)..

مصر للطيران
طارق عامر البنك المركزى القومى للمرأة

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE