الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 06:20 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: السياحة الدينية الإسلامية.. وفرص مصر الضائعة

الأموال


 

 

السياحة الدينية الإسلامية أحد الكنوز المهدرة من جانب القطاع السياحى المصرى، وأول ما يتبادر إلي الذهن هنا هى مزارات أهل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة الموجودة فى مصر، والمساجد الأثرية الهامة الكثيرة، وهى فى مجملها تمثل كنزا أثريا ومعماريا وحضاريا لم يحظ حتى الآن بأى تسويق سياحى جدى.. ناهيك عن الأهمية الروحية والوجدانية الكبيرة لها بالنسبة لأكثر من مليار مسلم فى مختلف أنحاء العالم.. إلا أن مفهوم السياحة الدينية الإسلامية بالنسبة للقطاع السياحى المصرى ينبغى أن يمتد في رأينا المتواضع إلى دور كبير يجب أن يقوم به قطاع السياحة «والطيران» المصرى في تنظيم رحلات الحج والعمرة من بلدان إسلامية عديدة ليس لديها قطاع النقل والسياحة المنظم والمتطور الخاص بها.

بينما يتطلع الملايين من أبنائها المسلمين لأداء الحج والعمرة، وقد سبقتنا إلي أسواقها شركات السياحة والطيران التركية محققة أرباحا طائلة، لا يصح أن تظل الشركات المصرية بمنأى عنها كما سنوضح بالتفصيل فيما يلى من مقالنا.

ونبدأ بالحديث عن مزارات أهل البيت والصحابة  الكثيرين الذين بدأ تدفقهم علي مصر بعد الفتح الإسلامى مباشرة فنجد فى مقدمتها مزار السيدة زينب بنت على بن أبى طالب وشقيقها الحسين بن على (وهما ابنا السيدة فاطمة الزهراء بنت النبى عليه الصلاة والسلام.. ورضى الله عنهم جميعا) ونجد مزار سيدى على زين العابدين ابن الحسين والسيدة نفيسة وغير هؤلاء جميعا من آل بيت النبى الكريم الذين يعرفهم المصريون جيدا ويهتمون بزيارة قبورهم.

وأول ما يصدم المهتم بتطوير السياحة الدينية في مصر هو أن مزارات أهل البيت والصحابة الكرام لا يوجد دليل سياحى متكامل يحمل صور مساجدهم وأضرحتهم وسبل الوصول إليها «فضلا عن أن يكون مطبوعا طباعة فاخرة، ومزودا بسيرة تاريخية مكتوبة بصورة جيدة توضح مآثر كل منهم»، كما أنه لا يوجد برنامج سياحى واحد يتضمن هذه المزارات ذات الأهمية الروحية الكبيرة للمسلمين جميعا، وهم يمثلون نسبة كبيرة من السياح الذين يزورون مصر، لاسيما أن العرب وحدهم يمثلون جزءا معتبرا بين هؤلاء.

من ناحية أخرى فإن القاهرة المعزية والمملوكية تمثل متحفا مفتوحا عامرا بآثار الحضارة العربية ـ الإسلامية بدءا من القرن الأول الهجرى «السابع الميلادى» كمسجد عمرو بن العاص، ومرورا بالدولة الطولونية والفاطمية والأيوبية ثم المملوكية.. وهنا نجد آثارا وتحفا معمارية رائعة كمسجد ومدرسة السلطان حسن وجامع الحاكم بأمر الله، وقلعة صلاح الدين والجامع الأزهر وبوابات القاهرة.. الخ.. كما نجد فى منطقة مصر القديمة «الفسطاط» ذلك المزيج الروحى والحضارى الرائع من الكنائس والأديرة التاريخية المحيطة بمسجد عمرو بن العاص، ونجد كذلك أثرا معماريا حضاريا فريدا كمجرى العيون الذى كان يحمل المياه من النيل إلى بيوت القاهرة في العصور الوسطى، بينما كانت أوروبا كلها لا تعرف الاستحمام إلا في المناسبات!! وللقارئ الكريم أن يتصور ما يمثله أثر مثل «مجرى العيون» من دعاية مؤثرة لحضارة مصر الممتدة، أو ما تمثله منطقة جامع عمرو والكنيسة المعلقة والأديرة الأثرية فى مصر القديمة، من نموذج ناطق للتعايش بين الأديان على مدى التاريخ المصرى.

والمؤسف أن هذه المناطق كلها غير مشمولة ببرامج منظمة للتسويق السياحى، بل إنها متروكة لاجتهادات الشركات ومنظمى الرحلات، فنجد من ينظم رحلة للقلعة وجامع السلطان حسن، ولا يهتم بزيارة منطقة مصر القديمة القريبة جدا أو القاهرة الفاطمية القريبة أيضا.. أو نجد من ينظم رحلة لخان الخليلى وخاصة للسياح الأجانب لشراء التذكارات المصرية والشرقية من البازارات وتحصيل العمولات دون أن يهتم بأخذ السائحين إلى جولة في القاهرة الفاطمية الملاصقة لخان الخليلى.. بينما يهتم آخر بزيارة الكنيسة المعلقة وحصن بابليون والمتحف القبطى دون أن يهتم بجولة في القاهرة الفاطمية والمملوكية الواقعة على مسافة كيلومترات قليلة.. وهكذا.

وبصورة عامة فإن الشركات السياحية تهتم بصورة أساسية بتنظيم زيارات إلى منطقة الأهرام وأبي الهول ــ وسقارة إذا توسعت ــ التي تمثل رموزا شهيرة للحضارة المصرية القديمة.. وحيث تقع البازارات وأماكن البيع والشراء وجنى العمولات وربما تضم إليها منطقة خان الخليلى أيضا حيث البازارات والعمولات.. بينما تترك خلف ظهرها كنزا حضاريا ومعماريا يمثل متحفا مفتوحا ضخما، لو وجد ربعه فى أى بلد آخر لكان مسرحا لنشاط سياحى بالغ الأهمية والربحية.

القاهرة القديمة بدءا من الفسطاط ومنطقة القلعة والقاهرة الفاطمية والمملوكية تستحق اهتماما أكبر بكثير من جانب وزارة السياحة وهيئاتها، وكذلك من جانب وزارة الآثار وهيئاتها.. مطلوب إعداد كتيبات «بروشورات» مصورة على أفضل مستوى ممكن لمزارات أهل البيت وللمزارات والآثار المهمة.. بمختلف اللغات العالمية واسعة الانتشار.. ومطلوب إعداد برامج للرحلات إلى هذه المزارات وتوزيعها علي الشركات السياحية، وتقديم حوافز مناسبة لها في حالة الاهتمام بتنفيذ هذه البرامج، ومطلوب كذلك إعداد برامج مكثفة لتدريب المرشدين السياحيين المتخصصين في تاريخ وآثار القرون الوسطى، وأستطيع أن أقول ـ من خلال تجربة شخصية ــ إنه لا يوجد تقريبا مرشدون سياحيون علي مستوى معقول من التخصص في الآثار الإسلامية وتاريخ العصور الوسطى.. لا باللغة العربية ولا بغيرها، وهذه نقطة ضعف خطيرة فيما يتصل بإمكانات تطوير السياحة الدينية وغير الدينية الإسلامية، وغنى عن البيان أن إعداد اسطوانات مدمجة ذات محتوى علمى غنى ورصين حول مزارات آل البيت والصحابة والآثار الإسلامية والمسيحية في القاهرة وباللغات الحية الأكثر أهمية هى مسألة حيوية للغاية.

هناك ساحة مهمة لنشاط السياحة الدينية المصرية تستحق التوقف عندها ــ نعنى العمل بين مسلمى روسيا «حوالي ٢٠ مليونا» وآسيا الوسطى «حوالى ٤٠ مليونا».. فهؤلاء يبدون اهتماما كبيرا بأداء فريضة الحج والقيام بالعمرة، وليس لديهم شركات وطنية تقوم برحلات منتظمة إلى الأراضى المقدسة، وقد كانت الشركات التركية سباقة إلي العمل في هذه الأسواق، وتتضمن الرحلات فى الذهاب والعودة محطة ترانزيت فى اسطنبول لليلة أو لبضع ساعات، ينفق خلالها الحجاج أو المعتمرون جزءآ لا بأس به من أموالهم في شراء هدايا وتذكارات.

ومن المدهش أن الشركات التركية تستأثر بنصيب كبير من السياحة الروسية إلي مصر نفسها، وتنافس الشركات الروسية في ذلك!! بينما تقنع الشركات المصرية بالفرجة على هذه المنافسة!! وقد كتبنا مقالات وأدلينا بأحاديث حول هذا الموضوع مرات عديدة علي مدى أكثر من عشرين عاما، داعين شركات السياحة والطيران المصرية لاقتحام هذه السوق الكبيرة.. ولكن لا حياة لمن تنادى!!

وننتهز هذه الفرصة لنجدد النداء للاهتمام بالسوق الواعدة التى يمثلها المسلمون الروس وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية «أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، بالإضافة إلى أذربيجان» خاصة في الظروف الراهنة التي تشهد انطفاء بريق تركيا كدولة متحضرة، كما تشهد ارتباطها بالإرهاب ومشكلاتها معه، مما يؤثر سلبا على فرصها في تلك الأسواق كما أن موقف تركيا من الأزمة القطرية يؤثر سلبا علي علاقاتها بالسعودية، الأمر الذى يتيح الفرصة لتسهيلات تنافسية لصالح شركاتنا إذا اهتممنا بالموضوع.

وبالطبع يمكن تنظيم رحلات سريعة لمزارات أهل البيت أثناء ترانزيت بالقاهرة للرحلات المتجهة من آسيا الوسطى و«روسيا» إلى الأراضى المقدسة، وهى زيارات تنسجم مع الجو الروحى للحج والعمرة، ومن شأنها أن تحقق ارتباطا بين هؤلاء الحجاج والمعتمرين وبين مصر والسياحة فيها.

نحن فى حاجة إلى كل سائح.. وإلى كل ليلة سياحية.. وإلى كل دولار.. فهل نهتم؟؟ اللهم قد بلغنا..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE