الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 12:59 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: من الركود.. إلى التعافي.. والانطلاق .. كيف أفلت الاقتصاد الروسى من مقصلة العقوبات الغربية؟(2)

الأموال

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال (الأموال ـ الأحد 24 سبتمبر 2017) عن مؤشرات تعافي الاقتصاد الروسى، وخروجه من حالة الركود التى أخذت بخناقه خلال السنوات الثلاث الماضية، وذكرنا أن قوة مؤشرات التعافى هذه جعلت خبراء صندوق النقد الدولي يرشحون اقتصاد روسيا لانطلاق يجعله ـ هو والاقتصاد البرازيلى ــ من قاطرات النمو فى الاقتصاد العالمى خلال ثلاث أو أربع سنوات، إلى جانب اقتصادات الصين والهند والنمور الآسيوية.

وتزداد أهمية الانتعاش الجارى حين نضع في اعتبارنا أن تعافى الاقتصاد الروسى يتم فى مواجهة حرب اقتصادية أمريكية أو غربية شرسة ومحاولات مستمرة لجرّ روسيا إلى سباق تسلح منهك منذ أكثر من عشر سنوات. وقد كانت الأزمة الأوكرانية ـ بدءا من خريف 2013 ـ نقطة انعطاف لتصعيد هذه الحرب الاقتصادية، وخاصة بعد أن أدت تداعيات تلك الأزمة إلى استعادة القوات الروسية لشبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية في البحر الأسود في مارس 2014. فقد فرضت الولايات المتحدة حزمة كبيرة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وضغطت على الاتحاد الأوروبى لفرض حزمة أكبر من العقوبات ضد موسكو. وقدَّر الخبراء وقتها الخسائر المترتبة على تلك العقوبات بنحو 100 مليار دولار سنويا.. أى ما يعادل حوالى 2.5٪ من حجم الناتج المحلى الإجمالى الروسى!! وهى خسائر فادحة بأى مقياس. وصحيح أن الخبراء قدّروا خسائر الاتحاد الأوروبى (الشريك التجارى والاقتصاد الأكبر لروسيا) بأنها أكبر من خسائر موسكو. إلاّ أن قدرة الاتحاد الأوروبي علي تحمل الخسارة هى أكبر بكثير.. (ناتجه المحلى الإجمالى السنوى حوالي 19 تريليون دولار).

ولا يتسع المقام هنا للحديث عن الأبعاد الاستراتيجية والسياسية لهذه المواجهة، لكن حسبنا أن نذكر أنها أسفرت عن إفشال الخطة الغربية لإلحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبى ومن ثم بحلف الناتو، وهو ما يفسر إصرار الولايات المتحدة على استمرار العقوبات حتى الآن، بالرغم من تململ عدد من الدول الأوروبية من الآثار السلبية للعقوبات على اقتصاداتها، وخاصة المجر والنمسا وهولندا واليونان وتشيكيا وسلوفاكيا. فقد اتخذت روسيا قرارًا بحظر استيراد السلع الغذائية والزراعية من الاتحاد الأوروبي ردًا على العقوبات الأوروبية، والتوجه لاستيراد تلك السلع من أسواق بديلة، الأمر الذى ألحق أضرارًا لا يُستهان بها باقتصادات الدول المذكورة. كما اتجهت روسيا لتطوير وتنويع إنتاجها الزراعى، عبر إجراءات عاجلة، بقدر ما تسمح به ظروفها. ومعروف أن القطاع الزراعى يتسم بمرونة محدودة في تغيير مجالات نشاطه، إلا أن قرار موسكو بعدم الخضوع للإرادة الغربية جعلها مستعدة لتحمل الخسائر.

ثم جاءت الخطوة الأمريكية بإغراق الأسواق النفطية، بالاشتراك مع عدد من حلفائها من كبار منتجى البترول والغاز، لتلحق بالاقتصاد الروسى ضربة أشد بكثير من ضربة العقوبات الأوروبية. كما ضغطت واشنطن على الاتحاد الأوروبي (وبلغاريا) لتوقف الأخيرة وصول خط أنابيب للغاز الروسى عبر أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبى.

وبدأت ترتسم ملامح حصار للصادرات الروسية من البترول والغاز، ردت عليه موسكو بعقد صفقة ضخمة لتصدير الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب عملاق جديد «قوة سيبيريا»، وبالاتفاق مع تركيا على مرور خط أنابيب الغاز إلى جنوب أوروبا عبر أراضيها، مقابل شروط تفضيلية سخية لإمداد أنقرة بالغاز الروسى، وتم الاتفاق بالرغم من الخلافات العميقة والساخنة أيضا حول الأزمة السورية بين كل من موسكو وأنقرة.

< < ومعروف أن صادرات البترول والغاز تمثل أكثر من 70٪ من موارد روسيا من العملات الصعبة، وقرابة نصف موارد موازنتها. ولهذا فإن تأثير انهيار أسعار البترول نتيجة لسياسة إغراق الأسواق كان تأثيره شديد السلبية على الاقتصاد الروسى.. ولكن ليس عليه وحده، بل علي دول الأوبك أيضاً التى شاركت فى «الإغراق» وتدهورت عائداتها البترولية بصورة واضحة.. علما بأن روسيا لم تتوان هى الأخرى عن المشاركة الاضطرارية فى لعبة الإغراق! فقد زادت من إنتاجها لتعويض الخسائر الناجمة عن انهيار الأسعار.. وأصبح واضحًا أن روسيا لن تنهار.. وإن تعاظمت خسائرها.. وأن الجميع يخسرون.. نعنى جميع مصدرى البترول والغاز، ولابد من وضع حد لهذه الخسائر.

وكانت روسيا طوال الوقت تسعى للتفاوض مع دول «الأوبك» لخفض إنتاجها من البترول، مقابل خفض موسكو والمنتجين الآخرين من خارج الأوبك لإنتاجهم، واستغلت روسيا علاقاتها الدولية فى هذا الصدد بصورة جيدة، ليتم التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج ووقف إغراق الأسواق اشتركت فيه دول «الأوبك» والدول المنتجة من خارج «الأوبك». وبمقتضي الاتفاق خفضت الأوبك 1.2 مليون برميل/ يوميا من إنتاجها، ليصل إلى 32.5 مليون برميل/ يوميا.. وخفضت روسيا والدول الأخرى من خارج الأوبك إنتاجها بمقدار 560 ألف برميل/ يوميا، مما أتاح امتصاص الفائض الكبير من الإنتاج الذى كان يغرق الأسواق، والذى تسبب في انهيار الأسعار من 115 ــ 120 دولارا للبرميل إلى أقل من 30 دولارا وتسبب في خسائر بالغة الفداحة لكل هذه الأطراف.

والواقع أن التوصل إلى هذا الاتفاق وتنفيذه كان يصب فى مصلحة جميع الأطراف الداخلة فيه وساعد امتصاص فائض المعروض على رفع سعر البرميل من مزيج «برنت» مما دوّن الثلاثين دولارا إلى 45 ــ 50 دولارا ترتفع أحيانا إلى 55 دولارا للبرميل. وساعد هذا الإجراء بالغ الأهمية على تحسين عائدات جميع تلك الدول من داخل وخارج الأوبك، بما فيها روسيا، بدرجة كبيرة.. وخفضت روسيا إنتاجها بـ300 ألف برميل/ يوميا ــ أى أكثر من نصف كمية الخفض عن الدول المنتجة خارج الأوبك ليمكن التوصل إلي الاتفاق.

وفى كل ما ذكرناه أعلاه لعبت الرؤية الاستراتيجية الشاملة للعلاقات مع الدول الحليفة (كالصين والهند ـ مجموعة البريكس) ومع الدول ذات العلاقات الجيدة مع موسكو (كالإمارات والسعودية وإيران).. وبرغم التناقضات في المواقف من القضية السورية مثلا.. ولعبت النظرة البراجماتية (العملية) للأمور، والدبلوماسية المرنة النشيطة التى تنطلق من احترام مصالح كل الأطراف، وتطرح الحلول الوسط المقبولة.. لعب كل ذلك دورًا مهمًا للغاية فى حل مشكلات كانت تهدد الاقتصاد الروسى بأخطار بالغة الفداحة.

وتم فى سياق هذه العملية الاتفاق على أشكال من التعاون فى مجالات أخرى، ترى أثرها مثلا فى تطور العلاقات متبادلة النفع بين روسيا ودول الخليج، وتطور التعاون فى جهود التسوية السياسية في سوريا، وبين روسيا وكل من تركيا وإيران فى إطار صيغة «آستانة» المرتبطة بخفض التوتر وعقد اتفاقات جزئية لوقف إطلاق النار في مناطق مختلفة من سوريا.. وغير ذلك مما ربما لا يُقال علنًا وبشكل مباشر.. لكن المراقب اليقظ يمكن أن يلمح آثاره.

وفى هذا كله برهنت القيادة الروسية على أن بلادها قوة دولية كبرى، قادرة على لعب دور بنّاء فى العلاقات الدولية، ومدّ الجسور مع أطراف عديدة.. وفى الوقت نفسه تمكنت روسيا من إحداث ثغرات واسعة فى الحصار الذى أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فرضه عليها.

وحقق الاقتصاد الروسي استفادة كبرى من هذه السياسة البراجماتية المتزنة التى تستند إلى نقاط قوة الدولة، ومن التناقضات القائمة فى العلاقات الدولية..

وللحديث بقية..

مصر للطيران
روسيا سوريا واشنطن مصر

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE