الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 05:11 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: مجمع التحرير.. نُصب تذكارى للتخلف الإدارى

الأموال

 

 

هذا المبنى الضخم القابع فى ميدان التحرير وفي قلب العاصمة «القاهرة» والمعروف باسم مجمع التحرير.. بات عبئا على الدولة.. الحكومة والشعب، ولا أبالغ إذا قلت بل عبئا علي الأمن أيضا، ومن ثم فإن بقاءه مجمعا للمصالح الحكومية لم يعد مقبولا استمراره وهو الأمر الذى لم تدركه الحكومة الحالية وما سبقها من حكومات متعاقبة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وإذا كان من الممكن تفّهم فلسفة إقامة هذا المبنى فى بداية خمسينيات القرن الماضى وتجميع المصالح الحكومية التابعة للوزارات فى هذا «المجمع» فى العاصمة حين كان عدد سكان مصر لا يتجاوز 18 مليون مصرى منهم ما لا يزيد على مليونين فى القاهرة وحدها..

.. وبينما كانت تحركات المصريين من مختلف المحافظات لقضاء مصالحهم لدى الأجهزة الحكومية فى العاصمة محدودة جدًا، فإن استمرار تجميع المصالح الحكومية وعلى هذا النحو المركزى فى القاهرة وفى هذا المجمع صار نوعاً من العبث بل الجنون الحقيقى!

 < < <

إن وجود هذا المجمع فى قلب العاصمة وتكديس كل المصالح الحكومية بداخله يتناقض تماماً مع كل ما قيل ويُقال عن تحديث الجهاز الإدارى وعن «الحكومة الذكية» ولا يتفق مع الطفرة التى حدثت فى الاتصالات والتطور والتقدم التكنولوجى الهائل والذى من المفترض أن ينعكس بالضرورة على الأداء الحكومى لتسهيل تعامل المواطنين مع المصالح والهيئات الحكومية على اختلافها.

إنه لم يعد مقبولا أن يستمر هذا التجميع للمصالح الحكومية في هذا «المجمع» بعد أن بلغ عدد سكان مصر مائة مليون نسمة منهم ما لا يقل عن 18 مليونا في القاهرة وحدها بينما يتردد عليها يوميا نحو خمسة ملايين من مختلف المحافظات لإنهاء معاملاتهم مع المصالح الحكومية فى العاصمة أو للعمل بها.

<< <

إن المشهد اليومى داخل مجمع التحرير باتَ مشهدًا فوضويًا غوغائيًا غير حضارى بالمرة، حيث يحتشد بداخله منذ الثامنة صباحًا وحتى الثالثة عصرًا عشرات الآلاف من المواطنين غير آلاف الموظفين والعاملين، وفي نفس الوقت فإن احتشاد هذه الآلاف فى مكان واحد يضيق بهم يمثل خطرًا أمنيًا محدقًا فى أى لحظة وفى أى يوم، وعلى النحو الذى استشرفه الفيلم السينمائى الشهير «الإرهاب والكباب» وإن كان قد جرى تقديمه فى سياق كوميدى لكن لا تخفي دلالته الجادة والتى تنبّه إلى احتمالات «تراجيدية» يتعين تجنب حدوثها.

< <<

إنه مما يعد مدعاة للدهشة وللعجب ولعله مدعاة للخجل الحكومى أن يأتى مواطن من محافظة أسوان على سبيل المثال للحصول على ورقة أو شهادة أو «ختم النسر» من إحدى المصالح الحكومية المركزية فى المجمع، حيث ليس من سلطة المديرية المحلية في تلك المحافظة أن تقدم هذه الخدمة.

هذا المثال ليس خياليًا أو افتراضيًا ولكنه يحدث يوميًا فى واقع الأمر، ففى يوم الأربعاء الماضي وعلى سبيل الحصر جاء محام من أسوان ليحصل على شهادة من مصلحة الجوازات بمجمع التحرير تفيد عدم سفره للخارج وذلك لتقديمها إلى نقابة المحامين الفرعية بمحافظته حتى يتمكن من صرف معاشه النقابى بعد بلوغه سن الستين!

لم يكن هذا المحامى وحده الواقف أمام شبابيك مصلحة الجوازات بل كان هناك المئات من المحامين وغيرهم من أعضاء نقابات مهنية أخرى الذين جاءوا لنفس السبب فى سياق ذلك التخلف الإدارى. والغباء أيضاً الذى لايزال يتحكم فى المصريين مع قرب انتهاء العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، وهو تخلف تشترك فيه مصلحة الجوازات مع النقابات المهنية علي حد سواء مثل غيرها من المصالح والهيئات الحكومية.

< < <

وقياسًا على ذلك المثال يمكن إدراك حجم المأساة التى يعانيها المصريون مع الجهاز الإدارى للدولة، إذ إنه يتكرر مع كل الوزارات في الحكومة بداية من وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى مرورًا بوزارة التضامن الاجتماعى «الشئون الاجتماعية سابقاً» وصولا إلى كل وزارة فى الحكومة.

< < <

لقد وصف لي أحدهم مشهد المجمع ومعاناته داخله وسط ازدحام خانق مع التراخى من جانب الموظفين، والتردد على أكثر من مكتب وشباك وما يستدعيه ذلك من صعود سلالم المجمع بأدواره الثلاثة عشر.. بأنه مثل يوم الحشر!

< < <

ويبقي التساؤل موجهاً للحكومة.. لماذا الإصرار على استمرار هذا المجمع فى قلب العاصمة، ثم لماذا الإصرار على تجميع كل المصالح الحكومية في مكان واحد.. فى مجمع التحرير هذا، بل لماذا الإصرار على هذه المركزية البغيضة التى لا مثيل لها في دول العالم المتقدمة أو حسب التعبير الفكاهى الشهير فى فيلم «الإرهاب والكباب» علي لسان الممثل خفيف الظل «فى أوروبا والدول المتقدمة».

أما السؤال الأهم فهو لماذا يحتاج المواطن المصرى المقيم فى إحدي المحافظات أن يأتى إلى مجمع التحرير لوضع «ختم النسر» على شهادة أو ورقة حكومية؟!

< < <

لقد صار مجمع التحرير مجمعًا لتعذيب وتدويخ المصريين، ثم إن بقاءه مجمعًا للمصالح الحكومية يجعله نصباً تذكارياً للتخلف الإدارى الذى يهدر كل جهود الإصلاح الاقتصادى والتنمية.

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE