الأموال
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 12:01 مـ
  • hdb
14 شوال 1445
23 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: الضبعة.. مصر تستعد لتحقيق حلمها النووى

الأموال

 

أخييرا.. حلم مصر النووى يوشك علي التحقُّق.. الرئيسان عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين التقيا على هامش قمة «البريكس» الأخيرة، واتفقا علي وضع حجر الأساس لمحطة الضبعة النووية فى القريب العاجل، وبحضور بوتين.. مجلس الدولة يراجع العقود النهائية للمحطة، ويرسل ملاحظاته عليها إلى مجلس الوزراء خلال أيام، لتضع الحكومة الرتوش الأخيرة، ويدخل المشروع حيز التنفيذ حسبما أعلن وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر.

محطة الضبعة ليست مجرد مشروع ضخم لتوليد الطاقة الكهربائية فحسب (4800 ميجا وات من الطاقة الكهربائية تقدمها أربعة مفاعلات طاقة كل منها 1200 ميجاوات).. ولا مشروع لتحلية مياه البحر يقدم كمية كبيرة من المياه العذبة الضرورية لإصلاح وزراعة أراضى المنطقة المحيطة بالضبعة في صحراء مصر الغربية فحسب، بل إنها مشروع تنموى وعلمي تكنولوجى استراتيجى ضخم، يتيح لمصر دخول عصر الاستخدام السلمى للطاقة النووية من أوسع أبوابه، وإقامة بنية تحتية نووية حديثة متكاملة تضم مدرسة فنية نووية لإعداد العمال والفنيين، ومشروعاً لإحياء قسم الهندسة النوية بجامعة الإسكندرية ومشروعات بحثية للعلماء والخبراء النوويين في مختلف مجالات الاستخدام السلمى للطاقة النووية، وهى مجالات عديدة تدخل فى مختلف قطاعات الاقتصاد والإنتاج الصناعى والزراعى، فضلا عن الاستخدامات الطبية والعلاجية.

وربما كان من الأدق أن نتحدث عن «إحياء الحلم النووى» وليس عن تحقيقه.. فقد كانت مصر من أولى الدول النامية التى اهتمت بالاستخدام السلمي للطاقة النوية منذ أواسط الخمسينيات، فأقامت هيئة الطاقة النووية ومفاعل إنشاص النووى البحثى وقسما للهندسة النووية بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بمساعدة سوفيتية، وأرسلت عشرات الباحثين وطلاب الدكتوراه للدراسة والتدريب في الجامعات ومراكز الأبحاث السوفيتية، نبغ عدد منهم، واستعانت بهم دول مختلفة في تطوير برامجها النووية.. ونذكر منهم بصفة خاصة الدكتور يحيى المشد المعروف بأبى البرنامج النووى العراقى، والذى اغتالته إسرائيل أثناء رحلة له إلى باريس، والدكتور سعيد بدير العالم البارز الذى توفي فى ظروف غامضة ومشبوهة.

غير أن هذا البرنامج ـ الذى وُلد طموحًا ـ سرعان ما أخذ يتعثر بعد هزيمة 1967 ليتفرق الباحثون والخبراء في مختلف أنحاء العالم، ولتتقلص أنشطة وميزانيات البحث والتطوير.. وحتى فكرة إقامة محطة لتوليد الكهرباء سرعان ما تم تجميدها بعد حادث تشيرنوبل الشهير فى الاتحاد السوفيتى السابق ـ1986) بالرغم من إجراء أبحاث لاختيار مكان للمحطة استقرت على اختيار موقع الضبعة.

وأثيرت فكرة إحياء البرنامج النووى المصرى، وإقامة محطة الضبعة مرة أخرى فى أواخر عهد مبارك لكن رجال الأعمال الراغبين فى استخدام منطقة الساحل الشمالى للاستثمار العقارى شنوا على المشروع حملة ضارية، زاعمين هم وأبواقهم أنه يمثل خطرًا داهمًا على الاستثمار السياحى للمنطقة ومتحدثين عن مخاطر التسرب الاشعاعى..إلخ بالرغم مما أصبح معروفا في العالم بأسره من أن محطات الجيل الثالث النووية أصبحت تملك إمكانيات للأمان والحماية تصل إلى 100٪ وأن مفاعلاتها تقام الآن فى ضواحى عديد من المدن الأوربية، وحقيقة الأمر أن رجلى الأعمال إبراهيم كامل ومجدى راسخ المقربين من مبارك وابنيه يملكان قطعتى أرض كبيرة على جانبي موقع الضبعة، وكانا يتطلعان للاستيلاء علي المنطقة التى تتمتع بميزات من شأنها أن تجعلها مناسبة لإقامة موقع سياحى ممتاز!! ومن الغريب والمريب أنه بعد ثورة يناير 2011 استغلت أطراف بعينها ظروف الفوضى الأمنية لدفع البعض من بدو المنطقة لمهاجمة موقع محطة الضبغة، وهدم كل المنشآت  التحضيرية المرتبطة بمشروع المحطة من مفاعل ومنشآت علمية وبحثية، والاستيلاء علي أراضى المنطقة.

غير أن فكرة إقامة المحطة النووية عادت إلى الحياة بعد ثورة 30 يونيو.. وتم إخلاء الموقع من اعتداءات أهالى المنطقة، والشروع فى إعادة بناء المنشآت التحضيرية، التى كانت قد تعرضت للتدمير، كما تم الإعلان عن مناقصة عالمية لإقامة المحطة النووية، وأسفرت دراسة العروض عن اختيار عرض شركة «روس آتوم» الروسية، باعتباره الأفضل فنياً وتمويليًا بعد دراسة عروض فرنسية وكورية جنوبية، فضلا عن عدم ارتباطه بشروط سياسية، وعن توافر ميزة بالغة الأهمية هى «توطين التكنولوجيا» من خلال مشاركة الفنيين والخبراء المصريين «وتعهد الجانب الروسي بتدريبهم» سواء في مرحلة البناء أو التشغيل، واشتمال العرض الروسى على مشروع متكامل لإعادة تأسيس البنية التحتية النووية السلمية المصرية، كما أشرنا فى بداية مقالنا.

من الناحية الفنية فإن المفاعلات الأربعة المقرر بناؤها، من أحدث طرازات الجيل الثالث من المفاعلات المزودة بنظم متعددة للتأمين والحماية الأوتوماتيكية التى تستبعد إمكانية أخطاء العنصر البشرى، والتى تنخفض درجة المخاطر فيها إلى الصفر (صفر مخاطر).

أما من الناحية الاقتصادية فإن المحطة تقام بقرض روسى ميسر قدره 25 مليار دولار بفائدة قدرها 3٪ وفترة سماح تصل إلى 12 سنة، حيث يبدأ السداد بعد اكتمال بناء المحطة بمفاعلاتها الأربعة.. ومن عائد الإنتاج.. ويكون السداد بأقساط على مدى 15 سنة.. وهي شروط مناسبة تماما للجانب المصرى.. علماً بأن الجانب الروسى التزم باستخدام مكونات إنتاج مصرية لا تقل عن 15٪ في عملية البناء.. كما التزم بتوفير الوقود النووى لعمل المفاعلات، وبالمسئولية عن عملية التخلص من النفايات النووية الناتجة عن عمل المفاعلات، وهى من أكثر العمليات تعقيدًا في عمل المحطات النووية.

ويشير البعض إلى ضخامة القرض، ما يجعله أكبر قرض في تاريخ الاقتصاد المصرى، إلا أن هذا مردود عليه بملاءمة شروط السداد من جهة، وبالعائد الكبير لإنتاج المحطة من جهة أخرى، والذى يقدر بـ380 مليار دولار من التيار الكهربائى وحده، فضلا عن إنتاج الماء العذب، وعن تطوير وتوطين الخبرة التكنولوجية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.. فضلا عن أن دراسة كل العروض التي تلقتها مصر أوضحت أن عرض «روس آتوم» هو الأفضل من بينها فنيًا واقتصاديًا كما سبقت الإشارة.

ومع استكمال إعداد العقود بصورة نهائية ونشرها، واقتراب موعد وضع حجر الأساس للمحطة ستكون لنا عودة ــ بإذن الله ــ بتفصيل أكبر إلى الموضوع.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE