الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 09:28 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

محمد فراج أبوالنور يكتب: عجز الميزان التجارى.. و«لعبة الأرقام»

الأموال

 

التقارير الأخيرة عن تراجع ميزاننا التجارى تبعث علي قدر لا بأس به من التفاؤل، لكنه تفاؤل يظل مشوباً بقدر غير قليل من الحذر. وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل أعلن منذ أيام (صحف 4 أغسطس الجارى) عن تراجع في عجز ميزاننا التجارى خلال النصف الأول من العام 2017 قدره 11 مليار دولار.. منها عشرة مليارات ناتجة عن انخفاض الواردات إلي 24 مليارا في النصف الأول من العام الجارى، مقابل 34 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضى 2016 وزيادة في الصادرات قدرها 835 مليونا، حيث بلغت الصادرات ما قيمته 11 مليارا و130 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري مقابل 10 مليارات و295 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضى (2016)، وبنسبة انخفاض للواردات تبلغ 30٪ وزيادة للصادرات تبلغ 8٪.. لينخفض العجز التجارى من 24 مليارا في النصف الأول من عام 2016 إلي 13 مليارا في النصف الأول من العام الجارى.

 

<< وللوهلة الأولى تبدو الأرقام ممتازة.. ولكن بقليل من التأمل، وبالأخذ في الاعتبار أن النصف الثانى من العام الماضى وتحديدا  شهر نوفمبر 2016 قد شهد تعويم الجنيه، وانخفاض قيمته أمام الدولار من (8 جنيهات أو أكثر قليلا إلى حوالي 18 جنيها للدولار) حاليا، فإن معنى هذا أن الاقتصاد المصري قد دفع 272 مليار جنيه في النصف الأول من العام الماضي مقابل واردات قيمتها 34 مليار دولار.. بينما دفع 432 مليار جنيه فى النصف الأول من العام الجارى ليحصل علي واردات قيمتها 24 مليار دولار.. أى أقل بكثير مما حصل عليه العام الماضى!! وبكلمات أخرى فقد دفع الاقتصاد المصرى في النصف الأول من هذا العام 160 مليار جنيه) أكثر مما دفعه في النصف الأول من العام الماضي ليحصل علي سلع تقل قيمتها بعشرة مليارات دولار!!

<< وفي الوقت نفسه فإن الاقتصاد المصرى قد صدَّر سلعا تبلغ قيمتها 82 مليار جنيه في النصف الأول من العام الماضي مقابل 10 مليارات و295 مليون دولار.. أما في النصف الأول من هذا العام فقد صدّر سلعا وخدمات تبلغ قيمتها 200 مليار جنيه مقابل 11 مليارا و130 مليون دولار.

هنا تبدو الأرقام والحسابات المجردة خادعة إلي حد كبير، بل كبير جدا،.. والواقع أن الاقتصاد المصري قد دفع ثمن (لعبة الأرقام) هذه في صورة جنيهات أكثر بكثير، مقابل سلع وخدمات أقل.. أما المستهلك المصري (المواطن) فقد دفعها في صورة تضخم منفلت، وقدرة أقل علي تلبية احتياجاته الأساسية، وبتعبير آخر في صورة تدهور مستوى معيشته، لصالح مافيا الاستيراد والتصدير التي تواصل مراكمة الثروات.. وبالطبع لصالح المنتج والتاجر الأجنبي.

وصحيح أن البلاد دفعت دولارات أقل ــ وهذا في حد ذاته أمر إيجابي ـ لكن الصحيح أيضا أن المنتج (بكسر التاء) المصري، وخاصة المتوسط والصغير (ولم يفلت المنتج الكبير أيضاً من الآثار) في صورة تقلص أرباحه ومبيعاته، وبالتالى تقلص قدرته علي توسيع استثماراته وتوظيف المزيد من الأيدي العاملة.. باستثناء مجالات محددة تتسم بقدرتها التنافسية الكبيرة بما في ذلك الأسواق الدولية، حيث حققت الصناعات الكيماوية والأسمنت مثلا زيادة في الصادرات من (1517 مليون دولار إلي 2026 مليون دولار) بنسبة 34٪ وبمبلغ 509 ملايين دولار.. وحققت صادرات مواد البناء (الأسمنت والسيراميك) زيادة من 2244 مليون دولار إلي 2630 مليون دولار بنسبة 17٪ وبمبلغ 386 مليون دولار..

وإذا كانت الزيادة في صادرات هذين القطاعين وحدهما (895 مليون دولار) أكبر من إجمالي زيادة الصادرات كلها خلال المدة المذكورة (835 مليون دولار) فإن معنى هذا أن صادرات قطاعات أخرى قد تقلصت.. وهو أمر يستوجب البحث في أسبابه بالضرورة.. ويزيد من إلحاح هذه الضرورة أن الشركات الأجنبية قد تمكنت من احتلال مواقع مؤثرة جدًا في قطاعى الصناعات الكيماوية والأسمدة والأسمنت، مما يجعل مكاسب صادراتها تعود إلي ملاكها الأجانب وليس إلي الاقتصاد المصري.

بينما حققت الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية زيادة طفيفة في صادراتها خلال النصف الأول من العام الجارى، بلغت 1٪ فقط.

<< الأرقام كلها مأخوذة عن تصريح لوزير التجارة والصناعة طارق قابيل ــ «الأهرام» ــ و«المصري اليوم» فى 4 أغسطس 2017).

وتبدو النسبة هزيلة للغاية على ضوء الطلب الواسع في عدد من الأسواق التقليدية للصادرات الزراعية والغذائية المصرية، ومنها مثلا السوق الروسية التي طلب فلاديمير بوتين رسمياً وعلناً زيادة الصادرات المصرية إليها بنسبة 30٪ لمواجهة آثار نقص السلع الغذائية والزراعية الأوروبية في أسواق بلاده بسبب العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين روسيا والاتحاد الأوروبى.

ويتبقي هنا أن نشير إلى أن صادرات السلع الغذائية والزراعية المصرية لاتزال نتائجها مخيبة للآمال، لأسباب تتعلق بالجودة والرقابة علي سلامة الصادرات، وهي تستحق أن نقف عندها وقفة خاصة في مقال لاحق، ربما نتعرض فيها أيضاً للتلاعب الخطير في عمليات تصدير واستيراد الأرز والسكر.

وخلاصة القول أن الحديث عن تراجع عجز الميزان التجارى لا يمكن أخذه علي علاته، لأن الأرقام المجردة يمكن أن تقودنا إلي استنتاجات خاطئة ومضللة، بل يجب تحليل الأرقام من جوانب مختلفة اقتصادية ومالية وقطاعية وغيرها.. لأنه «ليس كل ما يلمع ذهباً» علي حد قول المثل الشهير.

والأهم.. أن الإصلاح الحقيقي لعجز الميزان التجارى غير ممكن دون تطوير القطاعات الإنتاجية، خاصة في الصناعة.. ثم الصناعة.. ثم الصناعة، ثم الزراعة والتعدين وغيرها من القطاعات الإنتاجية وبشرط التركيز علي تحقيق الاكتفاء الذاتى فيما يمكننا تحقيقه، وعلي الصادرات التي تعطى أكبر قدر من القيمة المضافة.. وعدم تصدير المواد الخام إلاّ لضرورات قصوى.. ويقتضى هذا تركيز الاستثمارات الشحيحة التي نملكها في القطاعات الصناعية، وخاصة في الصناعات المتقدمة وذات التكنولوجيات المتطورة.. وبالطبع ـ وقبل كل شىء ـ ينبغي إنهاض المصانع المتعثرة والمتوقفة كأولوية قصوى فبدون هذا لن يستقيم حال ميزاننا التجارى أبدًا.. ولن نلحق بركب التطور العالمى.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE