الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 01:48 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: رغيف العيش.. قضية أمن قومى

الأموال

 

حينما تولي اللواء الدكتور علي المصيلحى وزارة التموين والتجارة الداخلية في فبراير من هذا العام كان من بين أولى الأفكار التى طرحها لإصلاح منظومة الدعم تخفيض عدد أرغفة الخبز التي يحصل عليها المواطن على البطاقة التموينية من خمسة أرغفة إلى ثلاثة أو أربعة أرغفة يومياً!! وكان طبيعيا أن تهب في وجهه عاصفة عاتية من الانتقادات، وأن تشتعل ضده وسائل الإعلام بدءا من تلك الموالية للحكومة والمعروفة بوسائل الإعلام القومية، إلي الصحف والقنوات الخاصة والمعارضة.. ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعى. وكانت الفكرة السائدة فى سيل الانتقادات الذى واجه الوزير هي أن الخبز «رغيف العيش» يمثل المادة الرئيسية في غذاء المصريين، وخاصة الفقراء منهم ـ وهم الأغلبية العظمى من المواطنين ـ بحيث أن المساس به يمثل اعتداء صريحا ومباشرا علي أبسط مقومات حياة السواد الأعظم من الشعب، ومن ثم فإنه يمثل سببا لسخط اجتماعى واسع جدا وتهديدا للاستقرار الاجتماعى.. وبناءً علي ذلك توارت الفكرة.

ولكن من الواضح أن الدكتور المصيلحى يتسم بقدر كبير من العناد وافتقاد الحس السياسي. فلم تكد تمر عدة أشهر حتى عادت هذه الفكرة البائسة تطل برأسها من جديد!! ولكن في ثوب «علمى» هذه المرة!! فقد كلف المصيلحى ما يسمى بـ«الإدارة العامة للدراسات وبحوث التكاليف» بوزارة التموين والتجارة الداخلية بإجراء دراسات وبحوث أسفرت عن معدل الاستهلاك اليومى للفرد من الخبز المدعم تتراوح بين (٢.٥ رغيفين ونصف) و(٣.٨.. ثلاثة أرغفة وثمانية أجزاء من عشرة من الرغيف)!! هل ترون الدقة؟!

ونجد أنفسنا مضطرين للقول مباشرة إن هذا كلام فارغ.. ولا علاقة له بأى بحث علمي، ولا ندرى علي أى أساس تم حسابه بهذه الدقة المتناهية المزعومة؟ فالمعروف أن الرغيف المدعم قد نقص وزنه كثيرا.. وأصبح (٩٠ جراما) لكنه فى ظل نقص أو انعدام الرقابة قد نقص بصورة أصبحت محل تندر عام بين الجميع.. والمعروف أيضا أن المصريين، وخاصة الفقراء، من أكثر شعوب العالم استهلاكا للخبز.. وبسبب الفقر بالذات، ولنا أن نتخيل ما يأكله عامل أو فلاح أو حرفي يعمل بيديه، أو حتى موظف شاب أو طالب في الوجبة الواحدة في ظل قلة استهلاك ــ بل قل ضآلة استهلاك ــ الطبقات الشعبية من اللحوم وشتي أنواع البروتينات والخضرات والفاكهة، والتي لا يعوضها إلاّ الخبز.. فهل يتناول الواحد من هؤلاء رغيفا إلاّ ربعاً بالذات (ثلاثة أرباع الرغيف في الوجبة؟!!) أو حتى رغيفاً وربع رغيف؟!

(من رغيفين ونصف إلى ثلاثة أرغفة وثمانية من عشرة في اليوم)؟!! وإذا كان الأرز قد ارتفع سعره، ولا يزرعه الفلاحون إلا في محافظات محددة، وأرز التموين أيضا قد ارتفع سعره فضلا عن سوء النوعية.. وإذا كانت أنواع الغذاء الأخرى الأغلي ثمنا قد أصبحت فوق متناول الفقراء.. فكيف يعيش المواطن الفقير؟ هل سيتناول المواطن الشاب أو الكادح إفطاره من الفول والطعمية مثلا برغيف وربع؟ أو سيتناول (الصنايعى) أو العامل أو الموظف غداءه رغيفا ولقمة في الغداء بعد يوم من الكدح؟!!

ويقول بعض المسئولين عن صناعة الخبز وعن التموين إن القرار لم يصدر بعد!! بينما يقول بعضهم إنه تأخر!! وإن من شأنه أن يوفر للدولة ٦ مليارات جنيه (راجع الأهرام ٢٥ يوليو  صـ٩/ والمصرى اليوم ٢٥ يوليو ص٣).

ونقول بدون لف أو دوران إن نصيب الفرد من الخبز (٥ أرغفة) إن لم تتم زيادته، فلا ينبغى إطلاقاً المساس به.

وبدون الدخول في التفاصيل الفنية الكثيرة لعملية إنتاج الخبز، فإن من الواضح أن المقصود من خفض نصيب الفرد إلي (٤ أرغفة) هو تقليص الدعم المقدم (لرغيف العيش) بنسبة ٢٠٪.

وفي المقابل فإن المواطن الذى لا تكفيه هو وأولاده حصتهم من الخبز، عليه أن يشترى الباقي بالسعر الحر الذى يتراوح بين (٢٥ قرشا.. لرغيف ضئيل يكفي بالكاد لأن تحلف عليه!!.. كما يقول المصريين بخفة دمهم المعهودة).. ورغيف بنصف جنيه يحتاج المواطن العادي إلي اثنين أو ثلاثة منه في الوجبة الواحدة.. ورغيف مقبول بـ٧٥ قرشاً أو بجنيه كامل، وباختصار فإن تنفيذ نتيجة وتوصية البحث «العلمى» المزعوم تعنى «تجويع المواطنين».. علماً بأن نتيجة «الدراسات العلمية» المزعومة تتفق مع تصريحات الوزير في بداية توليه وزارة التموين في فبراير الماضي.. أى أن الموضوع ليس مجرد أحاديث، وإنما توجه جدى لدي المصيلحي وربما لدي الحكومة..

ونلفت نظر كل من يفكر علي هذا النحو إلي أن النتائج السياسية والاجتماعية لمثل هذه الخطوة غير المسئولة والتى تعنى العدوان علي آخر ما تبقي للفقراء ستكون وخيمة، وأنها ستثير غضبا شعبيا واسعا فى ظل موجة تضخم منفلت زادت نسبته علي ٣٠٪ وأرهق الطبقات الشعبية والوسطى بما لا مزيد عليه من ناحية، وفي ظل استهداف إرهابي مسعور ومدعوم بسخاء من أعداء البلاد من ناحية أخرى، وقبل أقل من عام من انتخابات رئاسية قادمة من جهة ثالثة، والواقع أن هذه الخطوة تعبر عن انعدام تام للإحساس بمعاناة الشعب، وانعدام تام للحس السياسي، بل وللمسئولية عن الأمن القومي لدى من يحاولون التمهيد لتمريرها.

هناك أيضا نقاط دستورية وقانونية واقتصادية مهمة تتصل بهذه القضية:

١ - البرلمان أقر موازنة الدولة في بداية هذا الشهر بما فيها بنود الدعم، ومنها بند دعم الخبز، فبأى حق يريد اللواء الدكتور وزير التموين اقتطاع ٢٠٪ أو أكثر أو أقل من الدعم المقرر رسميا للخبز؟ وإلى أين يريد توجيهه؟ أم أنه يريد تسجيل نقاط لنفسه أمام رؤسائه علي حساب قوت فقراء هذا الوطن؟

٢ - ظلت المعزوفة الأثيرة لدى الحكومة علي مدى سنين عديدة أن الدعم لا يصل إلي مستحقيه ثم قامت وزارة التموين هذا العام بعملية تنقية واسعة النطاق للبطاقات التموينية بما أبطل هذه الحجة.. بل إن كثيرا من المستحقين يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول علي الكارت الذكى الخاص بالخبز.. وإذا كان البعض يستخدم هذا الكارت في شراء سلع أخرى تموينية، بدلا من الخبز، فإن هؤلاء يظلون أقلية لا يمكن معاقبة عشرات الملايين من الفقراء بسببهم، علما بأن كثيرين يضطرون إلى هذا بسبب رداءة الخبز في المخابز القريبة منهم، بسبب انعدام الرقابة الحكومية (وهذه مسئولية الوزارة) ومن ثم يتكلفون كثيرا لشراء خبز بالأسعار الحرة، وبديهى أنه لا يصح معاقبتهم مرتين.. ومعاقبة عشرات الملايين معهم.

٣ - إذا كنتم حريصين علي وصول دعم الخبز إلي مستحقيه فأوقفوا الملايين ــ وربما المليارات ـ التي تضيع بسبب التوسع في الكروت الذهبية لأصحاب المخابز، والسرقة في وزن الرغيف، وسوء الصناعة.. وشتي أشكال التلاعب بالبطاقات الذكية، ومن آخرها لجوء موظفين مسئولين عن إصدار بطاقات الخبز إلى إصدار بطاقات عن غير وجه حق، ووقف بطاقات أخرى عن غير وجه حق.. بحيث طال التلاعب مليون بطاقة ذكية!! نكرر: مليون بطاقة، استولي من خلالها موظفون قياديون في شركة تطبيقات الكروت الذكية «سمارت» علي ٦٠ مليون جنيه وتم اكتشاف الأمر وإحالتهم للجنايات (الأهرام: ٢١ يوليو ٢٠١٧) وما خفي كان أعظم.

٤ - محسوب علي منظومة الدعم هيئة اقتصادية كاملة وشركات تابعة لوزارة التموين وغيرها وإدارات بالوزارة.. بها كلها تضخم هائل في الرؤساء والمديرين والمستشارين بمكاتبهم الفخمة، وسياراتهم الفارهة، وجيوش السكرتارية والإداريين الخاصة بهم وما يحصلون عليه من مرتبات وبدلات ضخمة، ومكافآت علي حضور اجتماعات وهمية.. إلخ إلخ.. ومطلوب مراجعة كل هذه الهياكل البيروقراطية بصورة جذرية، والتخلص من عدد كبير من العمالة الزائدة فيها، وخاصة في المستويات الإدارية العليا، وخفض نفقاتها بصورة حاسمة.. مما سيوفر مليارات من الجنيهات من المال العام يتم إهدارها بصورة إجرامية.. وتحسب علي الدعم زورا وبهتانا.

٥ - وعلي سبيل المثال والتذكرة فإن الحكومة كانت قد اتخذت قرارا بترشيد النفقات بنسبة ٢٠٪ في نوفمبر الماضي.. ولم تقدم أى وزارة بما فيها وزارة التموين خطتها التفصيلية في هذا الشأن إلى البرلمان أو الرأى العام، لا في إطار الموازنة المنتهية ولا الموازنة الجديدة.

فهل يمكن ترك كل هذه (البلاغات) لإهدار المال العام، والهجوم علي (رغيف العيش الحاف) الذى تبقي لفقراء هذا الوطن؟!!

ارفعوا أيديكم عن رغيف العيش!

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE