الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 01:20 صـ
  • hdb
9 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

دكتور محمد فراج أبوالنور يكتب: البرلمان.. وأرقامه القياسية في »التشريع«

الأموال

 

 

احتل أداء البرلمان حيزا كبيرا من اهتمام الرأى العام المصري خلال العامين الماضيين، واحتدم حوله الجدل بين مؤيد وراض، ومعارض وساخط، ولا عجب في ذلك فمجلس النواب هو المؤسسة المنوط بها دستوريا سلطة التشريع ومراقبة أداء السلطة التنفيذية. وبناء علي السلطات الواسعة التى يخولها الدستور لمجلس النواب فإن كفاءة أدائه لها دور حاسم في تحديد مستوى كفاءة أداء المؤسسات الدستورية كافة.

وقد انتهى دور الانعقاد الثانى لمجلس النواب »العام البرلمانى الثانى« يوم الأربعاء 5 يوليو، بعد تسعة أشهر من العمل تخللتها عطلات طويلة وشكاوى من النواب من »كثرة العمل« و»طول الجلسات« إلا أن كلمة رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال تشير إلي رضائه الواضح عن حصاد دور الانعقاد (العام البرلمانى) الثانى سواء من الناحية التشريعية أو الرقابية.. فقد أشار رئيس البرلمان في الجلسة الختامية لدور الانعقاد الثانى إلي أن المجلس حقق نتائج غير مسبوقة وأقر خلال هذا العام (217) مشروع قانون، تضمنت 2238 مادة، خلال 68 جلسة عامة، استغرقت 227 ساعة (فضلا عن جلسات اللجان الفرعية) وفضلا عن ممارسة دوره الرقابى علي الأداء الحكومى.. (الأهرام ـ الخميس 6 يوليو 2017).

وبحسبة بسيطة ــ وبفرض استبعاد الجانب الرقابى في نشاط البرلمان ـ فإن إقرار 217 قانونا خلال 227 ساعة عمل في الجلسات العامة، يعنى أن إقرار القانون الواحد لم يستغرق أكثر من ساعة وبضع دقائق!! وهذا وقت ضئيل للغاية، بحيث يستحيل تصور حدوث مناقشة عامة جدية خلاله، علماً بأن القانون يجب التصويت عليه مادة مادة، وبفرض أن المجلس سيقره من القراءة الأولى، ولن تسفر المناقشة في الجلسة العامة عن الحاجة لإعادة صياغة أي مادة.. وهذا أمر يتعذر تصوره. وإذا افترضنا أن »عُشر« أعضاء المجلس الستمائة فحسب سيبدى رغبة في المناقشة أو التعديل لهذه المادة أو تلك (أو ضبط الصياغة مثلا).. وإذا افترضنا أن كل عضو سيتحدث لمدة دقيقتين أو ثلاث فإن إقرار القانون بصورة طبيعية لن يحتاج إلي أقل من أربع أو خمس ساعات من المناقشة المكثفة الجادة، فكيف حدث أن القانون الواحد لم يستغرق في مناقشته وإقراره في الجلسات العامة إلا ساعة واحدة وبضع دقائق؟!

وإذا حسبناها بطريقة أخرى من خلال تقرير الدكتور عبدالعال نفسه، الذى ذكر أن القوانين التي تم إقرارها تتضمن 2238 مادة فإن مناقشتها وإقرارها خلال 227 ساعة (أى 13620) دقيقة يعنى أن كل مادة قانونية لم تستغرق أكثر من 6 دقائق تقريباً لمناقشتها وضبط صياغتها والتصويت عليها!! فهل هذا معقول؟!

علماً بأن هذه القوانين أغلبها بالغ الأهمية، ويتصل بتنظيم مؤسسات الدولة، كقانون إنشاء مفوضية الانتخابات أو الهيئات المسئولة عن قيادة الصحافة والإعلام مثلا.. ومنها ما يتصف بطبيعته الفنية والعلمية المتخصصة كقانون الاستثمار القيد أو غيره من القوانين المتصلة بالضرائب والجمارك ومختلف القضايا المالية والاقتصادية المتخصصة شديدة الجدية، والتى لا يعرف عنها أغلب النواب  إلا قليلا جدا إذا كانوا يعرفون.. ومنها مثلا قانون الموازنة العامة للدولة بتفاصيله الكثيرة للغاية، والمتصلة بالسياسات الاقتصادية والمالية »وبالمناسبة فقد قدمت الحكومة مشروع الموازنة للمجلس متأخرا بأكثر من شهر عن موعده الدستورى، ولم نسمع كلمة نقد واحدة بهذا الصدد.. كما أقرت الموازنة بعد عدة أيام من بدء العام المالي الجديد.. وهذه مخالفة دستورية أخرى).

وبين هذه القوانين مثلا إقرار الحساب الختامى لموازنة 2014/2015 متأخرًا عن موعده بأكثر من عام ونصف، وإقرار الحساب الختامى لموازنة 2015/2016 بشهور عديدة (المفروض أن يتم إقرار الحساب الختامى للموازنة خلال 3 شهور من بدء العام المالي التالي لانتهاء العمل بموازنة العام السابق له).. ولا يقتصر الأمر هنا على المخالفة الدستورية للمواعيد، ولكن علي إهدار صميم الوظيفة الرقابية للمجلس من خلال المناقشة المتأخرة، وعدم تصويب أداء الحكومة في الوقت المناسب فضلا عن المناقشة المتعجلة لأمور تحتاج بطبيعتها لمناقشة جدية متعمقة إلى أبعد حد.

والواقع أن عدم حدوث ما أشرنا إليه يؤدى إلى فقدان الجمهور للثقة في جدية عملية التشريع، ويترتب عليه بالضرورة ظهور ثغرات جدية في التشريعات، لأنها لم تأخذ حقها الكافي من المناقشة المتعمقة بين وجهات النظر المختلفة، وبالتالي تظهر العيوب الدستورية.. الخ.. وتظهر الأحاديث غير المرغوب فيها إطلاقاً، عن »سلق« القوانين وما إلى ذلك، استنادا إلي عدم نضج المناقشات المرتبطة بعملية إقرار التشريعات، وهو آخر ما يتمناه لنفسه أى نظام سياسى يحترم إرادة شعبه.

ومما يلفت النظر بكثير من عدم الارتياح أن مسألة  قانونية ودستورية مهمة تتصل بحكم لمحكمة النقض بشأن إسقاط عضوية أحد النواب »أحمد مرتضى منصور« وإقرار نجاح منافسه، لم يقم لها المجلس اعتبارا، وأدخلها في دهاليز مناقشة اللجنة التشريعية وغيرها، بالرغم من وضوح النص الدستورى بشأنها، الأمر الذى يمثل انتهاكاً للدستور، لايختلف عليه اثنان.. كما يمثل بالطبع انتهاكاً لاستقلال القضاء.

وإذا انتقلنا إلي الجانب الرقابي من عمل البرلمان، ومع كل الاحترام لجميع الأفراد والمؤسسات فسنجد أن البرلمان لم يمارس هذا الحق والواجب الدستورى ولو حتى من خلال إلزام الحكومة بتنفيذ ما وعدت به في بياناتها المختلفة.. وقد أشرنا في مقالين سابقين في هذا المكان إلي الشكاوى المريرة في لجان المجلس من عدم تقديم الحكومة لبرامج وخطط تفصيلية لتنفيذ بياناتها وبرامجها العامة.. لكن هذه الشكاوى المريرة لم تجد طريقها إلى الجلسات العامة في صورة محاسبة للحكومة.

واستجوابات حول أداء الوزارات، ويكفي أن نشير إلي قرار ترشيد الإنفاق الحكومى بنسبة 20% فى نوفمبر الماضى، والذى لم يرتبط بأى برامج تفصيلية يقرها البرلمان، كما كان ينبغى، وبالتالي فإن أحدًا لا يعرف بالضبط ماذا كان مصير هذا القرار؟

أما عن الاتفاقيات الدولية بخصوص القروض أو مع صندوق النقد الدولى، والتي تترتب عليها نتائج بالغة الجسامة بالنسبة للاقتصاد وأوضاع معيشة أوسع الجماهير، فهي بعيدة تماما عن رقابة البرلمان.. مع أنها في صميم وظيفته الرقابية، وهذا كله مستحيل فى أى نظام ديمقراطى.

وبناء علي ذلك كله.. هل نندهش حينما يتساءل الكثيرون عن دور البرلمان وجدواه؟؟

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE