الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 05:28 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: إرهاب الثانوية العامة

الأموال

 

 

بإعلان نتيجة »ماراثون« الثانوية العامة الشاق يوم الأربعاء الماضى، فإن »ماراثون« آخر قد بدأ في مكتب التنسيق للحاق بمكان في الجامعات.. الحكومية أو حتى الخاصة والدولية، بينما ينتظر الراسبون للعام المقبل لعلهم يحرزون فوزًا مؤجلا في السباق.

وتبقي الثانوية العامة أزمة كل بيت في مصر بل أزمة منظومة التعليم كلها.

هذا الرعب السنوى الذى تشيعه امتحانات هذه الشهادة.. لم تفلح وزارة التعليم فى كل الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين في التخلص منه خاصة بعد أن تزايدت حدته في السنوات الأخيرة بدرجة كبيرة، بل إن تعاطيها مع هذه الشهادة وامتحاناتها هو الذى أسهم في زيادة هذا الرعب بقدر زيادة عنف هذا السباق العبثي الذي أحسب أنه لا نظير له في العالم.

وفي نفس الوقت فإن ثمة ثقافة مجتمعية استشرت مؤخرًا وعلي نحو مبالغ فيه جدًا، حيث دخلت الأسر المصرية هذا السباق المحموم مع أبنائها الطلاب للالتحاق بالكليات التى جرت تسميتها في تعسف سخيف بكليات القمة.. ممثلة تحديدا في كليات الطب والهندسة والصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام دون النظر إلي قدرات كل طالب ومدي ملاءمة أى من هذه الكليات مع توجهاته الدراسية، ودون نظر إلي حاجة سوق العمل لخريجى هذه الكليات الذين لا يجدون فرص عمل متاحة بسهولة وأغلبهم متعطلون أو يعملون في أعمال ومهن لا تمت لدراستهم بصلة.

< < <

بسبب هذا السباق المحموم انتقلت العملية التعليمية من المدرسة إلي الدروس الخصوصية لدى من احترفوا هذه المهمة الفاسدة التى أهدرت قيمة التعليم حيث يعتمد هؤلاء المحترفون علي تلقين الطلاب أساليب الإجابة علي أسئلة الامتحانات وفقاً لإجابات سابقة التجهيز تحقق الفوز بأعلي الدرجات دون فهم حقيقى للمقررات الدراسية.

فى ظل هذا التعليم الموازى الخادع.. غاب المدرسون عن المدارس وهرب الطلاب وصارت الفصول الدراسية خاوية على عروشها ليتراجع التعليم في مصر ليس في المرحلة الثانوية العامة فقط ولكن في كل المراحل الدراسية، وحيث تراجع تصنيف مصر في الترتيب العالمى بل لعلها خرجت تماما من الترتيب.

< < <

ولذا فإن مراجعة شاملة وعلمية لمنظومة التعليم في مصر يتعين إجراؤها بكل جدية لكل المراحل الدراسية بداية من الأساس أى التعليم الأساسى حتى الثانوية العامة على الأقل، أما التعليم الجامعى فإنه يستوجب وقفة أخرى ومراجعة ضرورية أيضا.

في سياق هذه المراجعة الضرورية أتصور أن تكون البداية بإعادة النظر في امتحانات الثانوية العامة للتوصل إلي نظام آخر أو صيغة أخرى لهذه الإمكانات وفقاً لمعايير علمية تعليمية لقياس حجم التحصيل العلمى الحقيقي الذى لا يعتمد على امتحان واحد في نهاية العام الدراسى.

> > >

إن امتحان هذه الشهادة المهمة المؤهلة للدراسة الجامعية الأكاديمية يتعيّن ألا يكون قياساً لقدرة الطالب علي الحفظ فقط واسترجاع ما تم حفظه وتلقينه من جانب المدرسين الخصوصيين المحترفين، بقدر ما يتعيّن أن يكون قياساً لقدرة الطالب على الفهم والتفكير والتحليل، وبحيث لا تكون للأسئلة إجابات محددة سابقة التجهيز يتم وفقاً لها تقييم وتصحيح الإجابات، ولعل شهادة الثانوية البريطانية نموذج يحتذى في هذا الصدد.

أما دور المدرسة والمدرسين الغائب تماماً منذ سنوات في كل المراحل التعليمية وفي الثانوية العامة بوجه خاص، فإنه لا صلاح ولا إصلاح يرتجى للتعليم في مصر إلا باستعادة هذا الدور مرة أخرى وبكل وسائل الترهيب والترغيب، وهو الدور الذى أهملته وتغافلت عنه الوزارة المسئولة عن التعليم في كل الحكومات المتعاقبة السابقة، بل لا أبالغ إذا قلت إنها لاتزال تتواطأ عن عمد فى إغفاله وغيابه دون أى محاولة لضبط العملية التعليمية.. مكتفية بالاحتفال بالأوائل وبدرجاتهم المرتفعة التي تصل إلى (100%)!!، في تحايل واضح علي تردى التعليم كله.

< < <

إن فشل منظومة التعليم في مصر والذى يعكسه التعليم الموازى خارج المدارس في الدروس الخصوصية.. يؤكد أكذوبة مجانية التعليم في واقع الأمر، وحيث صارت وزارة التعليم مجرد جهة رسمية لإجراء الامتحانات وتسليم الطلاب أرقام الجلوس وإعلان النتائج ونسب النجاح.. ولا عزاء للتعليم الحقيقى.

< < <

المفارقة أن الأسر المصرية تدفع أكثر من 30 مليار جنيه سنوياً تكلفة الدروس الخصوصية في الثانوية العامة وحدها غير مليارات أخرى في بقية المراحل التعليمية، وهى مبالغ مالية بالغة الضخامة من الممكن بقدر من التوافق المجتمعى ضخها ضمن المصروفات الدراسية لرفع مرتبات المدرسين المتدنية والتى يتعللون بضعفها لإلغاء الدروس الخصوصية.

< < <

إن الحلول كثيرة والبدائل متعددة والخيارات متاحة لإصلاح منظومة التعليم الفاشلة وإنهاء هذا الرعب السنوى باسم الثانوية العامة التى صارت إرهاباً حقيقياً لكنه من صنع أيدينا ويتعين التصدى له والقضاء عليه مثلما يجرى التصدى للإرهاب الإجرامى الذى يستهدف استقرار الدولة المصرية وسلامتها.

< <  <

إن استمرار رعب الثانوية العامة الذى يستهدف استقرار الأسر المصرية ونهوض العملية التعليمية يجعلنا ودون أن يكون ذلك مزاحاً في موضع الجد نطالب بإدراجها علي قائمة التنظيمات الإرهابية.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE